لقد رجع أبو شنب… ثم ماذا بعد ذلك؟

 


 

 

نقول في السودان بالدارجة السودانية السمحة لصاحب الشارب "أبو شنب". ويعتبر الشنب الذي يحرص على تربيته بعض، ويتجنب تربيته بعض آخر، شيء مميز لصاحبه. هناك من يحرص على تربية شارب كث، وهناك من يعتدل في تربية شاربه "هكذا"، وهناك من يتجنب تربية الشارب، خصوصا عندما يبيض "هذا العضو الغريب"، ويظهر في وسط الوجه، وكأنه غطس في قرعة من الحليب. ليس لنا مفر من ذلك، وهنا أعني نفسي قبل كل شيء، بتجنبي لتلوين الشعر مهما ازداد بياضه. الشيء الذي يجبرنا حتما ذات يوم بقبول ما تلون وشاب من شعر، وما الشيب إلا وقار.

أبو شنب هو الشخص الذي تسمع كلمته، وعندما يتحدث، يستمع إليه الجميع. وكما هو معروف في بوادينا، كلما صار الشنب كثيف، صارت لصاحبه الكلمة. وعندما يدخل أبو شنب السوق، يقف له السوق على رجل واحدة. هذا الشعور، الذي ربما كان شعور غريزي في الإنسان، وهو الإحساس بالأمان بجانب أبو شنب، الذي تتجسد في شخصيته الحماية، وهذا حتى ولو كان من نظرة جينية، علامة من العلامات الثانوية. وهناك أمثال سودانية عدة تم صياغها في شخصية أبو شنب، مثل: رجع أبو شنب، وفات... إلى آخره. الشيء الذي بين أن بوجود أبو شنب، تتوفر الطمأنينة.

بعودة الدكتور حمدوك رئيسا للوزراء، تضاربت الآراء، ما بين مؤيد ورافض لعودته. لقد كان موضوع الساحة قبل أيام، البديل للدكتور حمدوك. وقتها هاجت مصادر الإعلام وضجت الأسافير بسبب البديل. وكانت الأمنية الوحيدة لأغلبية السودانيين في الداخل والخارج، ألا يكون هناك بديل. ها هو الآن الدكتور حمدوك في موقعه، الشيء الذي يتطلب الاحتكام للعقل والصبر، حتى لا تدخل البلاد في شبكة أخرى. وللدكتور حمدوك أن يكون حاضرا ومستحضرا، أن نار الثورة لا يمكن أن تخمد، إلا بعد أن يجري القانون مجراه في محاسبة القتلة والمفسدين وعناصر النظام البائد.

فيما يخص التأييد: يأتي بسبب الثقة التي توفرت في شخصية السيد رئيس الوزراء في العامين الماضيين. الجهود التي بذلها من جانبه في المضي بالبلاد قدما، من أجل تحول ديمقراطي سليم. تخطي العقبات التي تقف أمام الدولة، من استثمار وتمويل، والحفاظ على كينونتها. خطوات النجاح في قبول السودان دوليا، بعد الفشل في هذه النقطة بالتحديد، ولأكثر من ثلاثين عام. الجهود التي بذلت، وما زالت تبذل من جانب رئاسة الوزراء، من أجل حقن دماء الأبرياء، وتجنب الانقسام والتشظي في البلاد. والعمل على إرساء مقومات الحكم، لتقويم نظام عدلي، يحسم انتهاكات حقوق المواطن.

فيما يخص الرفض: يأتي بسبب الأحداث الأخيرة في البلاد وبكل المسميات، انقلاب على الحكم، أو تصحيح في مسار الثورة. حبس طاقم الحكومة بما فيهم رئيس الوزراء، ثم عودته بغياب بقية الطاقم، الذي كان بالأمس في الحكم، وصار اليوم في عداد المنسيين. غياب أهم اللجان المرجعية عن الساحة السياسية، لجنة إزالة التمكين، بمتابعة ملفات الفساد من الألف إلى الياء بكل نجاح، وإلى فترة تفوق الثلاثين عام. إزهاق أرواح المتظاهرين المسالمين، دون تقديم الجانين عليهم لمحاكمة عادلة. وغياب الصلاحيات التي تمكن رئاسة الوزراء من اتخاذ القرارات بحرية ومن دون قيود.

للوقوف هنا برهة مع بعض الأعطاب: الكل يدري بأنه لا يمكن إصلاح ما أعطبه الزمان ما بين يوم وليلة. نعم، العبء على حكومة الفترة الانتقالية هو لعبء ثقيل، ولكن هذا لا يعفيها من مواصلة المشوار للخروج بابلاد إلى بر الأمان. نعم، الأمر يحتاج هنا لوقت وعلى الشعب أن يواصل التماسك، وألا يفقد الأمل. البحث عن البديل في الوقت الراهن هو شيء غير مجدي، وتضييع للزمن، وهذا خصوصا في وقت تتربص فيه عشرات الدول بمنطقة الشرق الأفريقي، لتحويلها إلى منطقة غير آمنة، لكي تصبح سوقا رائجا لتجارة الأسلحة، والإتجار بالبشر، وموقع للهجرة الغير قانونية.

لقد صبر هذا الشعب العظيم على ويلات الزمان، وحان الوقت لكي يفكر أولي الأمر بوطنية في أمره ومستقبله. هنا بعض النقاط التي لا بد من ذكرها: على رئاسة الوزراء أن تعيد اللجنة المهتمة بملف الفساد إلى موقعها، وعليها نيل الصلاحية الكاملة في الاختيار المحايد للكوادر المؤهلة للتشكيل الإداري والإقليمي والوزاري المرتقب. وعلى الجيش أن يرجع لثكناته، ويعمل على إعادة أراضي السودان المسلوبة وصونها. على الحركات المسلحة أن تخلي العاصمة والمدن، وأن ترجع إلى المناطق المخصصة لها، إلى أن يتم استيعابها في جيش سوداني موحد بعد تمشيطها، وتأهيلها، أو يتم حلها كليا.

علينا ألا نفقد الأمل في السيد رئيس الوزراء، وأن ندعمه، ونشد من أذره، بمزيد من الثقة. ربما بدأ لنا النجاح بعيدا، ومتلاشيا في الأفق، ولكن واقعنا يقول لنا: علينا أن نصبر إلى أن تشرق شمس الوطن. الآن توجد الفرصة في أيدينا، وعلينا ألا نضيعها بأيدينا، ونسلمها لجهات خارجية ذات أطماع فينا. وكما للحكومة الانتقالية التزامات تجاه الأحزاب، فإن للأحزاب واجبات تجاهها، وهي أن تستثمر الوقت في إعداد برنامجها الانتخابي، بدل انتظار المحاصصات. ونوصي هنا السيد رئيس الوزراء، الدكتور حمدوك ونقول له بوفاء: أمل السودان، شعب وبلد كبير فيك "يا أبو شنب"، وألا تنسى الوصية.

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de

 

آراء