لماذا تبرأ البرهان من جماعته؟

 


 

 

في خطابه بقاعدة حطّاب العسكرية أعلن البرهان براءته وجيشه من الولاءات الحزبية وأولها الولاء للمؤتمر الوطني الحزب الذي كان حاكماً، دهشت الأوساط الإعلامية لهذا الكفر البواح بالإيمان بالمشروع الجبهوي للتيار الإسلامي في السودان، ولكن لو تتبعنا سيرة ومسيرة رموز الاخوان المسلمين منذ أن تحوّلوا من هذا الإسم القديم وتجددوا إسمياً وصولاً لمرحلة تأسيس (الحزب القائد)، ذلك الوعاء الجامع للجماعات الإسلامية وأحزاب (الفكّة) الانتهازية (أحزاب كل حكومة)، نجد أن قادة حزب المؤتمر الوطني الذين حكموا البلاد بالحديد والنار والتعذيب والترهيب، وبالترغيب والرشاوى والابتزاز واشعال الحروب وفصل الجنوب الحبيب، يمتازون بالقفز فوق المباديء، وذلك يعتبر ديدن كل الذين ترعرعوا تحت كنف الجماعة الاخوانية، فلا عجب ولا عجاب لو رأيت رئيس الحزب والحكومة والدولة آنذاك يركع تحت قدمي الدب الروسي، ليتخلى عن جميع الشعارات المنادية بضرب روسيا العظمى ورفع الآذان بالبيت الأبيض، فتناقضات المواقف وإظهار خلاف الإبطان هو منهج حياة لدى إخوة الحسنين (البنا والترابي)، العسكريين منهم والمدنيين، فلا تستغرب عزيزي القاريء إن رأيت عبد الفتاح البرهان يطرق أبواب الحزب الشيوعي طالباً للعضوية، فالأهم في القضية برمتها التمسك بالكرسي حتى آخر رمق.
قراءة مخرجات خطاب قائد الجيش تأتي في سياق التأثير والأثر الكبير لقرار المحاور الإقليمية والمنظمات الأممية على المصير السيادي لدولة السودان، يجب على المواطنين الكرام أن لا يغتروا بالأجسام الضخام لممثلي الفعل السياسي والعسكري في البلاد، فالأمر لا يعدو عن كونه (نفخة كدابة) وترجمة حقيقية لما يريده المحور المعني، فالبرهان وحميدتي والمدنيون القحتاويون والتوافقيون المتمردون جميعهم يخضعون لسياط الجلّاد الإقليمي وأوامر السيّد الدولي، وليس فيهم رجل شجاع يقول (بغم) في وجه الجهة التي ترعاه وتغذيه وتحميه وتشرف على (تربيته)، وخطاب البرهان أمام جيشه هو واحد من تمظهرات التطورات الطارئة على ساحة المحور الذي أعلن الحرب الشعواء على الإخوان المسلمين منذ بضعة سنين، ومعه عدم اكتراث هذا المحور لتوسلات الدولة الشريكة في المحور والداعمة للبرهان ذات الثقل السياسي في المحيطين العربي والإفريقي، لقد وصلت الرسالة الهادفة إلى استئصال الإرهابيين الذين ما تركوا بلداً من بلدان الزنج والعربان إلّا وغرسوا فيها أنيابهم المسمومة، والذي يدور في مقبل الأيام هو المساعي الجادة والحثيثة لبتر شأفة تيار الهوس المعادي للرؤية الحداثية، التي فرضت وجودها بعد الحرب الروسية الغربية. فإنّ البرهان أخانا المجبر وليس البطل.
بلادنا تزحف نحو هاوية المخطط الدولي والإقليمي بعد كل فجر يوم جديد، والعمالة والارتزاق والكيد السياسي التنافسي الهادم لتماسك اللحمة الوطنية يشتد بصورة مثيرة للتحفظ، والجميع يؤدي دور السافرة التي تدّعي الحشمة والوقار، وكل من يتحدث عن موجبات الانتقال وضرورات المحاسبة والمحاكمة وتفعيل دور القضاء المستقل، يدلي بذلك وهو عالم علماً يقينياً بأن المقود يمسك به الخارج وليس الداخل، ومن هنا جاءت المواقف الثابتة للشرفاء الذين لا يريدون الاغتناء من حصد ثروات وطنهم من الأيدي الأجنبية، فيجب أن يسجل صوت الشكر للجذريين والمقاومين الذين لم يرهنوا المباديء الوطنية للنزوات الشخصية ولا للطموحات المشيدة على أكوام جماجم شهداء الوطن من كجبار مروراً بميدان القيادة وجبال النوبة والأنقسنا وبورتسودان وكسلا ثم دارفور، وعلى شعبنا الصابر أن يقيس أقوال المتحدثين باسم الكرامة الوطنية بمقياس أفعالهم، فلو طابق القول العمل اصطففنا خلف راية الذي إذا قال فعل، وإن استطال ظل الكذبة، ما على الناس إلّا أن يخرجوا من تحت شجرة الزقوم، ذات الظل الذي لا هو بظليل ولا هو بمنجٍ من اللهب، والمعادلة السياسية الراهنة لا يزن طرفيها إلّا الذين صبروا، ولا يستأثر بمنجزها إلّا صاحب الحظ العظيم، فالسباق نحو نيل رضا الوطن يناله القابضون على الجمر.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
8 نوفمبر 2022

 

آراء