لن يُبنى الوطن بالمُحاصصات ولا بالهرولَه إلى المناصب ولا خدمة أهداف الدول الخارجيه

 


 

 

ونحنُ نُمَهّد الطريق لإحدى وقفاتنا الإحتجاجيّه أمامَ مجلس الوزراء قبل أيّامٍ من حدوثِها كانت هنالك وقفه إحتجاجيّه مِن قِبَل مُصابو فَضّ الإعتصام وما بعد فَضّ الإعتصام. كانوا يقفون في ظروفٍ قاسيه تحت هجير الشمس ولظاها المتتابع فيما غيرِ رحمه. تتابعَ وجودهم هنالك آناءَ الليل وأطراف النهار وكنا نتردَّدُ عليهم يومياً في أوقاتٍ مختلفه من اليوم وبدأوا يتناثرون حول مجلس الوزراء تحت الأشجار والبنايات إصرارًا منهم على التواجُد و " مُضالَفَةً " على أنفُسِهم من الهلاك وكانت الحياةُ داخل المجلس تسيرُ سيرَها الطبيعي!

دارَ حوارٌ فيما بينِنا عن ماذا سوفَ يُثمِر لقاءنا بمسؤولي مجلس الوزراء اذا كان ما نراهُ هو حال مصابي أعظم ثوره أحدثها شعبٌ في تأريخِ البشريه الذين هُم أمام أعيُنِنا يتسوّلونَ مجرد مقابله او اهتمام او تقدير من مسؤولينا من المدنيين الذين ألقَت بهم الصُدفَه الى طريقِ الوطن. لم نضع في إعتبارِنا المثل القائل " أخوك إن حلقوا لي بِلْ راسَك " ومضينا فيما نحنُ فيه و ... حدَثَ ما حدث.

لقد أسهَبتُ في شَرح الأسباب التي أدخَلَتنا فيما نحنُ فيهِ الآن من ضياع وذلك من خلال تجربةٍ شخصيّه وليس من إستقراءٍ لمُعطَيات الحاضر المُخيف او من خلال التحليل لفترة الإنتقال. ذهبنا بكلّ قوانا والطاقه الكامنه بدواخلِنا نتاجاً لثلاثين عاماً من القهر والضَيم لنا ولشعبِنا .. كُنّا نعتقد أن كُلّ كُرسي ستقع أعيُنِنا عليه سوف يكونُ عليهِ الرّجُل المُناسِب وسوف نَقودُ السّفينه ، جميعُنا ، الى حيثُ مَراسيها الأمينه الآمِنَه. كان الجميعُ على قلبِ رَجُلٍ واحد في وُحدَةٍ تلقائيه لم نشهد لها مثيلاً من قبل. لم نتخيّل أن تكون العقبه الكؤود الأولى والأخيره هي الجانب المدني من الحَبكَه الثقيلَه التي ألقى بها القَدَر في طريقِ بلادِنا. تحدثنا إلى كلّ مدنيٍّ لهُ علاقه بفترةِ الإنتقال كحاكمٍ او كداعِمٍ او كمُوَرّدٍ للحاكمين. تحدّثنا بِقُوّةِ اليقين الذي تَسنِدُهُ ثلاثينَ عاماً من القدَاسه الناجمه عن الوطنيه الخاليه من الغرَض وعَرَضنا بالمستندات برامِجاً أمنيةً موثّقةً منذ عام النكبه وخرَجنا بأنّ القَوم على اختِلافِ مَنابِرِهِم قد أجمعوا على عَزلِنا عَزلاً لا يتطرّقُ اليه أدنى شك. كانَ واضِحاً أنّ هنالِكَ ( برنامجاً مُحدّداً ) مُتفَقٌ عليهِ لن يَحِيدَ عَنهُ او عن تنفيذِهِ أحَد.

لم يُغيّر واقع الحال الجديد ، من إنتشارٍ للجريمه خاصةً النهب في شوارع الخرطوم والسطو المُسَلّح والقتل ، من تصميم المدنيين في إنطِلاقِهِم صَوبَ إلتزاماتِهِم التي لم تدخُل فيها مصلحة الوطن. ظلّ مؤشّر الجريمه في إرتِفَاعِهِ ومضى أصحابُ الشأن في برامِجِهِم ومَضَينا في تذكيرِهِم حتى مذكرتنا بتاريخ ٨ سبتمبر بإعادة ضباط الشرطه للخدمه وضرورة تكوين ( جهاز الامن الداخلي) من مفصولي الشرطه ، المذكره ، التي لم تكن أفضلُ حظّاً مما سبقها. وظللنا ( نتردّد ) على مكتب الوزير بعدَ تقديمها حتى حدوث الإنقلاب.. و ما أسمَعتَ إذ ناديتَ حيا.

خيانة العسكر للوطن لا تحتاج إلى كبيرِ جهد للوصولِ إليها. الآن نحنُ في مأزَقٍ ليس مطلوبٌ مِنّا " مُجَرّد " الخروج منه ولكن المطلوب هو عدم تكرار الأخطاء وعدم تدوير نفس الأوجُه التي زَجّت بنا في أتُونِ ما نَحنُ فيه هكذا يقولُ المنطق السليم . نحنُ ، الأحياء ، لسنا بأفضَل من الشُهَداء الذين ذهبوا راضين مَرضيين لنتشبّث بحياةٍ نُسيئُ فيها ظروف الإختيار بعدَ تجربه مريره أدّى إهمالنا وظروف الزمان والمكان والإنعِتاق من رَبِقة الأنقاذ إلى فرضِ نَفسِها علينا.

ما نحنُ فيه لن يزول بالتمني او الجلوس مع العسكر مرّةً اخرى وقد تتطور الاحداث لأسوأ ما يمكن ان يحدُث وذلك يتطلّب منا الجاهزيه لكل الاحتمالات.

رأيُنا دائماً ظلّ ثابتاً لا يتغير وقد عَبّرَت عنهُ اللاءات الثلاثه التي انطلقت من واقع الثوار على الأرض. وعبّرَ عنها رفضهم الميداني لكلّ مَن شارَك في فَترة الإنتقال. كل الدعوات التي تتردد الآن لتجاوز الخلافات لَن تُبنى إلّا على شَفا جُرُفٍ هارٍ سينهار بمجرّد بدء البِناء وستتكرّر المأساه . لن يُبنى هذا الوطن بالمُحاصصات ولا بالهروَلَه للمناصِب ولا بالإنتماءات لخدمة أغراض ومصالح الدول الأخرى ولا بإعادة تدوير الفشل ولو أدّى ذلك للمزيد من المعاناه. يستطيعُ كُلٌّ مِنّا أن يُجامل الآخرين فيما يملك وفي مَنْزِلِهِ وفي خصوصيّاتِهِ ولكن فلنتذكّر ألّا مُجامَله في حقوق الوطن فهذه المفاتيح لا يملكُها الآن إلّا أصحابها المنتشرون على طُرُقات الوطن. لا يملكُها الّا الذين رحلوا ودماؤهُم مازالت تُبَلّلُ طرقات الوطن


melsayigh@gmail.com

 

آراء