ما هذه اللغة التي تعرف باللغة الإنجليزية (4/4)

 


 

 

sanous@yahoo.com

((4)) من ((4))

ما الفائدة من هكذا مواضيع - الحلقة الأخيرة

في الأجزاء السابقة كتبنا عن المكون العرقي الأول لبلاد الانجلا، وهى إنجلترا الحالية ، ولغتهم و من ثم اثر الهجرات والغزوات اللاحقة و اثرها اللغوي و كيف ان لغات تلك المجموعات الخليط ، خلطت و عجنت و خرجت اللغة الإنجليزية من ذلك العجين. في الكتيب الثالث حاولنا مقارنة بعض المفردات من اللغة الإنجليزية الحالية و اللغة الألمانية ، لنبرهن ، ولو طفيفا ، ان اللغة الألمانية هي اصل اللغة الإنجليزية.

الان ، بعد هذا المجهود والوقت اللذان بذلهما شخصي في الكتابة و المجهود والوقت اللذان بذلهما القراء في القراءة ، علينا بالسؤال و هو ، لماذا شخص غير متخصص و من بلاد السودان ان يكتب عن هكذا موضوع ؟ قد يبدو للبعض انه غير مفيد؟ الإجابة تكمن في الحصول على المعرفة التي تجعل الانسان العادي و المتخصص ، في اتخاذ القرارات الصحيحة بغية المساهمة في بلوغ الفرد او المجتمع ، اهدافه ، دنيوية كانت ام اخروية ، لا فرق . هذه المعرفة اللازمة هي من نقل لنا امر الله بإلزاميتها ووجوب الحصول عليها ، عن طريق رسولنا الكريم في الحديث ( اطلبوا العلم و لو في الصين)و ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) . يقيني ان الرسول الاكرم لا يعنى بذلك العلم هو علم القران او سنته او العلوم الدينية عامة او القراءة و الكتابة ، ولكن يقصد بذلك كل أنواع العلوم ، ومنها علوم الزراعة و التطبيب و التصنيع و علم الفلك و علم الصيد والعلوم الانسانية مثل اللغات و التاريخ و علوم السياسية و غيرها. هذه العلوم مجتمعة ، فريضة علينا و ما من فرض الا وحقق لنا فوائد تفيدنا في الدنيا وزادا يعيننا في الأخرة.

القران الكريم دائما ما يذكرنا باننا خلقنا من نفس واحدة. ﴿هو الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمّا أثْقَلَتْ دَعَوا اللَّهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشّاكِرِينَ﴾ صدق الله العظيم ، سورة الأعراف ، الآية 188. اما بالنسبة للذين لا يؤمنون بالله او لا يؤمنون بالقران، فعلينا تذكريهم بان العلوم الطبيعية ، و تحديدا أبحاث الحمض النووي ، اثبتت ان كل خلق الله من البشر العاقلين ، انحدروا من ام واحدة و هي ما تعرف ب ( حواء الميتوكندرية) و التى عاشت في افريقيا قبل 130 الف عام. خرج البشر من هذه الام و تناسلوا و انتشروا في الأرض وتواصل نسلهم الى ان خرجنا نحن الى للحياة . في هذه الرحلة الطويلة، مر البشر بتجارب مختلفة ونجاحات وإخفاقات مختلفة ، من اجل البقاء على الحياة و التكاثر ليخلفوا ذريهم في الأرض تمشيا مع غريزة حفظ النوع . العلم البشري ، بدا يوم ان علم الله ادم الأسماء كلها وسوف يستمر الى ان تقوم الساعة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤلاء إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . البقرة الآية 30. و هنا علينا ان نتذكر ان الله خلق ادم و من ثم علمه و من ثم اختبره و من ثم اطلقه في الأرض ليستقر فيها معتمدا على ذلك العلم ( و لكم في الأرض مستقر و متاع الى حين). ولان ادم لم يكن معه انسانا اخرا، يتعلم منه ، تكفل المولى عز وجل بتعليمه مباشرة ودون اى وسيلة أخرى . ما كان لادم ان يستمر هو وزوجه وذريته، الى يومنا هذا، دون علم . هذا العلم، هو الذى وجهنا الرسول الكريم ان نطلبه ولو كن في الصين . فالعلم المعنى لم يكن علما دينيا و حسب ، بل كل معرفة ترفع عن الشخص جهلا بأمر ما . من بعد ان توسعت اسرة سيدنا ادم ، بدأ ابناءه بالانتشار في الأرض . كل بما تعلم من ادم وزاد عليه ما تعلمه من تلقاء نفسه . التعليم الأول بنى على ملاحظة الطبيعة و الخلق. فطلوع الشمس يأتي بالضوء و الحر و غروبها يأتي بالظلام و البرد . إطفاء الجوع يتم بالتقاط الثمار و اكلها واطفاء العطش بالبحث عن ماء و شربه . من بعد ذلك بقرون تعلم الانسان كيف يحصل على النار في الأماكن و الأوقات التي لا يجدها في الطبيعة.. و كهذا . رحل الانسان وانتشر في افريقيا و من ثم خرج الى القارات الأخرى ووصلها. من بعد ذلك بقرون كون الانسان الاسرة و من بعد ضنى الطبيعة بالطعام ، تعلم الانسان الصيد و من ثم الزراعة واكتناز انتاجه و تعلم السرقة والحرب و الانتصار و الهزيمة الخ.
امتدت رحلة الانسان لأكثر من 130 الف عام . وصل الانسان الى كل بقاع الأرض . المهم انه كلما تباعد البشر عن بعضهم البعض كلما تعلمت كل مجموعة طرقا للحياة تختلف عن ما لدى المجموعات الأخرى . مجموع ما حققه وانجزه و تحصل عليه البشر من مادة و الأفكار و المعتقدات و التقاليد و الممارسات المصاحبة لذلك الإنجاز و التحصيل ، كل ذلك يسمي بالثقافة . علينا الوقوف طويلا عند عبارة او مصطلح ثقافة . لشرح هذا المصطلح وهو ( ثقافة) ، علينا بالرجوع للمصادر. بالقوامس العربية ( ومنها قاموس المعاني) ، تم تعريف كلمة ثقافة على أنها العلومُ والمعارفُ والفنون التي يُطلب الحذق فيها . الغربيون عرفوا الثقافة بطريقة تختلف و اشمل و قسموها الى قسمين. (1) القسم الأول و هي الثقافة المادية ، وهذه تشمل كل شيء مادى ينتجه او يملكه المجتمع المحدد ، مثل الملابس و العصى و الطواري و الغلة و الابقار و الأغنام و الأسلحة البدائية ، عند المجتمعات المتخلفة ماديا ، و مثل البيوت المصنوعة و السيارات و المدارس و الجامعات و الطيارات و الموبايلات ، المشافي الحديثة .الخ ، مصنوع محليا او مستورد ، تستعمله المجتمعات ذات الغنى المادي . فمثلا اقتناء الايباد ليس من ثقافة المجتمعات الرعوية في غرب السودان ، كما ان الحربة او لبدة الحمار ليس من ثقافة سكان برلين ولا طوكيو. (2) القسم الثاني هو الثقافة غير المادية . الثقافة غير المادة تشمل الأفكار والمعتقدات والممارسات و الاحكام الشخصية الخاصة بالمجتمع. فمثلا الاعتقاد بوجود الله هو من ثقافة شعوب غرب اسيا و شمال افريقيا و لكنه ليس ثقافة شائعة في الصين ، مثلا . ممارسة السلام باليد هو من ثقافة الشعوب الافريقية و لكن ممارسة السلام بالانحناء للأمام هو ثقافة الشعب الياباني . الاكل الجماعي من ماعون واحد هو من ثقافة الشعوب الافريقية و لكن ليس من ثقافة الشعوب الاوربية. الخ ( المصدر : علم الاجتماع ، جامعة رايس الامريكية ، تأليف مجموعة من المحاضرين ، الطبعة 2 اى – ص 61 ، الناشر ، ابواستاكس). مع ملاحظة ان الاقتباس ليس حرفيا ولكن بتصرف بغرض الايضاح . فالثقافة هي المادة و الفكر و الممارسات الخاصة بمجتمع ما ، يمكن ان يكون اقليما او قبيلة او عشيرة او دولة او إقليم او حتى قارة . اما اقتران الثقافة بقراءة الجرائد والمجلات وحفظ شعر اعشي قيس واعشي همدان والحطيئة ، فلا اعرف له مصدر غير ذاك التعريف بالقواميس العربية . فالتعريف الذي ورد هو جزءا من الثقافة ، او يكون ترجمة culture من الإنجليزية الى العربية على انها تعني كلمة ( ثقافة) هي ترجمة خطأ ، ويحتاج متحدثو اللغة العربية الى كلمة اكثر شمولا لتعادل كلمة culture.

تمددت البشرية في الأرض و كل مجموعة تقطن في حيز معين و تتواصل في ما بينها ، طورت لها ثقافة تعينها على العيش ، ولا حياة للإنسان على كوكب الأرض دون ثقافة ، بدائية ام متطورة ، بمنظور اليوم . الحقيقة الملاحظة هي ان كلما فقرت الطبيعة وشحت بمدها للمجموعة البشرية المحددة بلوازم استمرار المجموعة البشرية ، كلما تعقدت ثقافة تلك المجموعة وتطور انتاجها المادي ، و تباعا تعقد وتطور انتاجها غير المادي ، لقهر المعوقات الطبيعية . فأول مادة صناعية نقب عنها و استخرجها الانسان هو الفحم الحجري، وكان ذلك في حوالي 40 الف سنة مضت في منطقة نجوينيا في مملكة اسواتيني ( سوازيلاند) الحالية( مملكة داخل دولة جنوب افريقيا و تحيط بها من كل الجهات) . اما اول معدن نقب عنه و استخرج فقد كان النحاس في منطقة الرافدين حوالي 8700 سنة مضت ، اما اول ثقافة انتجت الكتابة فهي الثقافة السومرية ، من حوالى 5،400 عام . اول طائرة انتجت و تمكنت من الطيران فكانت طائرة الاخوين رايت الأمريكيين في عام 1903م . اختراع الكتابة من قبل السومريين اثري ثقافتهم كثيرا، حيث مكنهم من تدوين ممارساتهم و احداث حياتهم وطور تعاملهم كثيرا و منهم تعلم الاخرون الكتابة . في كل الأحوال ، ان انتقال البشر من منطقة لأخرى ، كأفراد و جماعات فرعية ، و التعامل ما بين المجموعات الثقافية المختلفة ، وسع التبادل الثقافي ووسع ثقافة كل المجتمعات المتداخلة . قضى المولى عز وجل ، بان البقاء للأفضل و الأكثر تكيفا ، فلذلك ، فان الثقافات او المكونات الثقافة الأفضل قضت على الثقافات او المكونات الثقافية الأضعف و تطور الانسان. فالإنسان الأول الذى كان يصطاد الحيوانات برميها بالحجارة ، بكل تأكيد نبذ هذه الممارسة بمجرد ان احتك بمجموعة او رأى شخصا اخرا يستن عودا من الحطب ويرمي به نفس الحيوان لقتله و اكله.

تواصل البشر مع بعض ، بدا منذ يومهم الأول نتج عنه التبادل الثقافي. هذا التبادل الثقافي نتج عنه نقل الثقافة المادية والثقافة غير المادية بينهم وبدرجات متفاوتة ودون ان يعطوا ذلك أهمية ، لان الوعى نفسه كان متخلفا ، بمعاييرنا الحالية . وكلما حدث نقل للثقافات ، اندثرت المكونات الثقافة الأضعف و سادت المكونات الأقوى . التباين الثقافي بين كل مجموعة و أخرى ، اصبح يسير بوتيرة اسرع كلما قل الاحتكاك وقل تنقل البشر من مكان لأخر. استمر الحال هكذا الى ان اخترع الانسان الكتابة و من ثم اكتشف الات الطباعة في القرون الوسطي. بدأ من العصور الوسطي زادت الهوة الثقافية بين الشعوب. فشعب الصين هو اول شعب صنع المدفع الحربي في منتصف القرن الثاني عشر ، اى بحوالي سنة 1150م ، قارن ذلك ومجاهدينا الذين حاولوا سد افواه المدفع الحربية في كرري عام 1898م. التباين الثقافي هذا ، بشقيه المادي و غير المادي ، هو من اوجد التصنيف الحالي للمجتمعات ( الدول) ، من حيث ان هنالك دول صناعية ناجحة و متقدمة وهنالك مجتمعات ( دول) فاشلة ، ودول نامية ..الخ. سنة الله في الأرض تقضى باندثار الأضعف و خلافة الأقوى ، وهذه لا ينقضها الا مكابر. فلا يمكنك إيجاد حجة تقنع بها اى مجتمع بالتنقل بالحمير في هذا العصر ، عوضا عن الدراجة و الدراجة النارية و التك توك والسيارة و الطائرة. لهذا فان المجتمعات و الدول الفاشلة و النامية تحاول نقل الثقافة المادية و الثقافة غير المادية للشعوب الصناعية والمتطورة ، وليس العكس . وبما ان شقي الثقافة ، المادية و غير المادية ، هما متلازمين ويسيران مع بعض ، فان هنالك بؤر بشرية ، هنا و هنالك ، اثرت نقل الثقافة المادية للدول الصناعية ، ومحاولة نبذ وشن حرب على و اشانة الثقافة غير المادية للشعوب الصناعية ، وغالبا ما يكون هنالك سبب ديني او بسبب التعصب العرقي ethnocentrism والذى يرى في تكامل العرق و الثقافة غير المادية وبذلك يرى ان دخول الثقافة غير المادية لمجتمعه هي بادرة لتذويب العرق و فناءه. الخ . خلاصة النتيجة ان على الطرفين ، الديني و العرقي اللذين يقبلان بنقل الثقافة المادية و رفض كل أنواع الثقافة غير المادية ، عليهما الصعود الى قمة هرم الثقافة المادية في العالم ، او القبول بهزيمة ساحقة ، وكما يقول احد الأمثال في دارفور ( أبو جنقور في فاشر ولا عنده رأى) . الجنقور هو الاسمال ، او الملابس البالية . فلا يمكن لصاحب الجنقور ان يذهب الى الفاشر ، محل السلطان و الامراء ، والقادة ، حيث المال و السلطة ، وحتى الملابس ، جوخ وحرير ، يريد أبو جنقور هذا ان يستمع له او تكون ما يقوله هو كلاما يعمل به. ولا احد بكامل وعيه يريد ان يقلد طريقة أبو جنقور هذا في اى شيء . لذلك لا تجد أحدا يذهب من أمريكا الجنوبية الي مملكة بوتان في اسيا لنقل نظامها التعليمي الى بلده ، ولا دولة اوربية تذهب الى بوركينا فاسو لتعلم صناعة اشباه الموصلات. العكس هو صحيح ، فالدول تريد لجامعاتها ان تصبح مثل هارفارد وان يلعب لاعبو كرة القدم فيها يلعبون مثل البرازيليين و تصنع سيارات مثل اليابان وزراعتها مثل هولندا ..الخ .. لذلك انا شخصيا لم اصدق عندما كنا نسمع ان الترابي و بعض من اتباعه ، يهذروا ان لهم ( مشروع حضاري) ارادوا نقله للعالم . فالثقافة هي المكون الأساسي للحضارة ، ولا توجد حضارة بلا ثقافة ، فكيف بشخص فشلت ثقافته في اطعام نفسه ان تكون له مشروعا حضاريا يقدمه للعالم ليسير عليه ؟ عجب ، أبو جنقور اخر الزمان.

الشعوب السوية و الفطنة لا تسير عكس سنة الله في الأرض . مثل هذه الشعوب تتعايش مع عباد الله الاخرين في كل بقاع الأرض وتتواصل معها وتعطى و تأخذ من تلك الشعوب . وكنتيجة ثانوية لعملية الاخذ و العطاء ، تحدث لها بعض السلبيات و الخسائر ، لسبب او لأخر. من واجب الشعوب السوية و الفطنة هو إيجاد وسائل وطرق تجعل من السلبيات و الخسائر عند الحد الأدنى . من تلك الوسائل معرفة الطرق الانجع للإنتاج المادي و السبل الأفضل للتعامل مع تلك الشعوب . التعامل مع تلك الشعوب لا يتم الا بمعرفة الثقافة غير المادية الخاصة بها. المكونات الرئيسية للثقافة غير المادية لتلك الشعوب ، تشمل المكون اللغوي و العرقي والامن و هواجس و تابوهات تلك الشعوب وعلاقات تلك الشعوب الاخرى مع بعضها البعض . هذه المعرفة لا يولدها الخيال من تلقاء نفسه و لكن تأتى وفق دراسات شتي يجمعها المتخصصون و من ثم يتم دمج و تنقيح تلك الدراسات وتكون معينا في معرفة كيفية التعامل مع تلك المجتمعات لتعظيم الفائدة و حفظ السلبيات والخسائر عند الحد الأدنى. فمثلا ، عند قيام الحرب العالمية الثانية ، قامت المانيا بشن حروب على دول اوربيا كثيرة و منها إنجلترا و فرنسا ، وهى حرب ( اسرية) بكل ما تحمل الكلمة من معنى . و لكن نحن ، في الشرق الأوسط لا نعرف هذه الحقيقة ففي مصر مثلا ، انقسم المجتمع الى مجموعتين.. الاولي مجموعة الاقطاع و الطبقة الغنية التي تدعم إنجلترا و تشجعها ، بكل ما واتيت من منعة وكأن إنجلترا ، التي تحتلهم ، لها رسالة من رب العالمين لخدمتهم ويحكمها خليفة للمؤمنين . واما المجموعة الأخرى تتكون من غير الطبقة غير الغنية والافندية و منتسبي الأحزاب و الذين كانوا يروا في الفورور اودلف هتلر هو المخلص في اخر الزمان و سوف يملا الأرض عدلا بعد ان ملأت ظلما و جورا ، بالرغم من ان هتلر ذاك كان يرى في مؤيديه المتعصبين ، ان منزلتهم في الجودة العرقية هي ادنى من الزنوج وارفع من القرود . ولله في خلقه شئون. فلوا كانوا يعرفون المجتمع الأوربي معرفة دقيقة ، لاتخذ الجانبان موقفا يخرجون به رابحين ، غض النظر عن ما هو الذى يفوز في الحرب.. خلاصة الامر ، ان المعرفة الدقيقة بالمجتمعات الأخرى هو امر اساسي لتعظيم الفائدة من التعامل معها.

شعوب الصين كانت الرائدة في اكتشاف معظم مكونات الحضارة البشرية الحالية ، وبالأخص العلوم و من هنالك انتقلت العلوم و المعارف الى بلاد الهند واليابان وغيرها ووصلت بلاد فارس . تمدد امبراطوريات الفارسية و اعتناق بلاد فارس للإسلام ، كلها أعطت زخما لانتشار ثقافتها العلمية الى المجتمعات الأخرى و حتى وصلت أوروبا. في اوربا اخذت العلوم زخما اخرا ، لأسباب عدة ، وتطورت الثقافة المادية بوتيرة اسرع ، حتى وصلت اوربا مرحلة من المنعة و القوة و استعمرت بقية بقاع العالم و ما زالت على تلك القمة ( الثقافة الاوربية تشمل اوربا الشرقية و الغربية و أمريكا و استراليا ..الخ). بقاع العالم الأخرى ذات الأسباب الدينية و التعصب العرقي او القومي ، اثرت نقل الثقافة المادية و محاربة الثقافة غير المادية واحيانا محاولة اللحاق بها. هذه النزاع الداخلي اوجد كثرا من المشاكل لدى المجتمعات الناقلة . فمثلا في المجتمعات المسلمة اليوم ، لا تجد خطيبا يصعد لمنبر ليخطب و الا ندد ب ( الثقافة) الغربية و قيمها ، في حين انه اتى الى المسجد بسيارة اخترعت في الغرب وبلبس ملابس صنعت الات صنعها في الغرب و مسبحة وسجادة و ميكروفون وكهرباء و مكيف ، كلها صنعت مصنعها في الغرب ، ويتكلم لغة ، يظنها انها عربية فصيحة ، وقد لا يدرى ان تلك اللغة تشمل كلمات نوبية و فارسية و هندية وجرمانية ولاتينية و آرامية و كنعانية وتركية الخ . فالتخندق وراء سواتر العرق او القومية او الدين لن يبدل سنة الله في خلقه ، والسبيل الأنجح و الايسر هو التعامل و التفاعل مع كل خلق الله و الاخذ بما ينفع الناس و الذى لا ينفع الناس سوف يذهب جفاء كالزبد.

الشيء المؤسف حقا ان الدول المتقدمة هي من تسعي لمعرفة الثقافات المادية و غير المادية للدول غير التقدمة و ذلك لعدة اهداف . تلك الأهداف تشمل تحسين التعامل مع تلك لدول و احيانها حتى احتلالها وكفية تعظيم الفائدة للدول المتقدمة عندما تتعامل مع الدول غير المتقدمة. لغرض ذلك تقيم تلك الدول مراكز ابحاث لدراسة كل جوانب بتلك الشعوب. كل هذا يتم دون ان تجتهد المجتمعات التي تعيش في الدول غير المتقدمة في ان تعرف الثقافة غير المادية المتنوعة داخل نفس المجتمعات . جهل المجتمعات هذه بثقافتها الداخلية قد يترتب عليه مشاكل لا حصر لها و قد تصل الى مرحلة استقطاب المجتمع ووقوع التنافر و حتى الحروب بينه. فهلا نجتهد لكى نتعلم؟

انتهى

السنوسي أبو وليد
24 سبتمبر 2022م

 

آراء