مرآه (مُبشعة)..!!

 


 

 

الجهر بالهمسات

 

albra alamin [albraalamin@hotmail.com]

(1)

بربكم اين المفر  من الوجوه الملأى بالتقمصات ، نظائر متداخلة بلا زمن ، تسيل مثل معدن مذاب ، تحصد ايامك وتتراكم عليها ،  وجوه مشفرة ، وجوه مصادرة بلا خيارات ، وجوه يؤطرها الذل والرتابة ، وجوه خارج النص تفتعل الهيبة ، وجوه بلا جغرافية نسجتها الدسائس ، وجوه لا تستقرعلى اتجاه مثل طواحين الهواء ، وجوه مبقعة بفتاوى لها اشكال الافاعي ، وجوه مسكونة بالطفيليات التي تتسرب الى غفلة الاخر ، فأي وجهي العملة هو الذي ينبغي ان نقبض عليه مادامت النوايا المتجاورة تتراكض فيهما؟!

للنوايا ميادين مفتوحة على احتمالات الوجود ، تتدافع في مرايا العقل للاستحواذ على ما ترسخ فيه او حيازة ما تترصده ، ففي كثير من الاحيان تهرّب الوجوه في المرايا ، تلك الوجوه التي فاتها اوان التمظهر ، او التي يكون تمظهرها عبئا على المشهد ، وبعض الوجوه اختزلت الظهور الى حد التطابق بين الرائي والمرئي ، فكأنها تعيد ثنائية الرؤية المتقابلة الى نقطة الصفر ، وهناك وجوه محشورة  تتراصف في التعداد الصباحي لادامة يوميات الازمات ، تلك الوجوه التي لا مرايا حقيقية لها ، وحين اوهموها بانهم عثروا على مراياها ، ابصرت ازمات اخرى اشد ضراوة تتناسل على جلودها المتهرئة ، واصبحت البيوت ملاجئ متداخلة والشوارع ارض حرام ، واحتاجت تلك الوجوه الى الكثير من المصنفات لتسمية ما استبد بها ، فيا لوحشة المرايا حين تتوحش في الوجوه!!

 

(2)

نخرج من البوابة التي تحتشد فيها الوجوه ، فندخل بوابة اخرى لاستدراج الوجوه ، تلك هي لعبتنا الاثيرة عند البوابات وفي المداخل ايضا ونتساءل بحرقة : لأجل مَنْ كل هذه الوجوه ، ولأجل مَنْ كل هذه الشبهات؟! لقد انهكتنا المرايا وفتحنا سُبلها على ظلام الانفاق ، فكل وجه شاهدة متقدمة وشاهدة متأخرة ، وكأنه يتكرر في المرايا ، او يتعدد في المشهد الواحد ، اي ان لكل مشهد مراياه ، وما دمتَ متعددا تبعا لتعدد المرايا فأنك عدد مرآوي!!

 

(3)

 

يقال ان الصينيون القدماء ينظرون الى المرآة بقدسية ، وكانوا يعلقون – المراياالصافية -  في شتى مرجعيات ونواحي امبراطوريتهم ، فهي دالتهم الى الحقيقة ، وهي رمز النور وقيم الخير والجمال حسب معتقداتهم ، والنور هو رمزميتها ايضا في الدلالة الاغريقية من حيث ان هذه المرآة الصغرى هي وسيط تنعكس عليه وفيه المرآة الكونية الكبرى التي تضيء عتمات الانفس وتجلو صفاءها ، ولقد اجتهد الحكماء والفلاسفة في ان يجعلوا من الحكمة الجانب الاخر للمرآة التي ينبغي ان يبصر فيها الزعماء انفسهم ، لكي يروا حجومهم الحقيقية واشكالهم الواضحة بلا لبس ولا مواربة ولا زيغ وان يتجنبوا  سراب المرايا‍!!

الكثير ينقل ما تقوله له المرآة – مرآته الخاصة - الى العالم المحيط به ، فيصدق اوهامها المتشابكة مع اوهامه ونوازعه المرضية المتكلسة عليها ، فهو يتمرأى بهواجسه المضطربة ونفسه المتشظية وجوعه المزمن ، لقد تماهى مع مرأته فاصبح عبدا لها .

ان الحقيقة التي تخص السواد الاعظم منا هي اننا دربنا اوجهنا وروضناها لتؤدي ادوارها المقترحة ، وربما مارس الاخرون القساوة عليها اشبه بالتقسية التي تمارس على المعادن لتغيير اشكالها ، كيما تتجسد كما ارادوا لها ، ذلك لان الوجه يقذفك خارجا اذا فرطت بسره وجعلته مرتهنا بالاخر ، اذ تتقدمه المزادات ، فهو بضاعة جاهزة للتداول؟!

 

(4)

 

اذا وقفت امام مرآة الوطن تطابقت الفجيعة مع صورها ستتسال : هل يتخلى التاريخ عن مراياه لتتسطح الوجوه المتدافعه فيه؟! واية غشاوة تلك التي تستوطن المرايا والوجوه على السواء ، ومتى تستأنف وجوهنا دورتها الطبيعية دون وصاية احد ، ودون ان تصدهما الشواخص المتأهبة ، المتراكمة في المرايا..!!

للوطن مرآته الصقيلة التي ينظر فيها الابناء حاضرهم ومعنى وجودهم ومستقبلهم وما انفرط من ايامهم وثرواتهم المبددة على ذمة المرايا المشوهة ، ايا كان شكلها ، مرايا الحروب او مرايا الجوع او مرايا الخوف او الفوضي والجريمة، فمرايا السياسة هي التي تحدد مرتسمات الوجوه ، وهي التي تختبئ فيها اورام السماسرة والمرابين الذين يتقنون لعبة الظهور والتخفي والانزلاق على المساحات الملغومة ، انها الوجوه التي تفتح ابواب الجحيم ، وجوه بلا وجاهة تتقدمك اينما وليت وجهك ، وعليك الافلات من مخالبها..!!

(5)

 

قال يومها الاستاذ محمود محمد طه ان  الشعب السوداني (شعب عظيم)..يتقدمه(أقزام)..مع العلم ان(الاحجام        في المراه تبدو اقرب من الحقيقية)..علهم فهمو مقولته ..او حتي مقولة ابونا البرعي(الزم محلك..وتحلي بالأداب..حرمك وحلك)..!!

 

آراء