مرتكزات ومعوقات النهضة بالسودان

 


 

 

بقلم: د. محمد حمد مفرح
من المفارقات العجيبة التي تسم الواقع الاقتصادي بالسودان توافر مجموعة مقدرة من الموارد بالبلاد، في وقت يتسم فيه الاقتصاد السوداني بالتدهور العام الذي ظل يطبع كل مناحي الحياة هناك و ذلك على نحو اورد المواطن موارد المعاناة الحقيقية و حال دون استشراف البلاد واقعا افضل. و من ابلغ ما قيل عن هذه الحالة الاستثنائية ان (السودان يمتلك كل شيء و لا يوجد به شيء). و يمكن اجمال الموارد المشار إليها، بصورة عامة، في الموارد الزراعية، الموارد الحيوانية، الموارد المعدنية، الموارد البحرية و خلافها. و يبدو ان هذه الموارد التي تمثل مرتكزات أساسية لنهضة البلاد، و التي يعد بعضها نفيسا تسعى الدول بكل ما تملك للحصول عليه، كاليورانيوم و البترول و الذهب و غيرها، يبدو انها متوافرة في بلادنا بكميات كبيرة و كافية لتحقيق نهضة اقتصادية حقة مؤهلة لنقل السودان نقلة فوق العادة على صعيد النهضة الشاملة.
و تبعا لذلك فقد كثر الحديث عن تنافس الدول الكبرى في ايجاد موطيء قدم لها بالسودان، تمكنها من الحصول على موارده، في ظل شح الموارد scarcity of resources على المستوى الدولي، و بحث هذه الدول عنها في أي جهة كانت.
الا أنه و بالرغم من توافر الموارد فقد ظل الحال البائس انف الذكر ملازما لمسيرة الوطن لعقود من الزمان بلغ فيها التدهور الافتصادي منتهاه حتى صنف السودان ضمن افقر بلدان العالم. و قد انعكس هذا التدهور على كل مناحي الحياة بالبلاد بقدر أقعد السودان عن التطور و تحقيق النهضة المرتجاة، ما جعله يقبع في مربع التخلف بل و في ذيل دول العالم الثالث.
من جهة أخرى فقد تناول العديد من الكتاب و المفكرين و المسؤولين هذا الواقع المأساوي في كتاباتهم و توصيفهم لحال البلاد الاقتصادي، بل و قتلوه تناولا و بحثا و ذلك في مسعى منهم لتشريحه و وضع حد له، عبر ابتدار رؤى هادفة لاجتراح الحلول المناسبة. و من هؤلاء الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، و الذي طرح العديد من الرؤى الاقتصادية العبقرية، موظفا خبراته الثرة في العمل في المجالات الاقتصادية المختلفة بالأمم المتحدة. و قد سبق له أن قام بوصع خارطة طريق اقتصادية Economic Road Map، في اطار مسعاه لانتشال البلاد من وهدة التخلف الاقتصادي. و قد قام من خلالها بتحديد محاور معينة لتطوير الاقتصاد السوداني عبر استغلال موارد البلاد، و ذلك من أجل تفكيك الازمة الاقتصادية المتطاولة prolonged Economic crisis و تحقيق النهضة المنشودة.
كما قام الدكتور ابراهيم البدوي، وزير مالية الفترة الانتقالية السابقة و الذي ظل يشغل عدة مناصب اقتصادية و مالية دولية، قام بابتدار مجموعة من الاطروحات الاقتصادية القيمة المؤهلة لانتشال الاقتصاد من وهدته العميقة و الارتقاء به، اذا ما تم دعمها و توافرت لها البيئة المناسبة. و قد عقد الدكتور البدوي مؤخرا عدة ندوات عبر (,الزووم) دفع عبرها برؤى اقتصادية مؤهلة لوضع الاقتصاد السوداني في مساره الصحيح مع تعبيد الطريق لتطوره.
علاوة على ذلك فان الدكتور صالح جبريل حامد، الحاصل على دكتوراة في التخطيط التنموي من جامعة الخرطوم و الخبير المصرفي، الحاصل أيضا على الزمالة المهنية في التمويل الاسلامي من الجامعة الماليزية الاسلامية العالمية، دفع مؤخرا برؤية اقتصادية نابهة من شأنها الاسهام في اقالة عثرة السودان الاقتصادية، إذا ما توافرت لها عوامل النجاح او مهد لها الطريق لتؤتي اكلها. و يمكن الاطلاع على هذه الرؤية التي جاءت تحت مقال بعنوان (السودان و افاق المستقبل)، يمكن الاطلاع عليها بالميديا، و منها موقعي سودانايل و الراكوبة.
و قد تطرق هذا المقال المبني على إستراتيجية تنموية تطويرية تؤسس لنهضة شاملة، تطرق الى محاور مهمة و حيوية يمكن ان يعول عليها في الأخذ بيد الاقتصاد و استشراف البلاد غدا افضل تتمكن من خلاله من اللحاق بركب التطور الدولي.
و مع ذلك فانه، و لاستحالة تطبيق رؤي دكتور حمدوك و اطروحات الدكتور ابراهيم البدوي، و رؤية الدكتور صالح جبريل، لاستحالة تطبيقها في بيئة سياسية غير صحية او غير معافاة كالبيئة السودانية، فليس من المؤمل ان تحقق هذه الرؤى التي تمثل في مجملها إستراتيجية ذكية، اهدافها ما لم يحدث اختراق سياسي Political breakthrough بالسودان يمهد الطريق لنجاحها.
و من المعلوم أن السبيل الوحيد لهذا الاختراق هو توطين و ترسيخ نظام الحكم الديموقراطي بالسودان عبر تحرر بعض القوى السياسية من روح الهيمنة و الاقصاء مع تحقيق إصلاح حزبي داخل بعض الاحزاب السودانية، من اجل تطبيق الديموقراطية الحقة. و هذا يقتضي بالضرورة إدراك مفهوم الديموقراطية من قبل بعض النخب السياسية و كوادر الاحزاب، و توافر النضح السياسي في اوساط كوادر القوى السياسية المختلفة فضلا عن توافر الحس الوطني فيهم مع تقديم التنازلات المطلوبة من قبل القوى السياسية و البعد عن الانانية، سعيا وراء تقديم مصلحة الوطن على المصلحة الذاتية و الحزبية .
من جهة أخرى هنالك حاجة لتحقيق التربية المجتمعية الهادفة الى تربية افراد الاسرة و المجتمع على القيم الفاضلة و الأخلاق التي دعا لها ديننا الاسلامي و أكدت عليها الديموقراطية الليبرالية، و ذلك مثل العدل، الصدق، الأمانة، الايثار، الحرية المنضبطة او المؤطرة بالأخلاق، الشفافية ... الخ. و لا شك من ان هذه القيم تعد ضرورية للتربية الاسرية و المجتمعية و لتحقيق الديموقراطية، كما يفتقدها المجتمع السوداني.
و من الضروري بمكان ان تتحقق هذه القيم بصورة متوازية مع إعداد و تنفيذ منهج دراسي يراعي توافر الكفاية القيمية، أي ضرورة استلهامه لقيم ديننا الاسلامي و قيم الديموقراطية.
بجانب ذلك هنالك حاجة لتوظيف الإعلام بصورة معيارية في التربية الاسرية و المجتمعية من خلال التوعية و الارشاد المجتمعي و ذلك من اجل ترسيخ القيم المشار إليها انفا، حتى يكون نتاج ذلك شخصية سودانية تؤمن بالديموقراطية بحق و حقيقة.
كذلك يجب أن تنتظم القوى
السياسية حركة بناء سياسي موازية للتربية المذكورة، تقوم على الاتفاق على برنامج لبناء الدولة السودانية عبر التوافق على رؤية كلية لهذه الدولة ثم وضع دستور دائم لترجمة هذه الرؤية، يكون مرجعية لحكم البلاد.
ثمة أمر آخر غاية في الأهمية في عملية انتشال الاقتصاد من وهدته و تحقيق النهضة الشاملة، يتمثل في وضع الاولويات المطلوبة لترجمة الأطروحات سالفة الذكر و غيرها الى واقع ملموس. و من المؤكد انه اذا ما تم ذلك فستكون بلادنا موعودة بنقلة نهضوبة مقدرة في المستقبل المنظور.

mohammedhamad11960@gmail.com

 

آراء