مزالق وغربة خطاب النخب في سدة المرحلة الإنتقالية

 


 

 

قراءة نقدية وتقييمية وتقويمية لمكتوب البرّاق النذير الورّاق وتعرية مجمل الخطاب التسووي

الفاضل الهاشمي
٢٤ أغسطس ٢٠٢٢

الحلقة الأولي

لقينا عوجنا قايم بينا ما عرفناهو
ما قلنالو كيف حالك
نسينا مجامر التجريب
على برد المحن والعادة
كان تهمد
دحين كيف الدبارة
وجرحك الدافن دشر جواك
لا مسّك بطيب تاني .. لا مسك بطيب تاني
إلا تلاقي حد السيف
على لب الجرح نازف
بعد جواني يصبح تاني براني

…..

ما ذنب جلد الطار لو غنو بيهو شتر
ماتتسلق الشهدا
أرواح مشت كداري فوق وانت بتاع ملح

مقدمة:
نحن إزاء مأزق وجودي ظل يتخلّق منذ عقود في شرائح نخب الطبقة الوسطي التي إختارت طوعاً أن تبتعد عن قضايا مصيرية تتعلق بالديمقراطية والحقوق الأساسية وأن يكون الوطن أو لا يكون ، تمثّل ذلك حين أتيحت الفرصة لبعضهم للمشاركة تنفيذياً في المرحلة الإنتقالية (٢٠١٩ - ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٠) حيث تبنّت تلك الشرائح مفهومياً وفكرياً وعملياً خطاً سياسياً لاعلاقة له بوثائق ثورة ديسمبر والشرعية الثورية وإنما تبنت خطا سياسياً يتماشي مع المنظومة القديمة وفي قلبها جنرالات المؤسسة العسكرية والأمنية والمليشيا ، وراهنت علي شراكة نموذجية مع هؤلاء الذين نهبوا ممتلكات القطاع العام واستولوا علي اكثر من ٩٠٪ من ميزانية تلك الأعوام. هذا معروف فكرياً وعملياً كهبوط ناعم مع المؤسسة القديمة امتداداً للترويج لانتخابات ٢٠٢٠ بذريعة تحاشي الدماء والإنقسام والحروب الأهلية (حسب زعمهم حينئذ) ، ووصولاً الي غض النظر عن لاءآت الثوار الثلاثة ومذابح ٣ يونيو ٢٠١٩ حتي إمتلأت المشارح بأجسادهم/ن وطفح النيل بشهداء علقوا علي حجارة أكلت الأسماك خيوطها وحبالها فعادوا للطفو. هذا فكرياً وآيدلوجياً وعملياً هو مصدر السياسات التي نفذتها نخب الطبقة الوسطي التي قادت المرحلة الإنتقالية وتحالفت مع الجنرالات وبعض رموز الراسمالية التجارية القدامي والجدد.

موضوعة نقد و تقييم المرحلة الانتقالية يجب أن يشارك فيها منهجياً ليس نخب الحرية والتغيير التنفيذيين والحركات المسلحة والوزراء ومستشاريهم الذين شاركوا في مرحلة فاشلة وانما إستكتاب هؤلاء فرداً فرداً في ورش وندوات وبحوث يشارك فيه نقاد وباحثين خارج هذه المدرسة ضمنهم ممثلين للثوار والكنداكات ولجان المقاومة وأسر الشهداء وبعض علماء الإجتماع والاقتصاد السياسي ويكون جميع هؤلاء ممثلين لمختلف كيانات ثوار ديسمبر .
بهذا المفهوم المنهجي يجب أن تتم ورش نشتم فيها ونري ثم نسمع ونصغي ونتأمل شعارات وصدي وملامح وعرق ودم وأرواح ومعاناة ثوار ديسمبر شهداء أو أحياء غلابة علي شفا حفر المسغبة والقبور.

يزعم مكتوبي نقد وتقييم وتقويم ليس نص الأستاذ البراق النذير الوراق الموسوم "مساهمة في نقد وتقييم وتوثيق تجربة الحرية والتغيير في الحكم المنشور بتاريخ ١٦ يوليو ٢٠٢٢" فحسب، وإنما تفكيك وتعرية مفاهيم وممارسات خطابات نخب التكنوقراط الأفندية والحزبيين الذين واللواتي قادوا او تقاعسوا عن التمسّك بمطالب الثورة والشرعية الثورية وراهنوا وما انفكوا يراهنون مفهومياً وعملياً علي مشروع التسوية والتفاوض مع ناهب اكثر من ٩٠٪ من موارد الدولة رغم رفض الشوارع الثورية ولاءآتها الثلاثة.
السؤال الإشكالي الأساسي المنهجي والمفهومي الذي يتبادر الي الذهن هو لماذا نقد وتقييم "تجربة الحرية والتغيير في الحكم" دون سائر المكون المدني من رئيس مجلس الوزراء ومجلسه ومستشاريه المعروفين من جهة ومدنيي مجلس السيادة، ناهيك عن لجنة عمر حسن المخلوع الأمنية (المكوّن العسكري والدعم السريع) أرباب النظام السابق وسدنته. وكون هواجس البراق وسريرته الكاتبة الباطنة ظلت تعلن عن ظهورها هنا وهناك تراقب وتقلق منطق النص ومنهجه المعوج، إضطر صادقاً تسجيل ملاحظة إعتذارية للقارئ غير مباشرة ضمن عنوان الورقة وهو نقد وتقييم قحت دون سواها وكأنها فيل واحد في الغرفة كما يقول مجاز الفرنجة (ليتني استبدلت سودانياً عبارات المرفعين أو الذئب أو الثعلب). لقد تناسي المكروه عمداً وهو مجلس الوزراء ورئيسه ودور النفس والذات الكاتبة المستشارة إعلامياً وتجنّب حظوظها. أما إعتذار البراق المباشر جاء في مؤخرة الورقة وعجزها ( الإسقاط من عندي) في عبارات مشحونة بالرومانسية والغزل مثل: "هذا بيان موجز ومقتضب عما حدث خلال الفترة المشار إليها في بداية هذا التقرير، وهو عمل قابل للإضافة والتصحيح والتفصيل والتحقيق" كون "قوى الحرية والتغيير كانت في قلب ركب الثورة التي أطاحت بأسوأ وأعتى نظام شمولي مر على بلادنا، وهي في نهاية الأمر تشكيل من قوى مدنية سلمية لديها تاريخها في مجابهة الدكتاتوريات ولدينا ما نرجوه منها في ترسيخ الديمقراطية، فضلاً عن أن أدوات صراعها حتى في حالة الخلاف فيما بينها والآخرين، ليس من بينها البندقية، بل الجدل والحجة والعمل السياسي بشتى وسائله المعلومة". طبعاً لابد من مساءلة البراءة التي تم بها قنطرة قحت بمختلف تطوراتها البنيوية كونها تحتوي علي جميع الأحزاب المعارضة، ثم بافتراض أنها وكيل للثوار والشفاتة والكنداكات ولجان المقاومة. ثم بهذه الوكالة المجانية فهي "قوي مدنية سلمية ليس من بين أدوات صراعها البندقية"، رغم انها ضمت الحركات المسلحة (قبل اتفاق سلام جوبا عبر نداء السودان)، هذا اذا تناسينا تاريخ التجمع الوطني السوداني (وفي قلبه الأحزاب) الذي حمل السلاح في الأراضي الارترية وشرق السودان إلي حين. علي كل حال يمكنني أن أتجاوز هذا المنظور الرومانسي وأطالب البراق كذات كاتبة أن "يفتح الباب أمام تقييم جاد وكما يسمح بأن توضع المسؤولية على عاتق الجميع" علي أن يواصل نقد مؤسسة مجلس الوزراء ودوره المحدد في الجبهة الإعلامية، كما أعترض بشدة علي عبارة "أن توضع المسؤولية على عاتق الجميع"... تري من هم هؤلاء الجميع ؟!. هل تشمل كتلة الجميع لجان المقاومة والشهداء والأحزاب وحملة السلاح الذين ظلوا خارج الرصة والبنيات المعروفة؟. هذا تعميم رومانسي وليس تعميمياً فحسب وانما ضبابياً لابد من التوجّس من نواياه، ومن تلك النوايا عبارة "انتهى مؤقتاً " كون النص ما زال منتظراً من البراق أن يعود ويكتب أهم حروفه وينقطها.

معالجة منهجية:
تعريف مصطلحي الخطاب والآيدلوجيا ضمن هذا النص
أولاً: يشمل مصطلح الخطاب هنا مجمل المنهج والعقلية والمفاهيم والممارسات الآيدلوجية، فليس هناك خطاب خارج الآيدلوجيا من مجاز ورمزية ووممارسات وأسطورة منذ مجازات التفاحة التي إلتقطها آدم السوداني وثورة القبائل ضد الإستعمار والحركة المهدية وخطابات الطائفية وأندية الخريجين والأفندية التكنوقراط المعاصرين الذين عبثاً يتوهمون أن صنيعهم وممارساتهم تتحرك خارج فضاء الآيدلوجيا التي تنسب إما الي الشيوعيين أو حركات الإسلام السياسي وحدهما.

ثانياً: أقصد بالآيدلوجيا الإطار المفاهيمي الذي يستخدمه فرد أو جماعة او تنظيم ما لتحليل واقع تشابك الصراعات الطبقية الاجتماعية الاقتصادية السياسية الثقافية الدينية النوعية والمعرقنة ووضع التصورات والاستراتيجيات والاهداف للتحيّز الواعي والمدرك ضمن تلك الصراعات المادية والرمزية. ضمن هذا التعريف يصبح أي فرد بالضرورة أيديلوجي بداهة وبإمتياز. ضمن هذا التعريف أود تنبيه الفاعلين الثوريين والفاعلات والنخب السودانية الي هذا الخطاب السائد المضلِّل والنزوع الرومانسي التهويمي لما يسمي لبرالياً ونيولبرالياً بالوسطية التي تزعم وتستبطن الحياد والاستقلالية فوق صراعات الايدلوجيا حول سعار السلطة والثروة التي لا حياد معها إزائها حتي الإستشهاد وليس الموت، كون الحياد موت بإمتياز. الترويج لما يسمي بالهوية المستقلة والمحايدة محاولة لردم الهوة الفلسفية والفكرية ، وهو محاولة تعالي علي الواقع المتصارع وعلي ايدلوجيا الموقف الاجتماعي (أقرأ الطبقي) الاقتصادي السياسي المحدد ؛ حيث تطرح تنظيمات تسمي نفسها المحايدين أو المستقلين بزعم انها جماعة وسطية فوق شرور الايدلوجيا اليمينية واليسارية (مع الحذر اللازم نحو تعريف يمين ويسار الملتبس أصلاً)، وهذا فخ فكري ساذج. لاشيئ يعلو فوق الايدلوجيا؛ حتى التمييز على أساس الجنس والعرق وسائر الهويات حيث ينتمي مفهومياً وموضوعياً إما إلي آيدلوجيا قامعة أو مقاومة لذلك القمع (والقمع اذن خشم بيوت ضمنه النهب والفساد حد الفاشية والدموية). إذن لا توجد منطقة سعيدة في فضاء الآيدلوجيا بين منظومات قامعة وأخري مقموعة، خاتي البيختار الوسط حسب توقّد ذهن الشاعر حميد.

ضمن هذه المقدمة أود تسجيل ملاحظات منهجية حول مكتوب البراق:
أولاً: منحتني أريحية البراق حول أن مكتوبه هذا "بيان موجز ومقتضب ... وهو قابل للإضافة والتصحيح والتفصيل والتحقيق.. حيث هناك قضايا لم تتم الإشارة إليها"، منحتني أن أقوّم وأفصّل وأحقق وأفكك ما قاله نصه وما لم يقله خاصة تناسيه المقصود منطقياً لدور النافذ المهم المُختَرع والمصنوع والمنظّر الفاعل والمفعول به، والمبتدأ وخبره د. عبدالله حمدوك ، رئيس مجلس الوزراء وبطانته ومستشاريه كونه أهم نافذ كونه إخترع مفهوم "الشراكة النموذجية" وليته ألّب وحرّض وخطط أن يشارك فعلاً فيها رغم بوار ولا معقولية الفكرة ؛ ولكنه ترك السلام والإقتصاد والسياسة الخارجية لرجل المليشيا حميدتي وبرهان وحدهما لا شريك لهما. تغافل البراق دور رئيس مجلس الوزراء ووزرائه كما تناسي مسؤوليته الشخصية كمستشار للإعلام. وحتي يموّه جيداً لتلك الغفوة الغافلة المقصودة في زعمي صوّب جُل نقده إلي قوي الحرية والتغيير.

ثانياً: إلحاقاً للملاحظة أعلاه حول أريحية نص البراق، لابد لي أن أسجّل عدم إرتياحي المنهجي في تطويل الإقتباسات من نص البراق. هذه سمة سالبة في العلوم الاجتماعية والبحوث إضطررت اليها إضطراراً كوني رأيت أن أساهم في تثبيت وتوثيق ودعم "وتقويم" قاعدة المعلومات التوثيقية التي تبرّع بها البراق ؛ ليس كونها جديدة لأن الكل الثوري القاعدي يعرفها جيداً ، لكن أبي جحود وخبث وهوان ومماطلة جميع من شارك تنفيذياً في قيادة المرحلة الإنتقالية أن يفتحوا لها باباً واسعاً من النقد، ولا بد هنا أن أسجّل جزيل تقديري باستثناء الدور الثوري الذي كان مع سقف مطالب ثورة ديسمبر فيما يخص تطهير قطاع التربية والتعليم ، الدور المشرّف الذي قام به بروفيسور محمد الأمين التوم ود. القراي وقتالهما المبدئي ضد إنكسار رئيس مجلس الوزراء المعلن مع أعداء الثورة علماء الإسلام السياسي المتخثّر الذين عينهم المخلوع عمر البشير، وضد وزراءه. ليت أحدهما كان رئيسا لوزراء ثورة ديسمبر الشامخة.

مسالب منطلق البراق المنهجي والفكري: قفزة من المنهج الي الوصفة-التوصية
كتب الاستاذ البراق ورقة نقدية استهدافها الظاهري ضرورة النقد وعلى قوي الحرية والتغيير ومجمل الحركة السياسية التواثق "علي الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها والعمل علي محاربة أهواء النفوس والرغبات الذاتية في العمل العام في أي زمان ومكان". هذا تعميم كونه مطروح علي "مجمل الحركة السياسية"، بما فيها (رغم أنه لم يستبعدها عبر طرحه الضبابي غير المُحكم علمياً) حركة الإسلام السياسي التي رفضتها ثورة ديسمبر ودحرتها وكأنها حركة سياسة تتحرك خارج معادلات الثروة والسلطة والفساد المعرف بالألف واللام. لا جدال في تثبيت إيجابيات ومحاسن مكتوب البراق كمحاولة نقدية للتجربة الإنتقالية لكن لاحظ الكاتب نفسه أن النص اعتمد "الوقوف على محطات ربما عدّها البعض عمومية في شكلها"، ولكنه يتراجع كون هذه المحطات "ليست نهائية ، بل يجب أن تتبع بالتفصيل والإسهاب" لكنه تغافل تماماً عن مفهوم جوهر النقد ، أي نقد، وهو أن يبين الناقد دوره الشخصي الاستشاري الإعلامي المحدد المباشر فى ذلك المشهد والفضاء ودور رئيسه المباشر ، كون فضاء الإعلام كان أحد الجخانين المهمة التي فرّخت القوي المضادة للثورة إبان المرحلة الانتقالية ، وهذا يدخل في باب النقد الذاتي من تعرية لحظوظ النفس واهوائها ، وليس جلدها بمعني تعذيبها الديني، والصمت عن التنبيه الثوري كونه كان مستشاراً لثورة ولم يقدم استقالة ترفض تلك المفاهيم والممارسات القاتلة. هذه المفاهيم والممارسات التي تحاشاها نص البراق أصبحت في الحقيقة "معولاً إضافياً لتكسير التيارات الديموقراطية لمصلحة التيارات الظلامية" عكس ما زعم. كان حريٌ به أن يبدأ مفهومياً ومنهجياً بتوثيق الأسباب "التي جعلت الانتقال متعثراً" و "إهالة التراب علي مشروع الديمقراطية الناشئ"، هذا هو عين اليقين فى مبتغي الكاتب حين أكّد أن "التيارات الظلامية يهزمها الوضوح". ومن عثرات المنهج وتغافل ضبط الخطاب الثوري وهشاشته تسمية خطاب نظام ومنظومة الاسلام السياسي الفاسدة مادياً ورمزياً ب"التيارات الظلامية" هكذا.
إمعاناً فى التعويم المصطلحي وعدم تحري الدقة العلمية يعرف البراق قوي الحرية والتغيير بكل الكيانات والمجموعات لتشمل الجميع بما فيهم من خرجوا عنها من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني، ما عدا الذات الكاتبة التي موضعت ذاتها في برج حيث لا حيث. تأمّل معي هذا التعريف الذي يقودنا الي لا شيئ :"ويُشار إلى (قوى الحرية والتغيير) وهي عبارة قد تعني المجلس المركزي، أو قد تعنى كتلة من الكتل المكونة للحرية والتغيير، أو قد تعنى مجموعة من الأحزاب أو المكونات داخل هذه الكتل خرجت أو لاتزال موجودة داخل التحالف، ابتعدت أو أُبعدت أو اقتربت.. الخ".
يذكرنا البراق ضرورة الإعتراف بالخطأ والإعتذار من الأفراد والمؤسسات كون لديهم "مسؤولية أخلاقية وتاريخية، ليقدم إفادته من أجل نفسه أولاً ومن أجل الشهداء والجرحى وكل من آمن بالتغيير وعمل له بصدق وتجرُّد، ومن أجل الثورة ومستقبل الوطن." لذلك نتوقع منه نقداً مبرحاً لمساهمته المحددة الأخلاقية والتاريخية فى تجربة حكومة الانتقال الديمقراطي. من البديهي أن يتوقع القارئ من البراق قراءة نقدية لتجربته وتحمل مآلاتها ليس على طريقة نظرية موت المؤلف الذي شبع موتاً وكأن وظيفته فى الحكومة الانتقالية كانت عملا أدبياً فنياً شديد التعقيد والتأويل والدلالات خاصة وقد نبهنا إلى أن النقاط التي يكتبها "تقع في مقام المسؤولية الشخصية من منطلق أن كاتبها كان جزءاً منها بشخصه وأفعاله ولا يمثل حالياً جهة أو تكويناً أو مجموعة، فهو ليس مراقباً صِرفاً بالمعنى البريء"، لكن سرعان ما يفتح لنفسه نفّاجاً لتخفيف أخطائه بذريعة ظروف وملابسات أخلاقية أو رسمية أو مهنية حكمت وقيّدت حركته وصدقه الثوري.

تأملوا معي هذا الاقتباس المريب المخجل الذي يدّعي ويوتسّم نقداً لم يكتبه هنا اطلاقاً بمعني ماهي تلك الأفعال والأحداث والسياسات التي قصّر في تسجيلها هنا؟:
كتب البراق "على الرغم من أن الكاتب كان بعيداً عن بعض الأحداث بجسده، وبعيداً عن بعضها بحكم موقعه خارج دائرة الفعل والتأثير، أو وجوده داخل دوائر أخرى تمنعه أخلاقياً أو رسمياً أو مهنياً من التدخل والتصحيح، وعلى الرغم من علمه ببعض الأحداث والوقائع بعد وقوعها أو في لحظة تعذَّر معها الاستدراك، يتقدم الكاتب بالنقد الذاتي والاعتذار العلني لمشاركته، صمته، أو حتى تقصيره، أو إمساكه، عن بذل الجهد لتعديل وتصويب ما علم أو رأى أو سمع أو اعتقد أن به ميلاً أو مفارقة لطريق الثورة ووعد التغيير". نحن هنا إزاء ملاحظتين مهمتين، الأولي هو وجود البراق "داخل دوائر أخرى تمنعه أخلاقياً أو رسمياً أو مهنياً من التدخل والتصحيح"، اذن لماذا لم يقدّم البراق استقالته حينئذ ويود الآن تقديم نقد ذاتي عن وقائع لم يوضحها لملأ الثوار، وهذا مربط فرس ورطة مصداقية هذا المكتوب، وهو أن المستشار البراق علم أو رأى أو سمع أو اعتقد أن هناك فعل او سياسة ووقائع تنم عن "ميل أو مفارقة لطريق الثورة ووعد التغيير" وأنه لم يذكر هنا تلك الوقائع التي فارقت طريق الثورة!!. ماذا نفعل بمكتوب البراق هذا ومجمل ماسمعنا من نصوص من قحت وما لم نسمعه من د. حمدوك نفسه ووزراءه دون فرز ، هل يعتقدون أن الثورة والثوار في إنتظار يوم قياموي آخر أكثر من هذه اللحظات الآنية حيث تعمل ذات القوي في إختراع ذات العجلة ضمن مشروع التسوية والتفاوض.

من آفة منهج التعميم والتعويم والرومانسية أنه يضر بالحقيقة الموضوعية الملموسة ويغبّش الرؤية النقدية، لاحظ عبارة االبراق المجانية حين خاطب "العسكريين" (هكذا والله لا جنرالات ولا إنقلابيين ولا ناهبي شركات القطاع العام ولا قتلة الشهداء الذين واللواتي ترحّم عليهم كثيراً ) وتوقّع البراق بسذاجة يحسد عليها من "عسكريين شجعان" أن يكونوا فداء للتغيير (كذا والله) : "كما يترصد المكتوب أن يتحسس العسكريون موضعهم فيما ذُكر، فيستدركون شجاعة تجعلهم يفتدون البلاد بمشروع حقيقي للاستقرار وتماسك البلاد، أو بالمقابل يتَّخذون خيار الاستمرار في المواجهة التي لابد أنها ستكون في صالح الشعب في نهاية المطاف وإن طال المسير والسُّرى". ماذا نفعل مع هذا المنهج والقراءة خارج صراعات السلطة والثروة ودمويتها المطلقة، وهو ذات الفرضية المنهجية المجانية الفطيرة القاتلة اللاثورية التي انطلق منها د. حمدوك الذي اصطفي البراق وعينه مستشاراً إعلامياً!!.

نواصل

elsharief@gmail.com

 

آراء