مشهد لا ينقصه الا البشير

 


 

 

بشفافية
المدفع الرزام طلقاتو من صدرك يا جبل الضرا
المافي سيل حدرك النار ولعا وإتوطا فوق جمرك لزام التقيلة والعاطفة دراجة وروني العدو واقعدوا فراجة
هذا مقطع من الأغنية التراثية الحماسية التي ظل الفنان قيقم يلهب بها حماس الإنقاذيين في محافلهم الاحتفالية وجرداتهم الحربية، إلى جانب فنانين آخرين نذكر منهم شنان ومحمد بخيت، فقد كان للإنقاذ خلال عهدها المشؤوم، فنانون مخصوصون يحيون نهاراتها الجهادية، ويعطرون أماسيها الاحتفائية، وكان المخلوع البشير يتضرع في حلبة الغناء ويعرض ويرقص على انغام ايقاع الدلوكة، ولم تمنعه حتى العملية التي أجريت له في الركبة من ممارسة الرقص، ولهذا كانت الكنداكات الثوريات يرددن بعد انتصار الثورة (تلاتين سنة بترقص..الليلة رقصتنا)، وكان للانقاذ أيضا شعراء مختصون ينظمون فيها القصيد في مختلف ضروب الشعر وموضوعاته من غزل ونسيب وتشبيب ومديح ورثاء…الخ، ولعل من أبرزهم من قال: شعارنا العالي بيرفع والعالم كلو بيسمع فلنأكل مما نزرع ولنلبس مما نصنع وهدفنا الواضح إنو أبدا في يوم ما بنرجع ولو داير زول يتجرأ ويهدد سيرنا ويمنع حندلي الغصن الأخضر ونعبي في لحظة المدفع… إلى آخر القصيدة التي اغتاظ منها آخرون، فكتبوا يجارونها في الوزن والقافية ويناقضونها في المحتوى والمضمون، ومنهم ذاك الذي قال: شعارنا العالي بيرفع والعالم كلو بيسمع كيف نأكل مما نزرع والزرع القام اتقلع
كيف نلبس مما نصنع والمصنع ذاتو مشلع
ومن وين نجيب القطن البلمع وبدل ما نتقدم بقينا بنرجع
ولو داير زول يتوجع يجينا يشوف حالنا البفجع…
بالأمس الأول في احتفالية مجموعة (الميثاق الوطني)، وفي استعادة للطقس الانقاذي المعروف في احتفالاتها واحتشاداتها، بتسيير المواكب المصنوعة التي يبرع فيها (مقاولي الأنفار) الذين تدفع لهم الأموال مقابل كل رأس يحضرونه للمشاركة محمولين على البصات والحافلات والبكاسي المستأجرة، فوجدوها فرصة للتربح من الأزمة فحشدوا حتى الايفاع الصغار والعجزة كبار السن، كما استقدمت المجموعة الفنان قيقم الذي أعاد على مسامعها ذات الاغنيات التي كان يرددها في احتفالات العهد المباد، فرقص الجماعة وعرضوا ونططوا على طريقة البشير، وكان ذلك مشهدا يعيد صورة الانقاذ (الخالق الناطق)، ولم يفقد المشهد لتكتمل الصورة تماما الا غياب البشير ليقود (العرضة والرقص)، وربما كان ذلك هو الفصل الأول من مسرحية اجهاض الثورة والارتداد الى ما كانت عليه الأوضاع قبلها، وربما كان ظهور قيقم ونفض الغبار عنه بعد طول غياب هو (القيدومة) التي تمهد لقدوم العريس الذي يبدو أنه البرهان بحسب المطالبة التي رددوها (يا برهان عايزين بيان)، و(لن نرجع الا البيان يطلع)، أو كما هتف الكمريد التوم هجو، فأن يعود للظهور مجددا الفنان قيقم الذي انحسرت عنه الأضواء وانصرفت عنه الأجهزة الإعلامية، بعد أن استنفد أغراضه التعبوية الانقاذية وتخلى عنه الانقاذيون و(فكوه عكس الهواء)، حتى وصل به الحال وقتها أن لا يجد من يبثه شكواه من التهميش الذي يعانيه الا احدى الصحف المحلية، ففي هذه العودة المفاجئة لقيقم نذير بعودة أخرى غير محمودة العواقب..حفظ الله السودان وأهل السودان من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة..
الجريدة

 

آراء