مصر .. التنظيم السياسي هو الحلَّ !!

 


 

 





ـ كنت أتوقع أن الإعلان الدستورى والتشكيل الوزارى سيلى حلف الرئيس المؤقت لليمين مباشرة، خاصة وقد شطح بى خيالى وتصورت أن القائمين على أمور البلاد، وبالحسم المعهود فيهم، قد استقروا وأعدوا أدوات إدارة الدولة ووزارتها وخطط تأمينها قبل اعلان بيان القوات المسلحة مساء الثالث من يوليو، حتى تصدر القرارات حزمة واحدة بدلا من فتح باب الجدل والمراوغات والتعنتات، أو المعوقات التى تعمل على تعطيل المسيرة لحساب قوى خارجية كما يتردد، توقعت ذلك ، بل الحقيقة ايقنته، لأنه البديهى فى دولة تمر بمرحلة حرجة، تعانى فتنة لم تمر بالبلاد من قبل، ستكون تداعيتها اخطر مما يمكن تصوره ان لم تؤخذ بالحكمة والحسم .
ـ لذلك صُدٍمت فلم أتمكن من فهم أسباب حالة الإرتباك الظاهرة سواء فى مخاض اختيار رئيس الوزراء أو وزرائه، الأمر الذى عصف باحلامنا وأعادنا الى المربع الأول، لنفاجىء أن الرئيس مازال يبحث عن رئيس وزراء !! وأن مستشاره الإعلامى المتحدث باسمه، والذى لا أفهم معنى لوجوده ولا أعلم ضرورة لمنصبه من الأساس، يخرج علينا بطريقة منتظمة 3 مرات يوميا، يبشرنا انه جارى التفاوض مع حزب الحرية والعدالة لشغل حقائب وزارية وأنهم يرفضون ! وأن الرئاسة مازالت تحاول اقناعهم ، "وعشان خاطرى والمسامح كريم واحنا فى أيام مفترجة والله ماهى راجعة !" ناسين أوامر الضبط والإحضار الصادرة فى حق أغلب قيادات ذلك الحزب بتهمة التحريض على القتل، ناسين الدماء المسفوكة من أطفال سيدى جابر الى غيرهم بأيدى أتباع هؤلاء حسب اعترافاتهم، ناسين فتنة الحرس الجمهورى، وغير ذلك مما لا يمكن الصمت والمصالحه عليه الا اذا ثبتت برائتهم منه، والتى ان لم تثبت، فالحلَّ هو مصير الحزب كما نص القانون، لا "المحلسة" بتعيين وزراء منه ترضية، أو تهدئة، أو ربما رعباً ودرءً لخطر متوقع كان من الواجب تحسبه من البداية حسب مبدأ "إن خفت متعملش وإن عملت متخافش" !
ـ للأسف، الأمر يسير، حتى اللحظة عشوائياً فى اتجاه التربيطات والمجاملات، بينما توقعنا ان تكون وزارة كفاءات مصرية وطنية محايدة غير حزبية، تخرج بالبلاد من النفق المظلم وتجرى انتخابات طالما نادينا على مر سنين كثيرة ان تجريها حكومة محايدة، والإشكالية هنا ليست فى قبول حزب ما المشاركة فى الوزارة أو رفض حزب آخر، ولكن المقلق جداً هو طريقة تعامل الدولة المؤقتة مع الأمر برمته ممت يعكس فكرها حيال الموضوع، وكيف تصورت أن الحل يكمن فى توزيع الحقائب الوزارية على الأحزاب "وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا" !!
ـ لقد علت ارادة الله تعالى ثم ارادة هذا الشعب يوم 30 يونيو بصورة لم يشهدها التاريخ الإنسانى من قبل حشداً وسلمية وتلقائيةً، وستطال أثارها المنطقة بكاملها وربما ستتعداها، كما أتوقع، الى هناك حيث رأس الأفعى راعية الإرهاب الدولى التى أذاقها هذا الشعب الطيب الأصبل هزيمة مرة قاسية لمخططاتها الاستعمارية ربما تفوق هزيمتها العسكرية فى فيتنام وتداعياتها، لذلك كان الأولى احترام رغبة الأمة، وعدم الإلتفاف على ما جاء فى بيان القوات المسلحة عن وزارة كفاءات لا ترضيات، وتشكيل حكومة محايدة تدير البلاد بعيدا عن التوازنات الحزبية القميئة، سواء مع عصابة القناع الأسود أو أحزاب مدينة البط أو مدرسة الهمبكيزم، تاركين الفرصة لهم عسى أن يمكنهم فى المستقبل تطهير أنفسهم وتجاوز صراعاتهم التافهة وتلافى عيوبهم واليقين أن التنظيم السياسى الحقيقى هو ما تحتاجه مصر، فربما ينتقل اليهم الإحساس بالمسئولية الملقاة على عاتقهم، وإلا، وتلك طبيعة الأشياء، فهو الإضمحلال والتلاشى لتحل محلهم قوىً فتية جديدة كفرت بهؤلاء فخرجت ثائرة على الجميع وان لم تًسَّم كلا باسمه، فلم يجدوا مفرا لضعفهم من معاوتنها رغم ما فيه من اعتراف ضمنى بالفشل !!!
ـ يبقى أن مصر تحتاج الى تنظيمات سياسية قوية متنافسة يحجم بعضها بعضا لصالح الوطن والمواطن، تنظيمات تفتقدها الساحة حاليا، اللهم الا حزب الجماعة، وقد فشل وسقط وخرج من اللعبة، رغم تنظيمه القوى ورغم محاولات الإلتفاف على الواقع بالإعلان عن تنظيمات منشقة، فشل لأنه تعامل مع الشعب بمبدأ "ليس علينا فى الأميين سبيل"، كذلك حزب النور الذى سيبقى تنظيماً وحيداً اذا تمكن من نفى تخابره مع السفيرة الأمريكية لتمكين الجماعة من وأد ثورة 30 يونيو كما يتردد، فإن نفى فسنبدأ من جديد بحكم التنظيم الواحد ! أما بقية الأحزاب فلم تكن عبر تاريخها تنظيمات سياسية بالمعنى المفهوم ، أيا كان حجم تأثيرها على الشارع المصرى وقتا ما.
ـ الشاهد أن التنظيم السياسى لا يواجه الا بتنظيم سياسى ذلك هو الحل الوحيد، وذلك ما تفتقده مصر، وإلا فهو النموذج الباكستانى المرضى لقوى الشر فى كل مكان .. يومان ديمقراطية ويومان للجماعات المتطرفة ويوم للفوضى ويومان للجيش ثم يومان للديمقراطية ويومان للجماعات المتطرفة ويوم للفوضى ويومان للجيش، ثم ... واللهم لطفك.
ضمير مستتر!
أترجو بالجراد صلاح  أمـر ... وقد طبع الجراد على  الفسادِ ؟!
علاء الدين حمدى
كاتب وباحث سياسى مصرى
aladdinhamdy@yahoo.com

 

آراء