معايدة السودانيين في قطر رسالة سلام بليغة لما يجمعهم من حُبٍ وإخاء

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم د. أمجد إبراهيم سلمان

نبارك للسودانيين في الوطن و في المهاجر المختلفة عيد الفطر 1445 هجرية.
نهنئ دولة قطر أميراً و حكومة و شعباً بالعيد و نشكر وزارة الأوقاف على تخصيص المركز الثقافي السوداني مكانا لصلاة العيد.
بمشاركة كل أطياف السودانيين في إفطارات المركز الثقافي السوداني تجسّدت مقولة رمضان يجمعُنا.

بمبادرة مُفعمة بالإيجابية قدّمها الباشمهندس عمّار حامد العوض و ألتف حولها عدد من الأصدقاء في نهايات شهر رمضان المبارك ، شمّر الجميع عن ساعد الجد و قاموا بوضع المبادرة حيز التنفيذ ، و لضيق الوقت المتبقي للعيد و بعدما قدّم المركز الثقافي السوداني بالدوحة الطلب الرسمي لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بالسماح للسودانيين بإقامة صلاة العيد فيه داره ، حتى تكونت مجموعة للمتابعة و وضع السيناريوهات لتنظيم الحدث بصورة تليق بالمناسبة الدينية العظيمة و تعكس وجه السودانيين للمجتمع القطري بصورة مشرّفة و خاصة للمسئولين في وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف ، حتى تكون التجربة من النجاح بمكان بحيث يعتمد المركز الثقافي السوداني مستقبلاً مكاناً دائما لإقامة الصلاة للسودانيين فيه ، و الجدير بالذكر أن فكرة تجمع السودانيين في الأعياد فكرة عريقة ابتدرها المستشار القانوني الراحل مولانا عبد المنعم المكّي في معايدة السودانيين في نادي الغزال و هو ناد ضخم كان يقع بمقربة من منتجع شرق حالياً في منطقة متاخمة لملعب 974 الذي لعبت فيه عدد من مباريات كأس العالم 2022. و للتوثيق فقد كان الراحل هو صاحب و متابع لفكرة إقامة مركزٍ ثقافيٍ للسودانيين في قطر ، و عرفاناً من القائمين على أمر المركز الثقافي بجهوده الكبيرة فقد أسميت صالة المحاضرات الكبرى بإسم الراحل المقيم.

ما أن وصلت الموافقة الرسمية للجنة المنظمة بتاريخ 2 إبريل 2024 م الموافق 23 رمضان 1445 هجرية حتى بدأت لجنة المتابعة في وضع مقترحاتها التي تداولتها في إجتماعاتها التحضيرية ، فقد التزمت الوزارة بإبتعاث إماماً معتمداً لديها كي يقدم الخطبة و قامت اللجنة بالتواصل مع شركات إيجار السجاد و مكبرات الصوت و غيرها من الاستعدادات ، و لأن "عمل الخير ربنا بتمو" على قول أهلنا في السودان فقد تبرّع أحد الخيرين بابتعاث شركة نظافة قامت و لمدة عدة ساعات بتنظيف الساحات الخارجية و المبنى للحدث الكبير ، كما واصلت اللجنة إشرافها على التنفيذ بعد إفطار أعضائها في المركز و حتى الساعة الثانية صباحاً مع عدد من المتطوعين ، حيث نُصب المنبر و تم توصيل السمّاعات و حتى تنظيف مدخل المركز و تجهيزه تحسباً لأي أعداد إضافية من المصلّين ، و اهتماما ً بالسيدات و الأطفال المتوقع حضورهم فقد تم تحضير هدايا عيد على شكر أكياس ورقية تحتوي على حلويات و مكسّرات و عصير مع تهنئة مصممة بصورة إحترافية ، كما حرصت اللجنة على تجهيز عيدية رمزية بقيمة عشرة ريال لكل طفل و ذلك توضيحاً للأطفال الصغار بطقوس العيد في الوطن ، بلإضافة إلى ذلك جهّز الأستاذ محمد السنّي دفع الله مسرحية عرائس للأطفال ، الجدير بالذكر أن معظم تمويل كل هذه التجهيزات تم بتبرعات من أعضاء اللجنة أنفسهم مع تبرع إضافي من فاعل خير من خارجها هذا بالطبع لما أسلفناه من التبرع بنظافة المركز من قبل شركة متخصصة.

قبيل الخامسة صباحاً أي قبل الصلاة بحوالي 40 دقيقة توافد أعضاء اللجنة مع المتطوعين ، و بدأ توجيه السيارات كي تتجه إلى الساحات الخارجية البعيدة عن مدخل المركز ، و بدأت أعداد السودانيين تتوافد شيباً و شباباً و نساءً و أطفالاً ، و بدأت تكبيرات العيد المحببة إلى النفوس تشق عنان سماء الدوحة التي كانت نسماتها الباردة رفيقة بالمصلّين في ذلك الصباح الإستثنائي. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر و لله الحمد رددتها الحناجر و القلوب في تناغم بديع مع روعة الفجر الجميل.

قُبيل اعتلاء الأمام يوسف أبو صالح المنبر كانت باحة المركز الخارجية قد امتلأت حتى جوانبها بالمصلين و حتى المكان المخصص للسيدات جرى توسيعه حتى يستوعب تلك الأعداد الكبيرة منهن ، و لأن القلوب كانت ترنوا ليوم يذكرهم بمناسبات أثيرة على النفوس فلم نلمح أثر تضايق أو تدافع أو عدم رضى من الجميع ، و كما يقول السودانيون "النفوس أكان اتطايبت فالعنقريب بشيل مية". أكمل مولانا أبوصالح الصلاة بصوته الخفيض الذي يتميز ببحة محببة للنفوس ، و انطلق يخطب في تؤدة شارحاً أهمية العيد و مركزاً على قضايا مهمّة في تعاضد السودانيين في غربتهم بمساعدة بعضهم البعض ، و خاصة المساندة عبر العلاقات المهنية و التأهيل للشباب الوافدين حديثاً إلى الدوحة في البحث عن عمل ، كما شدّد بالدعاء بالسلام لبلادنا التي اجتاحتها الحرب حتى تعود بلادنا بلاد رخاء و سخاء و سائر بلاد المسلمين ، ولم تفت على فطنة محدثنا كذلك التوجه بالشكر لدولة قطر البلد المضيف متمنياً لها بدوام الأمن و السلام لأهلها الكرام الذين ما انفكوا يقفون بجانب بلادنا في كل ملماتها و خطوبها ، و كانت لحظة مؤثرة حينما تهدج صوت مولانا أبوصالح عند دعواته بعودة السلام للسودان فأطرق البعض يُغالب دموعاً سخينة.

ما أن انتهت الخطبة حتى أقبل المصلون بعضهم على بعضٍ مهنئون معانقون حتى من دون معرفة سابقة فتسابقت الأكف للسلام بين من تجاوروا في الصلاة ، و مضى البعض للسلام حتى تجاوزوا جدران المركز الثقافي حيث كان هناك أكثر من صف من المصلين خارجه ، و وزعت على المصلين زجاجات المياه و التمور و الحلويات و المخبوزات التي تم تجهيزها مسبقاً كما جرى اصطحاب الأطفال إلى صالة المسرحية الداخلية ، و بينما كانت العادة أن يمضى كلٌ إلى حال سبيله فور انتهاء الصلاة ، فقد مكث الجميع في باحة المركز و في الشارع الخارجي يتجاذبون أطراف الحديث و يتبادلون التحايا و لسان حالهم يقول هذه لحظة محببة قلّما يجود الزمان بمثلها فلنحاول الاستطالة فيها قدر المستطاع.

دروس و عبر: لقد نجحت صلاة العيد هذه السنة في تقديم نموذج إيجابي احترافي لقدرة الناس متى ما صدقت نواياهم و اتقدّت عزيمتهم على الفعل الإيجابي ، و يقينى أن لهذا الحدث الكبير ما بعده فقد نجحنا كلنا في تقديم رسالة حضارية مهمة للمجتمع من حولنا بقدرتنا على تنظيم حدث بهذه الدقة في الترتيب ، و الهمة في الإنجاز في وقت قصير جداً. بدليل حضور بعض المقيمين من بلدان أخرى من جيران المركز الثقافي لمشاركتنا الصلاة ، من ناحية أخرى و من ردود الفعل الإيجابية من السوشيال ميديا و عبر الاتصالات المباشرة تبين أن ما يجمعنا كسودانيين من مختلف مشاربنا الثقافية و أصولنا القبلية أكبر بكثير عمّا يفرقنا لذا أتت فرحتنا بالعيد معبّرة عن تلك الفسيفساء الاجتماعية المختلفة لبلادنا الحبيبة ، لذا نتمنى لوطننا السودان السلام و الاستقرار ، ما يحقق أشواق أبناؤه في الازدهار و النمو ، و أعتقد جازماً أن الوجود السوداني الفاعل في قطر يمكنه أن يقدم مبادرات إيجابية في قضايا شتى مثل تخفيف المعاناة عن كاهل أهلنا و حتى المساهمة في وضع تصورات و خطط إيجابية لإعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب خاصة بعد الخبرات الكبيرة التي اكتسبها المهنيون السودانيون في قطر خلال نهضتها في العقدين الآخيرين.

كل عام و بلدنا السودان بألف خير
د. أمجد إبراهيم سلمان
نائب رئيس لجنة المركز الثقافي السوداني بالدوحة
14 إبريل 2024

amjadnl@yahoo.com

 

آراء