مناهضة العنصرية .. واجبات فى عمق المشروع التحرري الاجتماعي في السودان

 


 

 

isamhalim@live.com

توطئة :
اوردت الاخبار تعرض سكان الحى الغربى "الكمبو" فى قرية محمد زين بمشروع الجزيرة لهجوم ضارى من قبل بعض سكان القرية ، بقيادة رئيس واعضاء اللجنة الشعبية للقرية . خرج موكبهم من الجامع قاصدا الحى فاحرقوه ؛ وقالوا للضحايا لقد جاء وقت ذهابكم الى بلدكم دارفور ، واقاموا مقولاتهم على فيض من مقيت اللغة العنصرية . مزيد من التفاصيل هنا
http://sudanyiat.net/news.php?action=show&id=5192
. ( Racialization) والعرقنة (Racism )والعنصرية (Race )تفرق الورقة بين "العرق"
"فالعرق" كمفهوم يقوم على معايير بايولجية لتصنيف و لتوزيع (او موضعة) الافراد داخل مجموعات مختلفة ، هو مفهوم ايديولوجى سلبى و مخروب تماما كما حكم مشروع الجينوم ، الذى اكد اشتراك الناس فى اكثر من 99.99% من الحمض النووى . وما تبقى ( اى 0.01% تقريبا) تتولى 15% منها تحديد تلك الصفات الجسدية كاللون ونوع الشعر ..الخ ، لذلك استخدمه بين مزدوجتين لتاكيده كممارسة اجتماعية غير علمية ولكنها حية بالرغم من ذلك .
تُربط فيها الاهمية الاجتماعية للمجموعة (Of representation)اما العرقنة فهى عملية تمثّلية
الانسانية بخائص بيولوجية (كلون البشرة مثلا) جاعلة منها مجموعة متميزة ، تبنى علاقاتها الاجتماعية على هذا الاساس .
اما العنصرية فهى بنية اجتماعية مخترعة ، قامت على الظهور التاريخى لفكرة "العرق " ، ولكنها ترد فى هذه الورقة باعتبارها بنية قائمة داخل علاقات الاقتصاد والسياسة والايديولوجيا بدلا من قيامها بين "الاعراق" . فهى عندى نمط من الابعاد والتحقير والاخضاع والاستغلال ، لايمكن فهمه بالاتكاء على ظاهرة "العرق" او الاثنية وحدها . فالتحليل للظاهرة لابد ان يمر بعمليات تتداخل مع التقسيم الطبقى للمجتمع وعمليات جهاز الدولة وعمليات الهوية والاختلاف يترتب عليها اختراع احكام قيمية بصدد المجموعات الانسانية.
اما الاثنية فساتناولها فى هذة الورقة باعتبارها حالة خاصة من العنصرية . هناك اتفاق عام على ان الاثنية هى من منتجات تحول الخطاب المركزى الاروبى عن استخدام مفهوم القبيلة ككيان اجتماعى ، مخترع ، يُدخِل مجموعات من السكان فى وحدات ادارية يتم تعريفها اثنيا ، لتحبسهم فى ثنائية الزعيم-الرعية ، التى انتجها الاستعمار فى ممارسة الحكم غير المباشر المعروفة . و فى حدود معرفتى او متابعتى الناقصة ، يبدو لى ان الدرس العلمى السودانى لم يتوفر على جهد كاف لدراسة الاثنية فى السودان . فهى فى ظاهر الامر معروفة – خارج الدرس الاكاديمى - ، نراها ونشير اليها ، حيث يمكن تحديدها –وبسهولة – بعرب وزرقة وتقسيمات داخلهما . ولاشك ان الموضوعة اعقد من ذلك . ويكمن التعقيد فى تعدد مكونات الاثنية من مجموعة هويات جمعية ( تضم اللغة ، الثقافة ، الدين ، نظام القرابة ، الاصل والاب المؤسس ..الخ) تتفاوت فى الاهمية والتأثير حسب المحتوى العام ولحظات التاريخ المتعينة .
يتراوح معنى الاثنية بين الحدين : فقد يشير الى اقلية تتواجد ضمن فسيح الشعب ؛ وقد تعنى الامة ( او القومية مما يزيد فى مستوى التعقيد) . او قد تضم الاثنين عندما يتسع مدى البلد ليضم اقواما . والمعنى وما يشير اليه قد يغرق فى التعقيد فى مستوى اخر ، فقد تعنى الاثنية القبيلة ( والقبيلة قد تضم قبائل تسمى افخاذ او بطون ) وقد يعنى اقليما يضم مجموعة تاريخية تضم عددا من القبائل كالبجا او النوبا مثلا . وقد يتم استخدامها الى جانب القبيلة كمرادف "للعرق" ؛ و تتشابك الاثنية مع القومية/الوطنية والدولة ؛ فما هى الاثنية/القبيلة فى البلد ؟ وما هو نطاقها ؟ وهل هى حقيقة اصلانية اساسية منسجمة ومستمرة ؟ ام هى ايديولوجيا ام ميثولوجيا ، ام بنية تاريخية متحركة باسباب الحياة والصراع ، سوى الصراع باسباب السياسة او باسباب الموارد او بتدخلات الدولة او بغيرها ، يسهم فى انتاجها واعادة انتاجها وتعريفها واعادة تعريفها؟ واين هى الحدود الفاصلة بين اثنية/قبيلة واخرى ، بين تفسيرات من هم داخلها ومن هم خارجها ؟ وغيرها من الاسئلة تنتظر النظر العلمى فى تطوره ، لنؤهل فعلا سياسيا قائما على المعارف الاوثق.

الايديولوجيا التى تمنح الالوان قبحا :
"العبد" هو الشخص ذو اللون "الاسود" او " الازرق" ( "بالاستفادة" من - او بالاشارة الى - الاوصاف الاثنية المتداولة فى الصراع فى دارفور بين عرب وزرقة ) ، وهو تحديد - فى اختراعه – مخالف/ مقابل لتصور اثنى اخر- مخترع كذلك- يسمى ب "العربى" أو "ود البلد" او " الاصيفر " .. الخ ، تستمر اوصافه لتحدد لون بشرته و نقاءه وخلوه من " العِرق " كأهم الصفات . فى الممارسة تكفى المنطقة الجغرافية او القبيلة او الملامح الجسدية لتشييد هذا النموذج المخترع "لود البلد"/"بنت البلد" و"للازرق" . والممارسة فى عمقها هى استثمار واستمرار لعلاقات اقتصادية ، اجتماعية وثقافية ولذاكرة تاريخية ، يتم تركيبها فى بنية – مشحونة بالقوة - تنتج نوعا من التمايز والترتيب للجماعات الانسانية بين الرفعة والوضاعة . ’يودع هذا التمايز - وتلك التراتبية - فى الايديولجيا واللغة ليمثل دوافع وبعضاً من المراجع لحركة الوعى الاجتماعى ، وللمؤسسات الاجتماعية ، شعبية ورسمية ، بما فيها جهاز الدولة . والدولة الحالية تأهبت و زعمت " مشروعا حضاريا اسلاميا " ، فجندت – فيما جندت - المليشيات لقتل ملايين السودانين فى الجنوب يتواتر وصفهم ب "العبيد" والكفار ، فانفصل ؛ وسلحوا الجنجويد لقتل مئات الالاف فى دارفور ، يتواتر وصفهم "بالزرقة" ، ومانفكوا . وشّر "المشروع الحضارى الاسلامى" عنصريته ابتداءا من رئيسه السفاح البشير فوصف - على لسان المجرم الترابى ـ على الحاج ب "الفرخ " والى ضياء الدين الطيب – رئيس اللجنة الشعبية بقرية محمد زين - حيث خاطب عبد الرحيم هارون صارخا: " يا لاجئ .. ياعب " ونصحه بالرجوع الى بلده دارفور ، ثم اعتدى عليه . واستمر العنف العنصرى يختار ما يشاء من جرائمه ، فطعنوا والده بالسونكى واحرقوا ما رغبوا من بيوت الحى .
الاقتصاد ( او عندما يقال "عبيد " فى مشروع الجزيرة وغيره) : العنصرية و
لانحتاج الى كثير عناء للربط المباشر بين الاقتصاد والممارسة العنصرية ، سوى فى حدود التجربة العامة او فى حد تجربتنا السودانية . فالتجربة العامة انتظمت بقاع العالم وصاحبت تطور البنية الرأسمالية فى اروبا التى خصّت فيها افريقيا بالنصيب الباهظ من الاستعمار . يرصد اريك وليامز فى كتابه " الراسمالية والرق " حركة توسع الرأسمالية الاروبية الى خارجها ، كما يرصد الصراع بين الدول الاروبية على مناطق النفوذ والذى انفجر ابتداءا بين اسبانيا والبرتغال على البلاد الشاسعة فى امريكا الجنوبية ؛ والبرتغال وبريطانيا على البلاد الشاسعة فى القارة الافريقية . صّرح ملك فرنسا " ان الشمس تشرق لى كما تشرق لهم " وكان يشير الى كل اولائك الملوك والذين انضمت لهم هولندا والدنمارك تطالب بنصيبها من ضوء الشمس ، تلك الشمس الوسيعة البسّامة التى غذت حقول القطن والتبغ وقصب السكر فى العالم الجديد . (انظر وليامز ، الراسمالية والرق ، ص 3-4 ).
حررت الراسمالية اقنان اروبا العجوز من عبودية الاقطاع ، واتاحت لهم الاسواق ، يمارسون " حريتهم !" فى بيع قوى عملهم . وقد شجّعت حكوماتها اغتراب فقراء مجتمعاتها وخريجى ونزلاء السجون الى مستعمرات الكاريبى ( وغيرها) ، ذهبوا اليها تحت عقودات صارمة ومقيدة ( بين 3 الى 7 سنين) تمنع عملهم خارج مزارع الرأسمالى صاحب العقد باى حال من الاحوال الا بعد انتهاء العقد . وقد كان للعقد اسما مثيرا ، فقد حددته الاوراق الرسمية ب " عقد الخدمة " واصبح العامل مستخدما ( او خادم) ! ويوضح هذا بجلاء نوع الظروف الحياتية والعملية التى خبرها هؤلاء . يكفى ان نعرف ان هروبهم كان يزيد فى مدة العقد بسنتين او اكثر ، اما اذا تكررت محاولات الهرب فيكون نصيبهم الوشم (او الوسم) تماما كما توسم الابقار والخيول (انظر وليامز ، السابق ص 10 ) .
لقد لعب المستخدمون ( او الخدم) الى جانب الارقاء من المواطنين الاصليين ، دورا كبيرا فى التراكم البدائى ، والذى مول التوسع الصناعى الاروبى ، فسألت الصناعات و الاسواق : هل من مزيد ؟ وقد حدد تصاعد الطلب العام للسلع والخدمات الصناعية ، الى جانب ارتفاع تكاليف اعادة الانتاج المتوسعة ، الانتقال الى تأمين العمالة من خلال استرقاق الافارقة المتوسع . كان عدد الافارقة فى الكاريبى فى منتصف القرن السابع عشر حوالى المائتين ، ليبلغ عدة ملايين قبل نهاية القرن (قدر العدد الكلى ب 12 مليون افريقى فى مدى القرون الاربعة التى مورست فيها تجارة الرقيق ، ٌرحّل 4 مليون منهم خلال البحر الاحمر ، هذا الى جانب الملايين التى وصلها نحبها قبل وصولها الاسواق – انظر ويكيبيديا "تجارة الرقيق عبر الاطلنطى ") .
يقول وليامز " لقد تم تحديد الرق فى الكاريبى وبشكل ضيق عندما ربط بالزنوج . وحرّفت ظاهرة اقتصادية بالاساس لتصبح ظاهرة عنصرية . الرق لم يولد من العنصرية ، بل ان العنصرية هى التى ولدت من الاسترقاق " ( السابق ص 7) . يحدد توم كيفر ارتباط العنصرية بالرق عندما تطورت العبودية لتصبح مرتبطة بالزنوج حصرا ، بسبب من ديناميات الصراع الطبقى ، حيث قادت الانتفاضات المتكررة للعمال الزراعيين ( الخدم الاروبين والرقيق الافريقى وارقاء السكان الاصليين) طبقة الملاك الزراعيين الى ابتداع استراتيجيات التقسيم "العرقى" (بين الاروبين والافارقة ) . وفّررت العنصرية طرائق مفيدة لتفسير وتبرير انظمة قهر الافارقة والاخرين من ضحايا الامبريالية الاروبية فى نفس الوقت الذى تتيح فيه مد امتيازات خاصة لجزء من القوى العاملة ، وذلك بضمهم داخل فئة الرجل الابيض .
http://www.newsocialist.org/magazine/39/article03.html
وبالرغم عن هذا الارتباط الجدلى بين العرق/العنصرية والطبقة فى التجربة المذكورة ، الا أنه ارتباط لايكون تلقائيا - حتى ولو ظهر كذلك فى بعض ملامح تجربتنا السودانية وفى تجربة الاخرين - ولكنه ارتباط تتحدّد ملامحه بسياق نمط الانتاج واستراتيجيات القوى المهيمنة ( ايدولوجيتها واستخدامات جهاز الدولة )؛ ويتجلى تحديده بنوع المنهج التحليلى المستخدم للكشف عنه . ان ادماج "العرق" والاثنية كمقولات ومفاهيم مكونة فى بنية التحليل الطبقي – والاستراجيات التى تستند عليه – تعلى من جدلية التحليل الطبقى المادية ، وتنقذه من "التخفيضية " والابتذال . ف"العرق " والاثنية كمقولات ومفاهيم مكونة وبنائية لذلك التحليل المقصود ، تردان ضمن بنية علاقات اجتماعية متشابكة ، تحظيان ببعض الاستقلال نسبى ، ولا يتحددان مباشرة - وبشكل ميكانيكى - بالبنية الاقتصادية . لعب – ولازال – "العرق" و الاضطهاد العنصرى ادوارا فى رسم معالم التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية ودينامياتها ، والوعى المنبثق منها واشكال التعبير عن هذا الوعى فى الخطابات والسياسات المختلفة . هدف جزءٌ منها الى الاحتفاظ بالسيادة الاقتصادية مرتبطة بسمو اثنى ( "عرقى" ، ثقافى ودينى) يعيد انتاجها ويعمل على سيادتها .
تقتطف هيمانى بانرجى من نص ماركس : " في جميع الحالات الممكنة لوجود المجتمع يوجد نوع محدد من الانتاج يفرض غلبته على بقية الانواع الاخرى ، تحدد علاقاته مستوى ومدى تأثير علاقات الانتاج الاخرى ، يعم ضوءه ليغرق كل الالوان الاخرى ويغير خصائصها . انه اثير ذو صفات خاصة يحدد الثقل النوعى لكل موجود متحقق فى نطاقه " .
تقول بانرجى فى ورقتها "انطلاقا من ماركس : تاملات فى الطبقة والعرق والجندر " : " لو اننا اعتبرنا "العرق" كمجموعة لمّاحة ومعبّرة من العلاقات الاجتماعية فى مجال العلاقات التاريخية والاقتصادية ، ولو اعتبرنا الطبقة كتجمع واشتباك علاقات اجتماعية قائمة على الملكية وذات ممارسات دالة ، يغدو من السهل رؤية تداخلهما المرتبط . ومن هذا المدخل يمكن ان نقول ان مفهوم "العرق" الحديث هو الثقافة الاجتماعية للراسمالية الاستعمارية والامبريالية . " العرق " بالتالى هو اجتماع من خطابات الاستعمار والرق مغروزة بشكل حاسم فى المنظومة الرأسمالية فى تجلياتها المختلفة عبر الزمن . "العرق" – كما يقف الان – لايمكن التعبير عنه منفصلا عن " الطبقة " تماما كما لايمكن فصل اللبن عن القهوة بعد مزجهما ، او فصل الجسد عن الوعى فى الشخص الحى . هذا الترابط ، هذه العلاقة التكوينية ، صحيحة تماما كما هو صحيح وجود ممارسة الاحتياز على فائض القيمة فى البنية الراسمالية ، تماما كما هى ممارسة فطرية على مستوى الحياة الاجتماعية . ان المساهمة فى النشاط الاقتصادى ، قيمة العمل ، الحقوق والمساهمة فى الحياة السياسية والاجتماعية ، والتهميش او الاعتبار الثقافى ، كلها اجزاء من التشكيلة الاجتماعية الكلية " .
http://findarticles.com/p/articles/mi_hb3427/is_4_32/ai_n29239276/?tag=content;col1
جون سولوموس فى ورقته المنشورة فى كتاب ( يمكن ترجمة عنوانه الى ) " نظريات علاقات الرق والاثنية " يقتطف روبرت مايلز : " ثنائية زائفة تلك التى تربط العرق والطبقة ، وبدلا عنها اقترح : ان اعادة انتاج العلاقات الطبقية يتضمن رسم الحدود الطبقية الداخلية والخارجية وذلك بعمليات اقتصادية ، سياسية وايديولوجية . الممارسة العنصرية هى احد العمليات السياسية والايديولوجية المركزية فى المجتمعات الرأسمالية المعاصرة . ولكن ذلك – فى ذاته – لايلغى اثار علاقات الانتاج . وعليه فان جماع السود فى بريطانيا لايمكن تناول تحليلهم وبشكل مناسب خارج (او فى مقابلة ل ) العلاقات الطبقية . بل ان العملية التى تحددهم كعرق ورد فعلهم عليها ( عمليتان سياسة وايديولوجية) تحدثان دائما ضمن محتوى بنية وتاريخ محددان . وهى نفسها تلك البنية التى توفر فيها علاقات الانتاج الاجتماعية الاطار الضرورى والابتدائى الذى تكون فيها للعنصرية اثارها " (سولوموس ، السابق ص 100) .
تعتبر البنية الراسمالية الارقاء كنوع من مدخلات الانتاج ، تُخفّض انسانيتهم وتشيؤهم الى رأسمال ثابت – مثلهم ومثل العصّارة ( وجملها) او الساقية ( وبقرها) ؛ مقابل راس المال المتغيّر ( قوة العمل المأجور) . فحسب كارك ماركس فان المال الذى يُنفق فى الحصول عليهم يلعب دور رأس المال الثابت وحتى مماتهم ، فيجرى تجديدهم عن طريق تلك التجارة وذلك الصيد البغيض . بنمو البنية الراسمالية فى التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية فى السودان ، نما سوق العمل المأجور . واحتاجت مشاريع السكة حديد وبناء الخزانات وتشييد البنى التحتية للمشاريع الزراعية للعمالة . ولم يكن اندفاع الارقاء المتحررين انذاك كبيرا كما هو متوقع ؛ وقد فسرت عقلية الموظف الاستعمارى الامر باعتباره كسل مطبوع فى الرقيق السودانى . اما محمد ابراهيم نقد فقد فسر ذلك فى سياق منتقد للعقلية الامبريالية : " غريب ان يبدى التقرير دهشته من اختلال توازن العرض والطلب لليد العاملة وتكدس الارقاء بعشرات الالاف فى المدن الاقليمية وعزوفهم عن العمل فى الزراعة ، وله اسوة وموعظة فى تجربة انجلترا وتاريخها الاقتصادى ابان الثورة الصناعية (...) ونزوح الفلاحين للمدن وانتشار ظاهرة التشرد والتسول ومع ذلك لم تنخفض اجور العمال رغم فائض العرض من اليد العاملة فى تلك الفترة الباكرة لنشؤ السوق الراسمالى لرأس المال ولليد العاملة . كان لنواميس وقوانين العرض والطلب فى سوق العمل اثرها ، لكن سوق العمل لم تولد جاهزة (...) لتستقبل الفعل الكامل لتلك النواميس . فما بالك بسوق عمل فى مستعمرة بعيدة بمراحل واحقاب عن الثورة الصناعية ونموها الرأسمالى شائه مخنوق! (...) والارقاء الذين توافدوا على المدن بحثا عن عمل (...) مازالوا فى حالة انتقال وضياع وتمزق ، ماعادوا ارقاء ، قانونا ، ولكنهم لم يصبحوا احرارا يمتلكون وسائل كسب معاشهم ، ولا هم بعمال بعد ولكنهم تحولوا بالممارسة والمران والانضباط (...) الى عمال قامت على اكتافهم مرافق الانتاج والخدمات والصيانة ، نواة الطبقة العاملة السودانية ... (محمد ابراهيم نقد ،"علاقات الرق فى المجتمع السودانى النشأة- السمات –الاضمحلال توثيق وتعليق" (القاهرة ، دار الثقافة الجديدة ، 1995 ، ص 168-169 ) .

 

آراء