ناقصات العقل والدين .. بقلم سعيد محمد عدنان – لندن – بريطانيا

 


 

 

لعلّ هذه المحنة وكثافة إحداثيات حواراتها في الميديا تكون قطعاً قد فتّحت أعين الجميع إلى الكم الهائل من الأشكال والشخصيات "المتجعلصة" فلسفةً، والحاقدة وجاهلة ديناً، وبذلك فهي ناقصة العقل والدين في أزمتها في إدارة الحوار أو التزام الأمانة، سواءاً كانت في الصدق، أو في حفظ الحق – أو حتى في الكلام المفيد
وأهم أمانةً على كل كائن، هو حفظ الأمن الذي منحه الله تعالى لكل خلقه، من أمن خطر الغير، وما منحه الله من خيرات الأرض ونعمة العقل لينعم بها ولا يُحرم أحدٌ منها، فهي خيرات الله تعالى لكل خلقه. وهذه هي الأمانة التي وصفها الله تعالى في الآية " إنا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا" صدق الله العظيم.
فحملها العسكر والمرتزقة إنهم كانوا ظلومين جهلاء.
إنه ناقص العقل والدين، وهذا ما يجب أن يُسمّى به كل من يشق الصفوف بالتسلّط: عسكرياُ، دينياً، عرقياً، أو مجتمعياً. وليس تحديداً، إنما يشمل الشيوعيين في التسلط البروليتاري، وليس الاشتراكيين، ويشمل العرقيين من بعثيين، أو أهل الكتاب الأسود، يصنفون الناس بأعراقهم. والإسلامويين – الإسلام السياسي (مدنيةً أو عسكرية)، والذين يصنّفون الناس بإيمانهم العقائدي
سمعناهم وضاق صدرنا بسوء حوارهم، يرفعون أصواتهم ولا يتوقفون عند طلب مستضيفهم التوقّف، وأما التفكير المستقيم ليس فقط معدوماً لديهم، بل لا يملكون منه ما يجعلهم يدركون مدى بعدهم عن الموضوع ومدى اعوجاج تفكيرهم.
أبسط مثال في ذلك، ولأنه تقريباً غيابٌ تامٌّ لهم عن المعلومة التي يجادلون فيها [وكلهم "صُمٌّ بُكمٌّ لا يفقهون"] – والشكر والإعجاب أُسجلهما للصحفي الملهم أحمد طه في قناة الجزيرة الغرّاء، كيف كان "ينقش" فشلهم ذاك ويقودهم للفخ وهم لا يعلمون.
المثال: يسألهم عن انقلاب البرهان: يجيب جميعهم أنه ليس انقلاباً إنما تصحيحَ مسار!!!!
عدم التفكير المستقيم يغيّب عنهم أن سلطة البرهان أتت من مشاركة العسكر مع الثوار المدنيين في مسار الثورة قبل 25 أكتوبر بتفويض من الوثيقة الدستورية التي اقر جميع موقعوها بما فيهم هو ومجلسه العسكري، لتجعله في قيادة الدولة مع المكون العسكري إلى حين، أي شرعية قيادته.
ولما انقلب على الوثيقة، بالتعديل أو بالتجميد أو بالإلغاء، سقطت عنه تلك الشرعية لأنها إبنة وثيقة ثنائية، مثلها مثل وثيقة الصلح أو الهدنة، متى ما أخل طرفٌ فيها عمداً بطلت صلاحيتها إلا كوثيقةَ للمحاسبة، ويسقط معها مجلس السيادة ورئاسته لذلك المجلس.
فبأي شرعٍ يشرع البرهان بتصحيح المسار بخلاف سلطته العسكرية؟ والتعريف الصحيح للسلطة العسكرية في المجال السياسي انقلابٌ عسكري.
وماذا تعفي محاسبتَه تصريحاته تلك بانه مع الوثيقة ولا يمانع عودة حمدوك لرئاسة الوزراء بعد نكسه لذلك العهد؟
ليس نقصان عقلهم عيبهم الوحيد، غياب التفكير المستقيم وعقلانية الجدال، إنما أيضاً نقصان دينهم في فهمهم للدين والرسالة التي أرسلها الله تعالى للبشر عبر رسوله الكريم محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه، فبدلاً من اعتماد رسالته بأنها البيّنة من آياتٍ محكماتٍ وآياتٍ متشابهة، وكيف حذّرهم من التأويل فيها، نسجوا حججهم عبر القرون، بعيدين كل البعد عن البيّنة التي نصّ عنها الخالق عزّ وجل، في إحقاق الحق بدرء الشبهات عبر الشهود العدل وشروط شهادتهم، فبدأوا بالشهادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبنوا حوله تصريحاتٍ وأقوالٍ لا يجوز الاعتداد بها في تشكيل، في تعديل، في محو، أو عبر زيادةٍ أو تفسيرٍ قطعي لرسالة الله تعالى، بما أسموها بالسنة المحمدية!! الخلط في التعابير القرآنية بذكرها في شكل "سنة الله ورسوله" كالشرك بالله، بحجة أن رسوله تعني فقط محمداً صلى الله عليه وسلم، بينما هي تعنى رسالة الله تعالى، أو "الله تعالى وما يريد"، مثال لذلك:
الآيات13 و14، أدناه من سورة النساء:
"تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم"
"ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين"
والآية 62 من سورة التوبة:
"يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله احق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين"
فهذا ضلالٌ بيّن قبل أن يكون فقهاً، وكل ما يقوم بجمعه وبحثه من عُلماء أو كهنة، ما هو إلا جدلٌ لبناء صورة عن زمن الأديان حسب الأبحاث والتنقيب، وما هي ببيّنة عقائدية، لأن البيّنة عند الله تعالى تثبت من كتابه الكريم أو بالمثبت نقله من شهود عدل حضور كما أمر الله، ويثبّت – أي تمنحه الديمومة – ذلك النقل إما بدليلٍ مادي لا يدخله التزوير، مثل عقودٍ موقعة بواسطة الشهود بتوقيع يقبله الشرع والقانون في كل زمان، أو بالنقل المثبت بشهودٍ عدل حضور عن شهود عدل حضور ... إلخ عبر الأزمان بالإثبات لكل رواية على حدة.

وعن طريق نفس التفكير غير المستقيم والسراط غير المستقيم، تسمع شيوخهم يتعالون في الصراخ حول المختلفين معهم بأنهم أهل السكر والعربدة المستبيحين "ألعرقي" ليحصل عليه من يرغب، بحجة أن الخمر حرام، مع أنه تعالى لم يحرّمها إنما حذّر من الإسراف فيها، وكذلك في الميسر – أو الرهان على المجهول – وهو يشمل التأمين والسَلَم، بقوله تعالى "إنما الخمرُ والميسرُ رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه"، فلم يحرّمهما، إنما حذّر من مغبة فقد العقل فيهما.
أقدم هنا هذه الأمثلة من الأحاديث التي فشلت في الوقوف طَولاً لتستخرج من تلك الآية الكريمة ما يعني تحريم الخمر، بدلاً عن الإستوصاء بمراقبة أثرها على شاربها، والذي يختلف من شخصٍ لشخص، (وأضرب مثالاً بمن لا يسكرهم الخمر، وأنا واحدٌ منهم، ومع ذلك توقّفت من شرب الخمر لأنه بدأ يؤثّر على ذاكرتي، واعتبرت ذلك تسليماً لتلك الآية الكريمة من النصح)
1- من صحيح مسلم – كتاب الأشربة – باب إباحة النَّبيّذ الذي لم يشتد ولم يصر مسكراً برقم 2004 (ويذكر فيه "يُسقى الخادم أو يُهرق"، وشرحه أبو داود: يسقى الخادم أي يبادر به الفساد، ومظنة ذلك ما زاد على ثلاثة أيام)
2- من النسائي – كتاب الأشربة – باب تحريم كل شراب أسكر كثيره برقم5610-
3- من أبو داود – كتاب الأشربة – باب في صفة النَّبيّذ برقم 3712
فآيات الله تعالى كلها تحث على التعقّل والتفكّر والتدبّر والتفقّه، لأن الله ختم رسالاته بالقرآن الكريم الذي يستطيع عن طريق درب العقلانية والتفكّر المتأني أن يظل رسالة تعالج كل ما يفرزه عقل الإنسان المتطور والذي لا يخفى علينا مدى تطوّره وآفاق تطوّره.
لعلّ في هذه الفترة المباركة التي صحا فيها السودانيون بوعي وتوسّع آفاقٍ، خاصةً الشباب والشابات اللائي برحمةٍ من الله تمّ تغييبهم من ضلالِ ذويهم، وتشرّبوا بالاطلاع والتنوّر من مشارب الثقافة والعلم داخلياً وخارجياً بدون وصاية، فأعملوا وأعملن عقولهم وعقولهن بما أوصى به كتاب الله بالتفقه والتفكر والتبيّن والتزام البيّنة، في صفاء طبيعة الإنسان كما خلقه الله تعالى.
وعسى أن يقف هؤلاء الأوصياء والمتصلتين عند حدهم، فلا جدوى بعد أن استيقظ المردة.
كفى تشريداً للسودانيين
كفى عمالةّ وارتزاقاّ
كفى هوساً دينياً ما هو إلا نقص دين
ونقص الدين هو عدم الالتزام بجزءٍ منه
وليس نقص العبادة برخصٍ من الله تعالى، فالله تعالى يقول في الآية 286 من سورة البقرة " لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"
ما كسبت هو ما سمح به لها الله تعالى من رخصٍ شرعية
وما اكتسبت هو ما قام به العبد في دينه بعلمه وقناعته وسعيه
وواضحٌ إذا كان هناك نقصٌ في الدين فهو في المكتسب، حيث المسئولية فيه تقع على العبد
///////////////////////

 

آراء