نساء يحكمن الأقاليم لأول مرة

 


 

 

 

 

 

أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الأسبوع الماضي تعيين 18 حاكما (واليا) مدنيا لولايات السودان من بينهم امرأتان، وجاء تعيين الحكام في إطار استكمال هياكل الحكومة المدنية الانتقالية التي تشكلت في أعقاب سقوط النظام الإسلاموي الشمولي بثورة شعبية عارمة.

فور إعلان أسماء حكام الولايات بدأت قوى النظام البائد في دق طبول الفتنة عبر تحريض السكان في ولايتي نهر النيل والشمالية للخروج في مواكب رافضة لتعيين “نساء” في منصب الحاكم باعتبار أن ذلك يعارض تعاليم الدين الإسلامي والأعراف السائدة.



وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي العديد من مقاطع الفيديو لمناصري النظام البائد وهم يتوعدون بمنع الطبيبة آمنة أحمد محمد من تولي مهامها في حكم الولاية بادعاء أن ذلك التعيين ينتقص من حق الرجال ويمثل امتهانا لكرامتهم لأن الدين يقصر مهمة تولي الحكم على الرجال فقط.

لعبت المرأة دورا كبيرا في الثورة السودانية حيث تقدمت الصفوف في المواكب والتظاهرات التي واجهتها مليشيات النظام البائد بالرصاص، فضلا عن تحملها لصنوف عديدة من الاضطهاد والكبت والقمع طوال عقود الحكم الإسلاموي الشمولي مما تسبب في سلب حقوقها الإنسانية بشكل غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث.

بعد نجاح الثورة، تم توقيع الوثيقة الدستورية التي منحت المرأة الكثير من الحقوق، من بينها النص على أن يتم تمثيلها بنسبة لا تقل عن 40 في المئة في مقاعد السلطة التشريعية (البرلمان)، كما قامت حكومة الثورة بتعيين امرأة في منصب رئيسة القضاء للمرة الأولى في تاريخ البلاد إضافة لاحتلال امرأتين مقعدان في مجلس السيادة وأربع نساء أخريات حقائب وزارية هامة.

إن المطالبة بحصر الولاية الكبرى (الرئاسة) أو ولاية الأقاليم في جنس الرجال فقط بحجة أن النساء عاجزات عن القيام بذلك الدور لقصور “طبيعي” في تكوينهن يعكس حالة من الجمود العقلي التي يعاني منها طيف واسع من تيارات الإسلامويين، ذلك لأن حقائق الواقع قد دحضت تلك المزاعم عبر التجربة والممارسة.

فقد تولت المرأة الرئاسة في العديد من الدول وحققت الكثير من النجاحات، ففي العالم الإسلامي ترأست خالدة ضياء وحسينة واجد دولة بنغلاديش، كما نالت بنازير بوتو الحكم في باكستان، أما بقية النساء اللواتي حكمن دولا أخرى فيكفي أن نذكر منهن مارغريت تاتشر وأنجيلا ميركل وأنديرا غاندي التي حكمت شعبا يفوق تعداده مليار نسمة.

أما الادعاء بأن المجتمع السوداني غير مهيأ في الوقت الراهن لقبول فكرة تولى امرأة لمنصب حاكم إقليم فهو ادعاء لا تسانده حقائق الواقع، حيث حققت المرأة فتوحات كبيرة في حق التعليم فصارت طبيبة وقاضية ومهندسة، وباتت أعداد الطالبات في الجامعات أكبر من أعداد الطلاب، كما أضحت تنافس بشكل كبير في سوق العمل بفضل تأهيلها العلمي العالي وخبراتها العملية الطويلة.

لعبت المرأة دورا كبيرا في الثورة السودانية حيث تقدمت الصفوف في المواكب والتظاهرات التي واجهتها مليشيات النظام البائد بالرصاص

من ناحية أخرى، فإن التاريخ يحدثنا أن المرأة السودانية احتلت مكانة مرموقة في الحضارات القديمة، حيث اعتلت العديد من الملكات العظيمات عرش الدولة المروية واستطعن أن يحكمن لفترات طويلة، ومن بينهن الملكة “أماني ريناس” التي حكمت مملكة مروي لخمسة وعشرين عاما حققت خلالها انتصارات عديدة على الرومان.

الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية ليس فيها تفريق بين الرجال والنساء في تولي المناصب وهو الأمر الذي يتماشى مع فكرة “الحقوق” في الدولة الحديثة، وهي الفكرة التي تقتضي المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو لونهم.

إن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الانتقالية بتعيين امرأتين على سدة حكم ولايتي نهر النيل والشمالية تمثل انتصارا حقيقيا للنساء السودانيات اللواتي بذلن الغالي والنفيس في سبيل إنجاح الثورة، ومن المتوقع أن تتبعها العديد من الخطوات التي تليق بالمرأة وتعزز مكانتها في المجتمع.

 

آراء