نعم أمريكا هي المتغطرس الأقوى ولكن!!

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:(هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ) ..الآية

هذا بلاغ للناس:


إستهلالة:
     نعم أمريكا هي المتغطرس الأقوى ولكن لا مناص من التعامل معها لما لنا من مصالح لا تمر ولا تعدي إلا عن طريقها ؛ و كثيرٍ من الدول على اختلاف أنظمتها قد تختلف مع أمريكا في سياساتها التي لا تدل إلا على الغطرسة والاستكبار؛ وهذا ليس عيب في أمريكا؛ ولكن العيب فينا لأننا لم ندرك طبيعة الثقافة الأمريكية حتى نتمكن من إيجاد أدوات ووسائل للتعامل معها؛ ويعود ذلك لقصورنا في قراءة تاريخ الولايات المتحدة  منذ أن أتي الانجلوساكسون للأرض الجديدة ومارسوا التطهير ألعقري ضد الهنود الحمر؛ وهم أصحاب الأرض وسكانها الأصليون. فمهما كانت وجهة نظرنا الثقافية الإسلامية التي تتصف بالعدل والعدالة - وبغض النظر عن تطبيقاتنا لها - لأن هذا أمر عليه جدلٌ كبير - . إلا أننا عجزنا من أن نتعامل مع  الواقع والحتمية التاريخية لتطور الأشياء وبعدنا كثيراً عن البراغماتية السياسية؛ مع أننا نؤمن بأن الظلام قد يدوم طويلا، فينتج يأسا. وقد يتوحش، فيملأ جرحك ملحا. إلا أن الفجر دائما ما يولد من رحمه. بل أنه يكون أسطع كلما كان الظلام الذي استولده أشدّ عتمة. لهذا السبب، إن لم تر نجاحا، آمن بالفشل.  لقد أثبتوا فشله، عندما الغرب عموماً وأمريكا على وجه الخصوص عندما جعلوا الفساد والإرهاب والقهر هو القوة التي يملون بها إرادتهم، وهو الوسيلة التي يشترون بها الضمائر (القابلة للشراء)، شروا كل مبرر كان يمكن أن يسمح بتوليد قيم أو باستيعاب ثقافات.
المــــــتن:
     نعم؛ ربما توجد لدى الغرب؛ وتحديداً أمريكا ؛مراكز أبحاث عملاقة؛ نعم، لديهم "براميل" تفكير (ثينك تانك Think Tanks)عميقة أيضا. ولكننا نعلم أنها بالتجربة العملية أثبتت أنها مراكز لسوء الفهم إذ لم تتعلم من حروبها بدءً من هيروشيما ؛ حرب الكوريتين، حرب فيتنام، حرب العراق وأفغانستان، وإن براميلها مليئة بالروث لا بالفكر. قد تدوم الإمبراطوريات أطول إذا صدرت عن منظومة قيم، وإذا نجحت في إثبات أن تلك القيم جديرة بالاعتبار وقابلة للدمج والاستيعاب في الثقافات الأخرى ا. ولكن أنظر إلى تاريخ حروبها، فترى أن هؤلاء رعاة البقر لم يقدموا إلا العفن. قتلوا وعذبوا واغتصبوا وهجروا ودمروا وارتكبوا الأهوال من أجل أن يفرضوا على العالم أفّاقين ولصوصا ومرتزقة. لقد كان المرء يحتاج أن يكون فرانسيس فوكوياما لكي يفهم انه غبي . وانه صموئيل هنتغتون لكي يعرف انه برميل محشو بالسخافة. بل إن المرء يحتاج، بالأحرى، أن يكون حمارا لكي يرتكب كل ما ارتكب هؤلاء الغزاة من جرائم وأعمال قهر وهندسة قسوة، من دون أن يدرك أن مشروعه مشروع فاشل. والحمد لله، على ما وهبنا من غزاة. إذ أثبتوا أنهم بقر، واستعانوا على أمرهم ببقر، وأنتجوا من نظرياتهم روثا. فإن لم تر أننا قد حققنا نجاحا في إيجاد قواسم مشتركة للتعامل مع أمريكا دون قطع شعرة معاوية فيستحسن أن تدرك أن العيب فينا وليس في أمريكا حتى وإن كان علينا تحمل ثقافة الغطرسة الأمريكية  ، يقول المثل: [ أجلس على ضفة النهر، لتستمع بالمنظر. فالقارب السكران لابد آتٍ، يترنح بما حمل.ساعتها سترى ما لم تكن تراه].لقد كانت الظلمةُ ظلمةً، إلا أنها، في أحلك الساعات، كانت تستولد من رحمها فجرا.فاصبر على أمرك. وعض على جرحك. إن مع العسر يسرا.
     الحركة الشعبية التي كسبت أمريكا إلى صفها واستقوت بها ؛ ليست أشطر منا ؛ لقد كسبتها بالرغم من النهج الأيدلوجي الماركسي الذي انتهجته منذ تأسيسها والذي  يتناقض والمبادئ الامبريالية  لأمريكا ؛ وعندما كانت الحركة تبحث عن أقصر وأنجع الطرق للوصول إلى أهدافها خاصة بعد إدراكها لانعكاسات  انهيار الاتحاد السوفيتي على أدائها المستقبلي ؛ فتحركت بسرعة وغيرت بوصلتها وفي ذات الوقت كان هناك عداء متنامي بدأ يظهر على السطح من أمريكا  تجاه نظام الحكم الإسلامي في السودان خاصة بعد حرب الخليج وافرازاتها وموقف السودان من  عاصفة الصحراء  حدا بأمريكا لاحتضان الحركة كطفل مدلل أي أنها حالة استقطاب ؛ في ذات الوقت كان الخطاب السوداني الإسلامي  متشنجاً  وقد بلغت ذروة العداء بعد المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي ؛ بدأت الحركة توظف كل لعزف أدواتها لاستمالة أمريكا والغرب عموماً ؛ فبدأت كونشرتو الاضطهاد العرقي ليجد هوى لدى الأفارقة الأمريكان ؛ ثم عزفت على كونشرتو الدين فاستمالت البيض والمحافظين الجدد بهوسهم وتعصبهم؛ ثم عزفت على كونشرتو العنصرية للجلابة العرب فاستمالت" الايباك" الذي يخبر كيف يوظف مفاتيح السياسة  في الكونجرس  وتوظيف كل جماعات الضغط  والنخب في هوليود والإعلام في أمريكا على اختلاف الإدارات المتعاقبة على الحكم  المختلفة. بالمقابل أزاد الخطاب السياسي تجاه أمريكا والغرب تسدداً وتشنجاً ؛دون التفكير في أنجع السبل لتحييدها على الأقل إن لم نفلح في استمالتها . قد يكون لأمريكا مطامع ومصالح ولكن إن تقاطعت مع مصالحنا فلم لا؟! .. نحن نعاني من الحصار والعقوبات حتى هذه اللحظة؛ ونحن نقاوم بل و "نقاوح" دون أن نكون عمليين حتى في انتهاز الفرص.
الحاشـــــية:
لا ينقصنا الحكمة و الدهاء لنبدأ الآن ؛ فالفرص متاحة أكثر من أي وقتٍ مضى للبحث في صيغة  تعيد  لا أقول علاقات حارة ولكن لتطبيع العلاقة بين السودان والغرب عموماً  وأمريكا على وجه الخصوص اعتمادا على رؤية تحليلية منطقية وواقعية تتلخص في الآتي :
1)     علينا أن ندرك أنه بعد ثورات الربيع العربي استشعرت أمريكا  مدى تأثر هذه الدول بالتيارات الإسلامية التي قاومت أنظمة الحكم المستبدة التي انهارت ؛ لذا تتوقع أمريكا والغرب أن أنظمة الحكم القادمة لا بد وأن يغلب عليها التيار الإسلامي الصاعد والمتنامي  في وسط بلدان الربيع لذا فتحت  قنوات اتصال وحوار بعد أن كان محرماً  بل وكانت توصم تلك التيارات بالإرهاب . الحركات الإسلامية ترى في تركيا وماليزيا؛ حققا العدالة والتنمية والوسطية والتعايش السياسي مع الغرب  وبالتالي بدأ الاطمئنان يسود  في نفس الغرب بدلاً من الخوف والعداء ؛ وبالمقابل اكتشفت أمريكا والغرب بعدم احتواء إيران  والتعامل معها آنذاك ؛ برغم إخلاف المراحل الزمنية والتحولات الدولية يومها مقارنة باليوم.!!
2)     أدرك صانعو الاستراتيجيات الأمريكية أن انفصال الجنوب له سلبيات إستراتيجية على مصالحها في المنطقة ؛ فقد كان السودان الموحد " الأفروعربي" يمثل حاجزاً منيعاً لعدم تمدد الإرهاب والمتطرفين الإسلاميين كتنظيم " القاعدة " على سبيل المثال؛ إلى داخل  القارة خاصة أن لها  تجارب مريرة مع القاعدة في تنزانيا وكينيا. الآن السودان أصبح دولةً  ربية إسلامية تجاورها دولة إفريقية  وليدة ربما تكون امتداداً جغرافياً لمنطقة نشاط القاعدة  وأن هذه الدولة الوليدة  تحكمها نخب مسيحية. لذا لا بد وأن يكون  الغرب أن الرقعة الجغرافية لمحاربة الإرهاب قد اتسعت في شرق أفريقيا وأن على أمريكا والغرب التعاون مع السودان لتحييده حتى لا يكون معبراً للإرهاب  أو أن تكون الحدود التي تمتد (2000) كيلومتر مع الدولة الوليدة مرتعاً لهذه الجماعات التي ربما تتقاطع مصالح القبائل الحدودية خاصة ذات الأصول العربية  مع هذه الجماعات  وتستقوي  بها إن لم يكن هناك وأد لأي بؤر حدودية بين دولتي السودان . إذاً أن أمريكا تحتاج السودان كرمتنة توازن  في هذه المنطقة ولا يمكن  إلا أن تُغَاِّب لغة المصالح.
     لا بد من أن  يأخذ السودان بزمام المبادرة ويبدأ حواراً هادئاً  مع الإدارة الأمريكية وتوظيف بعض الإمكانات المعروفة للوصول لهذه الغاية ، فلا بد من شخصية مقبولة متمكنة لها خبرة ودراية بكيفية صنع القرار في أمريكا وتبدأ حملة علاقات عامة منظمة . لابد من فتح قنوات مع أعضاء الكونجرس وتوجيه دعوات لزيارة السودان وشرح المواقف والمتغيرات بعد انفصال الجنوب  والبحث عن قواسم مشتركة للتعاون وتبادل المصالح.. إن المصالح المشتركة هي لغة الشعوب في التعاون فيما بينها ؛ لغة التشنج الشعوبية لن تأتي إلا بمزيد من الانعكاسات السلبية الضارة ؛ فابسط مثال الناقل الوطني فقد اقعد  الحصار طائراته لعدم الحصول عى قطع الغيار حتى التأجير أصبح استحالة . لا بد أن نتعلم  أن نرخي  شواربنا قليلاً على أن لا نطأطئ رؤوسنا . يجب تغليب لغة المصالح. مرة أخرى أقول إن الحركة الشعبية ليست أذكى ولا أشطر مننا.!!
الهامــــش:
من شعر الحكمة لمحمود سامي البارودي:
يود الفتى ما لا يكونُ طماعةً ولم يدر أنّ الدهَر بالناس قُلَّبُ
ولـو علم الإنسـانُ ما فيه نفعُهُ لأبصرَ ما يأتي, وما يتجنَّبُ
ولكنها الأقدارُ تجري بحكمِها علينا, وأمرُ الغيبِ سِرٌ مُحَجَّبُ





abubakr ibrahim [zorayyab@gmail.com]

 

آراء