هذا ما حدث: من برايم لـ (براون)

 


 

عادل الباز
9 October, 2010

 


كنت قد فرغت خلال الأسبوع الماضي من قراءة كتاب الرحالة الألماني (برايم) بترجمة بديعة للنور عثمان رحمة الله عليه. برايم حكى في الكتاب رحلته للسودان بوصف بديع للحالة التي كانت عليها المدائن السودانية في القرن الثامن عشر. في ذات الأسبوع كنت على موعد مع دعوة من السفارة الألمانية لحضور مؤتمر صحفي ببرج الفاتح لوكيل الخارجية الألماني براون لم يحضره سوى شخصي والأستاذ النور أحمد النور رئيس تحرير الصحافة الغراء. بدا لي وكيل وزارة الخارجية الألمانية مثل (برايم) تماماً فهو على علاقة قديمة بالسودان، ويعرف كثيراً عن شؤونه الاجتماعية والسياسية. بدا السيد براون متفائلا بأن السودان لن يعود للحرب مجدداً بحسب إفادات القادة السودانيين الذين التقاهم خلال زيارته للخرطوم وجوبا. قلت للسيد براون لو أنّ المجتمع الدولي دعم السلام في السودان خلال الست سنوات الماضية لما احتاج إلى كل تلك الهرولة الحادثة الآن لمنع الحرب. قال السيد براون إنهم هنا للمساعدة... بعد إيه؟
أكتوبر.. سبعة وثلاثون عاماً على نصر يتيم!!
في قاعة ازدحمت بمئات المدعوين بفندق روتانا الأنيق احتلفت السفارة المصرية بالعيد السابع والثلاثين لنصر أكتوبر. كان بديعاً أن يفتتح سعادة العقيد أركان حرب أحمد شوقي كلمته في الاحتفال بغناء سوداني (الناس في بلدي يصنعون الحب). ثم يعطف للإشارة لدور السودانيين في حرب أكتوبر، مشيداً بهم، ثم ما لبثنا إلا قليلاً حتى جرى تكريمهم في الحفل وهم: سعادة اللواء كمال البكري أبوحراز رئيس أركان القوات المسلحة في حرب أكتوبر، واللواء أحمد مرسي حمد قائد كتيبة المظلات السودانية، واللواء كمال علي صالح قائد سرّية المهندسين.
إشارة أخرى نثرها السيد أحمد شوقي وهي أن البعثة العسكرية المصرية المتواجدة في السودان الآن هي أكبر بعثة عسكرية لمصر خارج الديار. قابلت في ذلك الحفل خلقاً كثيراً؛ معارضين وحكوميين، ورأسماليين ومعلّمين الله، وفنانين، وصحفيين. افتقدت شخصاً واحداً وهو الأستاذ الفنان علي مهدي بزيّه المميّز في مثل تلك المناسبات، فسألت عنه، قالوا إنه في أمريكا، لا أعرف كيف استطاع علي أن يحوّل المؤشر من صوت العرب لصوت أميركا! غايتو علي مهدي ده فنان في أي حاجة. تهاني خالصة لمصر ولسفارتها بهذا الاحتفال الذي يعيد ذكرى وقصة نصر وحيد لأمة العرب.
الوالي في الإستوائية
 زار السيد والي ولاية الخرطوم السيد عبد الرحمن الخضر الأسبوع الماضي ولاية الاستوائية، وبدأ معها مشروع توأمة. الزيارة ذكية من حيث موضوعاتها ومن حيث توقيتها. لقت الزيارة ترحيباً عظيماً من الجانب الجنوبي، ودعماً نادراً من السيد سلفا كير شخصياً. الزيارة طرحت سؤالاً جوهرياً على السادة سدَنة الانفصال، إذا كانت التوأمة مرحّباً بها، وهي صورة من صور الوحدة الصغرى التي تتعاظم فيها فرص التعاون الاقتصادي، والاستثمار الممكن لإمكانيات الولايات المختلفة، فلمَ الإسراع بالانفصال؟ اللغة التي تحدث بها السيد الوالي للجنوبيين كانت أفضل بألف مرّة من هتافات الوحدويين الفارغة من أي محتوى. اللغة هي لغة المصالح المشتركة والبناء على الثقة المتوفرة مهما كانت الأحوال وحدةً أو انفصالا. لو أن كل الولاة قاموا بفعل عملي بمثل ما قام به السيد عبد الرحمن الخضر لتغيرت الصورة تماماً، ولتردد الانفصاليون الف مرة قبل التفكير في دعوتهم.
سعد وأمل
بمحبّة شديدة لكليهما لازلت أراقب تجربة تلك الأنيقة جريدة (الجريدة) التي يقف على رأسها الشاعر الفنان سعد الدين إبراهيم والصحفية الذكية أمل هباني. الجريدة منذ أن صدرت صنعت إلفة بينها وبين قرائها، وأعطت صفحاتها نكهة متميزة للقاريء برشاقتها وتصميمها الجاذب، إضافة إلى رصانتها ومنوعاتها الجيدة السبك. لا أعرف من أين (طلع) صحيفو (الجريدة) فلا أكاد أعرف أكثرهم ولكنهم متميزون وذوو حس صحافي عالي، ومفردة رشيقة. لعلّ سعد وأمل قد أهدوهما هذه الميزات التي بها اشتهروا. يا أستاذ سعد وأمل أنتما جديران بكل نجاح.. صنعتما جريدة تشبهكما روحاً وألقاً وجمالاً «ولي قدّام».
مجلس الأمن هُنا
 للمرّة الثانية يزورنا أعضاء مجلس الأمن الموقرين: الأولى كانت بعد توقيع نيفاشا، والثانية الآن عشية الاستفتاء أخر استحقاقات نيفاشا. لا أعرف ماهي أجندة الزيارة تحديداً، ولكن من المؤكد أنهم لم يأتوا ليدعموا وحدة السودان، كما لم يأتوا ليغيثوا أهل دارفور، ولكنها على كل زيارة مهمة تستحق الترحيب. على الأقل لأنهم سيروا دفتر أحوالنا كما هي لا كما تصوّره التقارير الصحفية الكاذبة منها والموضوعية. سيرون كم هي معقدة القضايا التي نواجهها، وحجم المعاناة التي نتجشمها ونحن نبحث عن استقرار وطننا. سهلة هي القرارات التي يصدرها مجلس الأمن الموقر ليحدد فيها ما يصح وما لا يصح، دون معرفة بدقائق القضايا. لقد أصدر مجلس الأمن أكثر من عشرين قراراً وبياناً حول درافور ولازالت القضية تراوح مكانها!! سيدرك الوفد في جوبا أن القضية لا تتعلق بالمسحيين والمسلمين كما يصوّرها الإعلام الجاهل بقدر ما هي قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية معقدة. كما لابد أن يكون قد عرف في الفاشر أن قضية دارفور ليست صراعاً بين عرب وزرقة بقدر ماهي قضية نزاع متداخل «قبلي إثني اقصادي وسياسي». يا ترى هل ستسهم هذه الزيارة في إصلاح الصورة المقلوبة لدى أعضاء مجلس الأمن أم لن تزيدهم إلا ضلالاً؟ لقد جاءت عشرات الوفود لبلادنا، وكما دخلوا منها خرجوا بذات المفاهيم والرؤى التي عشعشت في رؤوسهم سنوات. لست متفائلاً بنتائج زيارة مجلس الأمن فلا شيء يدعو لذلك!!
كل العالم هنا ونحن هناك
إذا كان العالم كله هنا فنحن هناك . في أديس أبابا لنا وفود. مؤتمر وطني وحركة شعبية، ودينكا نقوك ومسيرية. الحوار يجري حول قضايا ما بعد الاستفتاء. الله وحدة يعلم ما جرى وما سيجري بعد هذا اللقاء، فإما أننا نتجه لإجراء استفتاء ناجح ونزيه وشفاف أو أننا نتدحرج للحرب التي ستشتعل شرارتها الأولى لا قدر الله من أبيي. الأخبار القادمة من أديس لا تسُر وربّنا يكضب الشينة.
في الدوحة لنا منبر آخر حول دارفور تقول الأخبار إنه يسير باتجاه اتفاق نهائي بين الأطراف المتفاوضة. الله وحده يعلم ما إذا كانت هذه الجولة الأخيرة للمفاوضات في دارفور أم ستعقبها مفاوضات ومفاوضات أخرى. في ذات الوقت وحول ذات القضايا يزور وزير خارجيتنا السيد علي كرتي ألمانيا، فيما يزور الرئيس البشير ليبيا للمشاركة في القمتين العربية والافريقية ليناقش ذات المواضيع.
وصفات الحرب
# إذا لم يجر الاستفتاء في موعده فتلك وصفة حرب.
# إذا قام الاستفتاء في موعده ولم يكن شفافاً ونزيهاً فتلك وصفة أخرى للحرب.
# إذا قام الاستفتاء في موعده ولم تكن نتيجته انفصال الجنوب فتلك وصفة مؤكدة للحرب.
# إذا قام استفتاء أبيي بدون المسيرية فتلك وصفة حرب
 # إذا قام الاستفتاء بالمسيرية فتلك حرب مؤكدة.
هكذا تتعدد وصفات الحرب وسيناريوهاتها ولكن عناية الله وحكمة السودانيين ستتجلى، وستحول كل هذه المخاطر إلى فرص للسلام والعيش المشترك.. فلا يزال هناك أمل ولا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون.
 

 

آراء