هذا ما كتبته في ٣٠ مايو ٢٠٢٢

 


 

 

(جزء من مقال نشر في تاريخ سابق)

نحن لا محال مقبولون علي تسوية سياسية، تسوية لن تتأتي إلا بالتوافق، تسوية سيكون دونها تضحيات سياسية جسام، ولكننا نضع نصب أعيننا بأنها الطريق الأوحد المتبقي لنا لاستعادة وطننا من قبضة سلطوية نكاد نتقري ملامحها العسكرية والأمنية القابضة، فالسودان علي حافة الهاوية، سياسيا و أمنياً، و اقتصاديا، بجانب كافة تبعات وأشكال وتمظهرات الانهيار، ولربما عزلة دولية جديدة.

وليس بخاف علينا بأن المجتمع الدولي الذي ما يزال يتخذ موقفا موحداً مع السودان يتمثل في أهمية وضرورة استعادة الحكم المدني، لن يستمر في هذا الموقف للأبد، وكانت أولي تمظهرات ذاك التوجه إرسال رسالة سياسية موحدة عبرت عنها زيارة المبعوثين الدوليين للسودان.

وعلي مستوي الإدارة الأمريكية فإن إرجاءها تصنيف ما في وقع في ٢٥ أكتوبر من العام الماضي (بالانقلاب العسكري)، لن تتخطاه أعين المراقبين الفاحصة، فالإعلان عن هذا التصنيف يستتبع تطبيق عقوبات من الإدارة الأمريكية علي القادة العسكريين وظلالها ستقع حتماً علي البلاد والشعب السوداني، وبالتالي قفل باب نافذة الحوار، وتريد الإدارة الأمريكية الاحتفاظ ب leverage لممارسة ضغط سياسي علي القادة العسكريين باعتبارهم من سطي علي السلطة بانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، بجانب إنتهاج دبلوماسية وسياسة تتمثل في الإشادة المستدامة للحراك السياسي، وشجاعة السودانيين والسودانيات ولجان المقاومة، والمكون المدني. و هذا الوضع السياسي سيتيح لها متابعة الدبلوماسية بشكل لصيق للتوصل للحلول السياسية.

وبقراءة مبسطة، نجد أن عدم تصنيف ما حدث في السودان في ٢٥ أكتوبر كانقلاب عسكري من قبل الإدارة الأمريكية، ليس نعمة للعسكريين، بل نقمة عليهم، بيد أنه في ذات الوقت يصب في مصلحة الثورة، ولكن إلي حين، وتتمثل غايته في حوار الفرصة الأخيرة عبر الألية الثلاثية. وهذا ما حفز المكون المدني لاتخاذ خطو خطوة جادة في طريق الحوار. والعسكريون يستشعرون قرب شبح العقوبات التي ستطبق عليهم وتخيم علي مصالحهم، والعقوبات التي ستؤثر من جهة اخري، بل ستقعد بتعامل أي جهة اقليمية للتعامل مع الانقلابين.

ونجاح الحوار يتطلب عدة أمور لإحداث النجاح المنشود للحوار، وفي أعلي سقفها، التحلي بالشعور الوطني المسؤول للمكون المدني بأطيافه كافة التي قبلت مبدأ الجلوس للتفاوض لقبول الحوار كسبيل وحيد للخروج بالبلاد مما تعيشه ويعيشه الشعب السوداني من انعدام للأمن، وقهر وتجبر سلطوي، وبطش، وتضييق، ومن استهداف معتمد و الاغتيال الممنهج لرموز الثورة وقادة الحراك الثوري الشعبي، و الاستعداد لطرح القضايا العالقة كافة علي مائدة التفاوض، للحيلولة دون العودة القهقرى، وعدم رفض الحوار كمبدأ ووسع شروط يصعب قبول المكون العسكري وهو يمسك بزمام السلطة، ويدير دفة الحياة السياسية والاقتصادية.

إذن ماذا يجري في سياق المبادرة الثلاثية؟ من الواضح أن المبادرة الثلاثية تحظي بقول مبدئي والتزام بالمضي فيها وعبرها لاستهلال حوار سياسي، وما رفع حالة الطوارئ في كافة أنحاء البلاد، و إطلاق كافة السجناء السياسيين في البلاد، إلا أحد أهم الشروط الاستباقية التي تضمنتها المبادرة الثلاثية كمقدمة ضرورية لتهيئة الحوار، وهنا مبعث الترحيب الدولي بالخطوة، وهي الخطوة الأساس التي ظلت تنادي بها لجان المقاومة وأصحاب المصلحة، وليعلم أصحاب المصلحة بأنهم يدخلون الحوار ويجلسون علي طرف مائدة التفاوض، مستندين الي قاعدة سياسية عريضة و قوية، وبدعم دولي للشعارات وللقضايا والطموحات التي عبرت عنها الثورة، وهذا هو سلاحهم الحقيقي.

وفي تقديري الشخصي، أن التسوية المرتقبة ستنطوي علي توافق سياسي، (وليس إتفاق)، لربما يكون قاس في بعض جوانبه، لكنه سيكون ضرورياً، فالعودة للحكم المدني لن يعطيها الجانب العسكري للجانب المدني علي طبق من فضة، و المكون المدني ممثلاً في أصحاب المصلحة لن يتنازلوا عن المبادئ الأساسية للشارع السوداني والحراك الثوري، ولكن لابد من خلق منطقة وسط يلتقي فيها الجانبان من أجل الوطن، وتلك هي الأسس التي ينبي عليها أي تفاوض وتسوية سياسية.

فإطالة العسكريين للموقف السياسي والأمني والاقتصادي الراهن للبلاد، سيجعل من السودان رهينة لتمدد حكم سلطوي وقمعي ، ففي نهاية المطاف فالعسكريون يعلمون أنهم لن يربحوا المعركة، و إستراتيجيتهم تتمثل في كسب الوقت، والخاسر في هذا الوضع ستكون مزيد من الأرواح التي زهق بإمعان في سلسلة عمليات الاغتيالات التي تقع علي قادة الحراك الثوري، بجانب الاعتقال التعسفي الممنهج، و الإخفاء القسري، والقتل خارج إطار القانون، وجر البلاد لمستنقع مجهول، ولن يصب ذلك بأية حال في مصلحة الثورة

n.wally08@gmail.com
///////////////////////

 

آراء