هل كان ممكنا تفادي وقوع كارثة الحرب العبثية؟

 


 

 

لم يكن معظم الناس بحاجة لسماع اعترافات أنس عمر لمعرفة حقيقة وحجم المؤامرة التي دبّرها التنظيم الكيزاني مع عسكر لجنة البشير الأمنية. كانت المؤامرة مكشوفة مثلها مثل انقلاب 25 أكتوبر المُعلن، فدعاة الحرب كانوا يدقون الطبول ليلا ونهارا، وفي ذروة حمى الدمج السريع التي اصابتهم لم ينتبهوا الى ان الدمج يستدعي ان يكون لكل القوات بما فيها قوات حلفائهم من حركات اتفاق جوبا، وتجاهلوا انّ عملية دمج القوات ستتم وفق ما تم التوافق عليه في الاتفاق الاطاري، لكن الدمج لم يكن هو المقصود، كانت الحرب هي الهدف، وهي السبيل الوحيد لإجهاض التسوية او الاتفاق الاطاري وما سيستتبعه من عودة لجنة التفكيك، التي صارت بعبعا يقض مضاجع الاسلامويين واتباعهم من سرّاق صناديق الشرق وقطّاع الطرق، والانتهازيين من حركات سلام جوبا وغيرهم من طلاب السلطة والمال العام.
كان الاستفزاز واضحا ومتعمدا، ظلّ قائد الجيش (يتنطط) من حفل طهور الى زواج جماعي وقد اصابته عدوى حُمى الدمج السريع، يمارس هوايته الأثيرة في نقض العهود التي يبرمها بنفسه، كان بإمكانه بتوقيع صغير أن يوقف شلالات الدم ، كان بإمكانه حقن دم الأبرياء الذين نصّب من نفسه حاكما عليهم دون مؤهل أو وازع أخلاقي يردعه عن التلاعب بمصير وطن وأمة، كان بالإمكان تفادي الكارثة لو امتلك الرجل الإرادة لمقاومة اغراء السلطة وضغوط الفلول، لكنه اختار ان ينحاز للفلول ولأطماعه الشخصية في تحقيق حلم والده حتى لو تحولت البلاد كلها الى ركام وخراب. كان بإمكانه تفادي مذلة الاختباء تحت الأرض وترك جنوده دون قائد حقيقي، يواجهون مصيرهم فيما يختبئ هو حتى يتم تنظيف البلاد من اعدائه وعندها يظهر ويملأ الشاشات ببطولة الاختباء.
وتأسيا بزعيمه خطب كباشي في جنوب كردفان مطالبا بالدمج السريع وبالجيش المهني الواحد، وهو كلام حق، اُريد به باطل الفتنة والحرب.
(وحدث ما حدث) وكما كان متوقعا يدفع الأبرياء ثمن الصراع العبثي، سالت الدماء وتشتت شمل الأسر، ودُمّرت الممتلكات الخاصة والعامة في بلاد تعاني أصلا من هلاك بنيتها التحتية بسبب الفساد والمحسوبية وغياب الرؤية المستقبلية والقيادة الراشدة طوال سنوات عهد التيه الانقاذي، ثم فترة عهد اللجنة الأمنية التي لم توفر جهدا لإجهاض كل محاولات المدنيين لتستعيد البلاد مسارها الطبيعي.
الان لا حل سوى ان تجتمع إرادة اهل هذه البلاد على المطالبة بوقف الحرب، واستعادة العملية السياسية، التي تقوم على إعادة الاعمار ودمج كل المليشيات وصولا لجيش مهني واحد انتمائه للوطن، حماية مواطنيه وحدوده ووحدة أراضيه، عملية سياسية تبدأ بمحاسبة من حرّض ودفع باتجاه الحرب، وتضع الخطط والحلول لإزالة آثارها الكارثية في كل المجالات.
لقد عانى أهل هذه البلاد كثيرا طوال سنوات ما بعد الاستقلال من الحروب الاهلية وعدم الاستقرار، ودفع أهلنا في الهامش الثمن الأكبر، قبل أن تنتقل الحرب الى عاصمة البلاد نفسها ليدفع أهلها دون ذنب ثمن طموحات البعض في الاستئثار بالسلطة والثروة والهروب من المحاسبة ودفن ثورة شعبنا في غبار الحرب العبثية.
ما يحدث اليوم هو حصاد أكثر من ثلاثة عقود من زرع الحركة الإسلامية التي حكمت هذه البلاد بالحديد والنار، ونهبت مواردها وبذرت الفتن وشنّت الحروب على الآمنين في كل ارجائها.
والغريب انهم تسببوا في هذه الحرب ويريدون ان يصطف الناس من خلفهم، وهم يحاربون قوات الدعم السريع التي صنعوها بأنفسهم لتساعدهم في حربهم ضد الشعب السوداني، وحين تقاطعت المصالح سعوا لإثارة الفتن والدفع بكل الأطراف لاتجاه الحرب، رغم علمهم أن الأبرياء هم من سيدفعون ثمنها، أملا في ان يؤدي ذلك للتخلص من كل أعدائهم من العسكر، وكذلك دمغ اعدائهم في قوى الحرية والتغيير بالتبعية للدعم السريع، متناسين من الذي أنشأ الدعم السريع ووفّر له أسباب البأس والقوة.
من دون تصفية هذا التنظيم المجرم ومحاسبة أعضائه فإنّ هذه البلاد لن تنعم أبدا بالسلام والاستقرار والوحدة وستظل دوامة العنف تحصد أرواح الأبرياء.
لا للحرب .. نعم للسلام

أحمد الملك

ortoot@gmail.com

 

آراء