هل ينسينا الموت في زمن المحنة تذكر مجاهدات ومناقب المرحوم الدكتور أمير عوض الكريم؟!!

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحیم

سيد شباب المدونين ورائد منتديات الحوار لم يكن أميراً واحداً وإنما فريقاً من الأمراء في معترك التحدي

د. فتح الرحمن القاضي
TEL: +249912219666 / E – Mail: elgadi100@gmail.com


فيما قيل أن الموت في زمن الكوارث العظمي أشبه ما يكون بالموت في يوم القيامة ، ولا يوجد ما هو أكثر هولاً من القيامة، مما يجعل من تذكر المتوفي أو الوقوف عند حادثة موته مجرد حدث عابر بالنظر الي الاهوال العظمي التي يختبرها السودان حالياً. رغم ذلك فإن انتقال العديد من الاخوة والصحاب الي رحاب العناية الالهية في أواخر رمضان وأيام العيد وما تلاها ما كان له أن يعبر هكذا في طي النسيان في ذاكرة الامة السودانية بلا ذكر.
يجئ في مقدمة من فقدنا بن خالنا الدكتور عبد السلام محمد عثمان اختصاصي الباطنية بمستشفي شرق النيل الذي التحق بابن عمه خالنا الدكتور شرف الدين الجزولي ، والصديق العزيز المجاهد سليمان حامد، والسفير ادريس سليمان المعروف بعطائه منذ ان كان طالباً بجامعة الخرطوم ، والاستاذ هجو قسم السيد الذي تقلب في مواقع عديدة ، وحامد بريمة ، وفوزي المرضي الذي توفي في أعقاب الحادث الماساوي الذي الم باسرته ، وأخيراً الدكتور أمير. واقع الامر أن كل من هؤلاء يحتاج الي مقال بذاته بيد ان هذه المساحة نخصصها لذكر مجاهدات ومناقب الدكتور أمير راجين أن تسعفنا الظروف مستقبلاً بالعودة للوقوف علي طرف من سير هؤلاء الأخيار رحمهم الله .
صحيح ان المرحوم الدكتور امير عوض الكريم قد درس الطب وتخرج من كلية الطب بجامعة الخرطوم غير أن الظروف لم تسعفنا بمزاملته أثناء الدراسة الجامعية ذلك أننا أكملنا سنيي الدراسة بذات الجامعة ومن ثم وجدنا سبيلنا الي الحياة قبل أن يلج هو من بعدنا بعد حين في أروقة الكلية، غير أننا سمعنا الكثير عنه ووقفنا علي طرف من نشاطه مروراً بمدرسة خور عمر الثانوية التي لم يكن يلج الي باحتها سوي التلاميذ الاكثر تفوقاً ، وانتهاءا بكلية الطب جامعة الخرطوم التي تضم نخبة من أميز الطلاب علي مستوي السودان.
لقد قدر لمعرفتنا أن تتوثق بالدكتور امير علي عهد شيوع وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الناس اكثر قرباً وترابطاً مع بعضها البعض ، حيث وجد الكثيرون متسعاً من الوقت للتلاقي والتعارف والمثاقفة عبر العالم الافتراضي الذي توفره هذه الوسائط وفي مقدمتها الواتساب والفيس بوك وانستغرام بعد أن تعذر علي الناس تحقيق اغراض التواصل في عالم الواقع المعاش مع زحمة الحياة وايقاعها السريع.
وهكذا قدر لي ان ألتقي بالدكتور أمير في وسائل التواصل الاجتماعي ، وفي بادئ الامر حسبته شخصية افتراضية وهمية تقف خلفها أجهزة للمعلومات بحالها وذلك نسبة لنشاطه الذي يفوق الخيال بيد أنن وقفت من بعد علي حقيقة كون أمير شخصية حقيقية مما زاد من فرط دهشتي اذ كيف يتسني لرجل واحد ان يتوفر علي هذا القدر الهائل من المعارف بحيث يكاد يشكل موسوعة متكاملة أو دائرة للمعارف تنطق بالحكمة في مختلف المجالات.
لقد شهدنا تجليات عظمي للدكتور امير في معترك الحياة الفكرية والسياسية مع انتعاش مجموعات التواصل الاجتماعي التي شهدت بالفعل طفرة كبري في العقد الثاني من القرن الحالي حيث واكبنا ميلاد مجموعات اسناد الحوار بمسمياتها المختلفة علي يد الاخ الدكتور عمار السجاد وبمعيته رهط من الاخوة والاخوات الذين وجدوا في هذه المنتديات متنفساً للتعبير عن أنفسهم مع انسداد الحياة الفكرية وتكلس منابر التعبير السياسي الامر الذي ساعد هذه المجاميع الافتراضية علي الرواج في ظل مناخ سياسي خانق ، مما شكل بيئة غير ملائمة لنمو الافكار والمبادرات علي عهد حكم الانقاذ. وليت السجاد واصل تلك التجربه بذات النسق الأول الذي نشأت عليه وإذا لشكل حاضنة فكرية تستند عليها الحركة الاسلامية لا بل الأمة السودانية في تطورها المأمول. ومع اذدهار نشاط الدكتور امير لم يكن مستغرباً أن يصادف قدراً كبيرا من الاحتفاء والترحيب في سائر مجموعات التواصل الاجتماعي حيث سعدنا نحن في مجموعة المدافعون السودانيون عن حقوق الانسان (SUDANESE HUMAN RIGHTS DEFENDERS) بحضوره الذكي بين ظهرانينا اثراءا للنقاش من خلال تعاطيه الايجابي في الحوارات الجادة التي ما برحت المجموعة تضطلع بها في مضمار حقوق الانسان وتعزيز الكرامة الانسانية علي المستوي الوطني والاقليميي والدولي، وقد كان هذا شأن الدكتور أمير وديدنه في سائر المجموعات التي تذخر ببها وسائل التواصل الإحتماعي .
لقد جبل الدكتور امير علي همة عالية لا تعرف الفتور في مجال الدرس والبحث والاستذكار وها هو يحمل كتبه في باحة مسجد جامعة الخرطوم ، وفق رواية صديقنا الاستاذ أشرف عبد العزيز رئيس تحرير صحيفة الجريدة، ويعكف علي مطالعتها مما أثار فضول الاستاذ أشرف الذي تساءل عن هوية هذا الشخص وشغفه بالاطلاع فجاءه الرد بأن هذا الطالب الذي لم يقف علي استذكار المقرر الدراسي للعام الحالي لا بل هو يطالع مقرر العام القادم لكلية الطب يدعي أمير عوض الكريم؟؟!!. وهكذا تشكلت الحصيلة العلمية والمعرفية للطالب أمير منذ سني الدراسة مروراً بحياته العملية حيث لم يتوقف جهده حتي نجح في استحصال التخصص العلمي في مجال جراحة العظام ببريطانيا وهو من ضمن مجالات التخصص التي لا تتوفر الا لأولي العزم من الدارسين في حقل الطب. .
ويذكر الذين واكبوا الدكتور أمير كيف أنه أبلي بلاءا حسنا فيما يعتقد صوابه فقد كان لا يتردد مطلقاً في المنافحة عن مواقفة والزود عن أفكاره، فما ان يرد موقف أو تعرض مسألة في إطار الحوارات التفاعلية التي كانت تعج بها مجموعات التواصل الاجتماعي الا وكان أمير حاضراً آناء الليل وأطراف النهار ليدلي بدلوه بوعي وبصيرة مستعيناً في ذلك بذخيرة وافرة من المعلومات التي لا يمكن لها أن تتوفر الا في حضن مركز متكامل للمعلومات والبحوث والدراسات ؟؟!، ولا يحول دون ذلك انشغاله الجم بممارسة مهنة الطب بما تتطلبه من تركيز واطلاع دائمين ؟!!.
ويلزمني القول في سياق هذه المرثية بانني لم أكن علي توافق تام مع المرحوم أمير في تكييف طبيعة المسار السياسي لحكم الانقاذ حيث كان المرحوم يزود عن الانقاذ بينما كنت اتبني رؤية مخالفة بعض الشيئ بإزاء الانقاذ وتراثها في الممارسة السياسية وكان كلانا يجتهد في تبيان رؤيته وحشد الاسانيد الداعمة لموقفه . ومهما كان من أمر القضايا الخلافية فقد كنت اقدر دائماً بأن الدكتور امير لم يكن يستهدف ابداً الدفاع عن حزب سياسي أو تعظيم قياداته مستهدياً ببصيرته الواعية، ولكنه كان لا يتواني في المنافحة عن الافكارالكامنة خلف الاشكال السياسية الماثلة ويكرس ، بالتالي، قلمه وفكره الثاقب للزود عن اطروحة النهج الاسلامي من حيث هو مشروع واجب الدعم والنفاذ. وفيما يبدو أن إنخراط الدكتور أمير في مساجلات مستمرة، لم يكن ينوء بوطأتها، في شأن الحكم واستكشاف مسار التجربة السياسية لعهد الانقاذ جعلت البعض لا يتفطن للحكمة الحقيقية الكامنة خلف رؤاه ومواقفه السياسية. وعلي كل حال سوف يحكم التاريخ علي مغزي هذا السجال ومآلاته ما بين مؤيد أو معارض أو متحفظ علي حقبة ما زالت تتفاعل بتاثيراتها وتداعياتها. وسوف يفضي التاريخ المنصف الي حكم، ولو بعد حين، فيما إذا كانت الانقاذ قد صدقت حسن ظن أنصارها وأنجزتهم ما وعدت من خلال تجربتها السالفة، أم أن أنماط الممارسة ونماذج التطبيق العملي في ذلك العهد لم تكن علي قدر التحدي حيث تسببت الإنقاذ في خذلان من أحسنوا الظن بها وراهنوا علي نجاح تجربتها في تجسيد المشروع الاسلامي كأنموذج صالح للحكم في واقع السودان ، ويستوي في ذلك صديقنا المرحوم الدكتور امير ومن سواه من الاخوة الذين حملوا علي عاتقهم ذات الهم.
تري ماذا يكون حكم التاريخ في كسب أخينا الاثير الي نفوسنا امير الذي وقع خبر وفاته علينا كالصاعقة ونحن نقرأ نعيه علي صفحة أخينا وزميلنا الدكتور ياسر قشي اختصاصي جراحة السلسلة الفقرية علي موقع الفيس بوك ؟!!.
وفيما لا نملك التحكم في طبيعة أحكام التاريخ بإزاء سفر اعمال الافراد والجماعات الا اننا لن نتردد في بذل شهادة مستحقة في حق المرحوم امير، ذلك أن أميراً رحمه الله واحسن مثواه وتقبله في الفردوس الاعلي من الجنان كان طيب النفس حسن السريرة لا يحمل ضغينة لاحد ، كما كان فارسا للكلمة لا يشق له غبار في المنافحة عن مشروع إسلامي آمن بجدواه واجتهد في الزود عنه خلال سني حياته الحافلة بجلائل الاعمال ، وبهذا لم يكن أمير ينافح عن تنظيم او فرد وانما ظل يجتهد في الزود عن مشروع اسلامي متكامل كان يرتجي له ان يجسد جملة من المبادئ العظيمة في واقع الامة السودانية سيراً قاصداً الي الله، وعدلاً وسلاما ورخاءاً في مصلحة الشعب ، وبالتالي فإن أمير وصحبه الميامين لا يعتبرون مسئولين ، في تقديري، عن المآلات التي انتهي اليها هذا المشروع ذلك أن المرء في الحياة الدنيا إنما هو مأمور بالعمل الصالح وليس إدراك النتائج التي يقع محل تقديرها في قيد العناية الالهية.
وفي سياق وضع بصمة لا تمحي من سجل تااريخ السودان الحديث لا يحق لنا أن نصف امير سوي أنه يستحق أن نطلق عليه بحق، ونحن نتحدث عن مناقبه وارثه الباقي في اعقاب وفاته، برائد منتديات الجوار وشيخ شباب المدونين السودانين، وقد كنت أخاطبه ممازحاً أثناء تواصلنا ب (فريق الأمراء) وذلك من واقع نشاطه اللامحدود الذي كان يتجاوز طاقة الفرد الواحد ليشكل فريقاً بأكمله. لم يسمح أمير للخلافات التي عادة ما تنشأ علي وسائل التواصل الاجتماعي بافساد علاقاته الطيبة مع أصحاب الرأي الاخر وذلك من فرط وعيه وتسامحه اللامحدود، فقد كان دائماً ما يلتزم الحكمة القائلة بأن (إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية )، وهذا ما ينبغي أن تتأسي به أجيال الشباب في تعاملها علي مستوي العالم الافتراضي او في رحاب الواقع، وهذا مقتضي فقه الدعوة الذي يحض علي مجادلة الناس بالتي هي أحسن مع مجانبة الفظاظة وغلظة القلب ، وهذا ما جبل عليه امير وتخلق به في سائر أحواله وهو يمشي بين الناس، وهذا ما يفتقر اليه بعض الناشئة ولا نقل كلهم حيث يغلب علي سوح الحوار شيئ من التعصب والتخندق داخل الصناديق المغلقة مما يجعل من عملية الحوار أمراً صعباً ان لم يكن ضرباً من المستحيل ، وذلك مما يجدر بنا تعلمه من سيرة امير مستلهمين مناقبه التي تمشي حية بين الناس.
في اعقاب إحتدام الجدال بيننا ، وكلانا يكن لصاحبه اسمي آيات والاحترام والتقدير ، كان لزاماً علي ان أخف للقاء امير بصالة المغادرة بمطار الخرطوم فقد كان يهم بمغادرة السودان الي موقع عمله بالمملكة العربية السعودية في أعقاب قضاء إجازة بالبلاد، لقد كان لقاء عاطفياً حميماً فتلك كانت المرة الاولي التي قيض الله لي فيها ان ألتقي امير وجهاً لوجه في عالم الواقع حيث كان لقائنا يجري في العالم الافتراضي عبر الاسافير مما حفزني علي أن أخف للقائه مسلماً ومودعاً. وأثناء مباشرتي له بالوداع ، غالبت دموعي التي تسللت علي غير ارادة مني ، واشحت بوجهي لكي لا يلحظ دموعي وأنا أحدثه عن تجربتي المتواضعة في خدمة ملف السلام عبر مؤسسة السلام والتنمية وهو من ضمن الملفات التي كانت محل اهتمام الطرفين، شخصي والدكتور امير، لينصرف امير من بعد ليستكمل إجراءات سفره في صالة المغادرة ملوحا بكلتا يدية وانا أراه للمرة الاخيرة. وها أنذا اتساءل عن سر الحزن الذي انتابني وأنا أباشره بالوداع ، لتتجدد ذات الاحزان في أعقاب تبلغنا لخبر وفاته المفجع بالسعودية وهو في ريعان الشباب.
كان يرتجي الكثير من الدكتور أمير ، في حاضر السودان ومستقبله ، غير ان مشيئة الله وحكمته البالغة إرتأت أن تصطفيه الي رحاب العناية الالهية وهو في ريعان الشباب. ونحن إذ نبعث باحر ألوان المواساة لاسرة الدكتور أمير وزوجه وأبنائه وزملائه وأصدقائه ومحبيه فاننا لنسال الله أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ، وأن يتقبله في الفردوس الأعلي من الجنة... وانا لله وانا اليه راجعون ... ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم،،،
الخرطوم في 6 مايو 2023 م

 

آراء