وداعا أستاذ الأجيال بكري إبراهيم علي

 


 

 


melmekki@aol.com


ذهب عن هذه الفانية  كبيرنا سنا وعقلا ، وعميد أسرتنا المربي الكبير بكري ابراهيم على بعد نضال طويل مع  مرض لم نكن نتصور أن يجرؤ عليه لكونه رياضيا مشهودا له ولكونه منحدرا من سلالة من المعمرين ولقد صبر على البلوى صبرا جميلا وطال قعوده لبضع سنوات تردد خلالها على عدد من المستشفيات دون ان يظفر بنعمة الشفاء فتجلد للابتلاء بالصبر الجميل غير شاك ولا متذمر وراضيا بقضاء ربه حتى وافته راحة الموت فذهب مبكيا عليه من محبيه وعارفي فضله والبقية الباقية من ابناء جيله المخلصين وكلهم بين الشك واليقين فقد تعودوا منه على الهمة والحيوية  والنشاط وصعب عليهم رؤيته كسيرا قعيدا. ومن بين اولئك صهره الكريم الوجيه مصطفى محمد احمد الذي رفض ان يزوره ويراه في حال الضعف ولم يخرج عن ديدنه ذلك إلا يوم الوفاة فكان ذلك سببا في إصابته هو الآخر بنوبة دخل اثرها غرفة العناية المكثفة.
بدأ الراحل الكريم حياته معلما فجاب بوادي كردفان وقراها ودساكرها يعلم اطفالها ويبث الاستنارة بين راشديها وعمل رحمه الله في مدارس ريفية وحضرية منها مدرسة بارا ومدرسة خور جادين والتيارة وسودري وام بادر وحمرة الشيخ وتالودي ولم يكن يشكو او يتذمر من بعد الشقة وصعوبة الحياة الريفية وما تتعرض له عائلته من عنت السفر وأخطاره وربما بسبب من دلك كان يلقي الحفاوة والمحبة في كل مكان حط فيه رحاله.
كان الاستاذ رجلا متعدد المواهب يملك يدين ذكيتين وخيالا لا يعرف الحدود فكان هو من يصلح الساعات والمنبهات والراديو والسيارات وكان بارعا في الرسم والتصوير والحياكة العربية والإفرنجية والإخراج المسرحي ولا زال تلاميذه في بارا يذكرون كيف اقام لهم مسرحا وكيف غمره بالإضاءة من صفيحة فارغة جعل داخلها رتينة وجعل يوجهها في مختلف اركان المسرح فبهر بها الممثلين والمشاهدين.ولقد تمت تلك الابتكارات في اربعينات وخمسينات القرن الماضي وفي بيئات ريفية لا عهد لها بتلك الأشياء مما جعل الاستاذ يرتفع كثيرا جدا في نظر تلاميذه وأولياء أمورهم ويكتسب بنظرهم هالة من الاعجاب تكاد ترقى الى مستوى التقديس. وبنظر الأطفال الدين كان يتولى تعليمهم بدا بصورة الرجل الخارق الذي يقوم بالمعجزات. 
في مدينة بارا بالذات انتظم الفقيد في مجموعة من اخوان الصفا وأهل الوفا حفظنا اسماءهم وألقابهم دون ان نراهم فكان فيهم "الفيل" ومهدي قاسم ومحمد محجوب و"روسيا " واختصني هذا الأخير بتعزية دامعة فضحت ضعفي امام جمهور المعزين وجعلتني ابكي امامهم كما يبكي الوليد.
في رحيله المؤلم اعزي زوجه وأبناءه  وبناته البررة وأصهاره وإخوته بالصهر وحسن المعاشرة مصطفى وعبد الحليم وبله وطه وعلى علوب أبناء المرحوم الحاج محمد احمد وأخواتهم وأزواجهم وأعزي اخوتي وأخواتي الفنان محمد ميرغني واحمد ابراهيم على والاستاد تاج السر الحبر وحنان وأم الحسن وابناء وبنات أخته ست البنات وعلى رأسهم حنفي ومحمد المكي وأخواتهم وأصهارهم كما اعزي أصدقاء الفقيد وعارفي فضله من وجهاء بار والأبيض والبشيري والخرطوم بحري وأمدرمان وتلاميذه الناجحين المنبثين في كل بقاع السودان وفي المهاجر عربيها وغربيها.
رحمه الله وانزله منازل الصديقين في علياء الجنان وألهم الصبر لكل من عرفه وكل من أحس ان الدنيا ازدادت فقرا ووحشة برحيله. ونيابة عن الأهل جميعا اشكر كافة المعزين وكل من شاطرنا الحزن المرير على رجل عظيم الشأن جبله المولى من طينة الأولياء والصالحين ولا حول ولا قوة إلا بالله استغفره واليه أنيب

 

آراء