ورحل عنا الأخ الشقيق الحبيب علي عبدالمحمود. الحمد لله. إنا لله وإنا إليه راجعون. حوالى السابعة من مساء الأربعاء الحادي والعشرين من شهر أبريل الموافق ليلة العاشرة من رمضان الكريم وبالعناية المركزة ، فى أحد مستشفيات الخرطوم المعروفة ، كانت هي اللحظة الموعودة التي اتت بها كف القدر وعلي ينتظرها داعياً ربه يرجو الرحمة والنجاة وحسن الخاتمة. فصعدت السماء الرمضانية روح عليٌ الطاهرة بهدوء وسكينة، لتلقى بارئها بعد معاناة طويلة مع مرض الكوفيد. يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا أرحم الراحمين تقبلها راضية مرضية وعوض عبدك الفقير علي الذى بحمدك غادر دنيا الفناء والمعاناة والغلو والخلاف والشتات والظلم والفساد. جاءك شهيداً وفقيراً ينشد الرحمة والعدل والمغفرة والخلود عند بابك، فعوضه يا الله بسعادة ضيافتك له وأكرمه بالقبول والرضى والعفو والمغفرة ورحمة ترفعه بها إلي أعلى درجات جنة الفردوس مع الشهداء ومع الصديقين والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. ربي انزل علينا السكينة والطمأنينة ثبتها قلوبنا وألهمنا الصبر الجميل واختم لنا بحسن الخاتمة
الأحباء القراء ماذا أقول أكثر والقلم قد أصابته اليوم سكتة دماغية فضاعت كل الكلمات من قاموس الذاكرة. يا هول مصائب هذا الزمن العصيب التى صار الموت فيها يزور كل لحظة هذه الدار وجارتها وذاك البيت ويتجول فى الحارات والمدن واسواقها وغرف النوم فيختار خيار الناس وإن بلغوا الثمانين فلا فرق. كلنا مع العالم نقف فى ذهول ورهبة ونحن نواجهه حرباً أعتبرها بايولوجية خطيرة فاق انتشارها وتأثيرها القوي الفعال مفعول السلاح النووي. أذكر ان قال لي محدثي فى زمن غابر إن سيدنا نوح قد سئل " كيف وجدت الدنيا بعد عمر طويل ؟" قيل قال والعهدة على الراوي " وجدتها داراً صغيرة لها بابان، باب دخول وباب خروج". هكذا وجدها شقيقي دكتور علي صغيرة، دخلها بعد دقائق معدودة من دخولها توأمه بابكر وخرج منها بعد اسبوعين من خروج توأمه منها لاحقاً به بإذن الله إلى جنة عرضها السموات والأرض. اللهم أحسن إليهما واجمعها فى الفردوس ، اغسلهما بماء البرد والثلج ونقهما من الذنوب كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم لا تفتنا بعدهما ولا تحرمنا أجرهما . إنا لله وإنا إليه راجعون.الفقد جداً لعظيم والفراغ الذي تركاه لفوق مقاييس الحساب.
دكتور علي للذين لا يعرفونه كان يتميز بحسن الخلق والإنضباط فى كل شيء خاصة في كل ما يخص شرف مهنة الطب. وعندما كان يمارس تخصصه الحساس فى المملكة المتحدة كان رافضاً أن يجرى عمليات الإجهاض الغير شرعي وكان هذا خلقه وديدنه حتى فى السودان. عمل بكبريات المستشفيات البريطانية كالرويالفري وغيرها . ظل زاهدا الدنيا وغادرها لا يملك أرضاً ولا بيتاً ولا قصراً ولا برجاً ليتباهى به متطاولا بين الناس. كان من الأذكياء يمتاز بجودة خط الرقعة وبلاغة التعبير باللغتين العربية والإنجليزية. كان لطيفاً مع تلاميذه وزملائه ومراجعيه فيجدون عنده راحة المقابلة وحسن المداعبة اللطيفة والعلاج الناجح وكسب ثقافة التعامل فى أمور الحياة. بدأ مشواره عند عودته من إنجلترا بمدينة الأبيض " عروس الرمال" عاصمة كردفان الجميلة، فأحبها وأهلها وأحبوه. كان يرجو ان يبقى بها لكن فضل الخرطوم لأن فرص المواكبة وتطوير العلاقات والخبرات العلمية والتدريس أفضل إضافة لتوفر فرص تعليم أبنائه. رغم تخصصه الدقيق المميز كان قبلة كل من يريد مساعدة طبية عامة يطرقون بابه فيجدون العون وكان نعم من يقدم المساعدة من غير ضجر أو شكوى. تزوج من أسرة كريمة السيدة الفاضلة إلهام إبنة التشكيلي بروفيسور مجذوب رباح عليه رحمة الله. ترك لنا الأبناء البررة صفاء خبيرة تنمية مجتمعية ، ومحمد مهندس تقني وزينب مهندسة معمارية. كلهم تخرجوا فى جامعات السودان.ربنا يحفظهم ويحفهم بعطفه ورحمته وأن يصبرهم ويجعل البركة فيهم جميعاً.
الشقيق الراحل دكتور علي كان محبوباً إجتماعياً وله ما لا يمكن حصره عدداً من المعارف والأصدقاء وكذلك الأطباء الذين عملوا معه أو تدربوا على يديه.
الأعزاء القراء الكرام أسأل الله لكم كلكم وذويكم الحفظ والوقاية من هذا الوباء القاتل وسريع الإنتشار، وأنبه بهذه المناسبة الاستثنائية الغافلين من حكام ومسؤلين فى كل البلاد أن يخشوا الله وأن يصدقوا فى شعوبهم وفى خدمة أوطانهم كما أنبه نفسي والغافلين معي بأن رحلة الحياة جداً لقصيرة، بيضوا إخوتي النيات وأصدقوها فى عباداتكم وتعاملكم مع الآخرين وفى عملكم بل في كل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن. أعزي نفسي وأهلي واقاربي بل كل سوداني قد فقد عزيزاً لديه جراء هذا الوباء الموجع. رحمة الله أسأله أن تعم الجميع. إنا لله وإنا إليه راجعون
أشكر كل الإخوة الاطباء والأقارب والأصدقاء الذين هبوا واتصلوا بى معزيين عند سمعهم الخبر الأليم ، أسال الله أن يحفظهم وأن لا يريهم مكروهاً فى عزيز لديهم عبدالمنعم