الدمج مقابل إبعاد عناصر نظام البشير: صراع الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»

 


 

 

محمد الأقرع: الخرطوم ـ «القدس العربي»: تواصلت، الخميس، في السودان تداعيات انسحاب ممثلي الجيش والشرطة وجهاز المخابرات العامة من الجلسة الختامية لورشة الإصلاح الأمني والعسكري، رداً على تجاهل قضية دمج قوات «الدعم السريع» في الجيش.
وأكدت مصادر متطابقة لـ «القدس العربي»، أن الخلاف بالتحديد كان حول المواقيت الزمنية لدمج قوات «الدعم السريع» ورئاسة لجنة الدمج، حيث طلب الجيش السوداني أن تكون الرئاسة له في حين دفع «الدعم السريع» بطلب مقابل بأن تكون رئاسة اللجنة للحكومة المدنية.
كذلك أشارت المصادر إلى أن التباينات ظهرت حول أولوية بداية العملية والخطوات، هل ستكون فيما يتعلق بالقضايا الخاصة بالدمج أم قضايا الإصلاح؟ إذ تمسك الدعم السريع بمسألة الإصلاح أولاً وتنقية الجيش من عناصر النظام البائد، بينما طالب الجيش بالدمج الكامل لقوات الدعم السريع خلال الفترة الانتقالية.

التزام تام

وأصدر الجيش بيانا صحافيا، أكد من خلاله «التزامه التام بالعملية السياسية وشكره للمشاركين في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري»، لكنه في الوقت نفسه، أوضح أنه ينتظر عمل اللجان الفنية التي تعمل على إكمال التفاصيل المتعلقة بعمليات الدمج والتحديث، وصولاً لجيش وطني واحد يحمي التحول الديمقراطي .
ولفت إلى أن «مخرجات عمل اللجان الفنية وتفاصيل الدمج والتحديث التي ستقود لجيش واحد ستكون جزءاً من الاتفاق السياسي النهائي».
كذلك أصدرت قوات «الدعم السريع» بياناً، أكدت فيه «التزامها الكامل بالوصول لجيش قومي مهني واحد وبكل ما ورد في الاتفاق السياسي الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وورقة مبادئ وأسس إصلاح القطاع الأمني والعسكري الموقعة في (15) مارس/آذار الجاري، سيما قضايا الإصلاح والدمج والتحديث والانتقال المدني الديمقراطي».
وشددت على «علاقتها العضوية مع الجيش السوداني والتي لا انفصام منها ولن تستطيع أي جهة أن تعكر صفوها».
وأكدت مواصلتها « العمل بصورة إيجابية في اللجان الفنية المشتركة التي ستتابع النقاش حول بقية التفاصيل لإكمال ما اتفق عليه من مبادئ وأسس مع التزامها بالإسراع في نقاش هذه القضايا حتى تدرج في الاتفاق السياسي النهائي وفق المواقيت المعلنة».

آخر فصول الخلاف تفجّر خلال ورشة الإصلاح العسكري والأمني

وانسحب ممثلو الجيش من الجلسة الختامية للورشة بعد رفضهم عدم تناول الورشة خطوات مضبوطة في مسألة دمج قوات «الدعم السريع».
وشمل الانسحاب أيضا ممثلي الأجهزة الأمنية الأخرى من الشرطة وجهاز المخابرات العامة والقوات المسؤولة عن حماية قاعة الصداقة التي استضافت فعالية ختام الورشة.
وحسب المتابعات، أجرت الآلية الثلاثية المكونة من «الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد» مشاورات مكثفة مع القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، تمهيداً لعقد اجتماع مشترك مع المكون العسكري بشقيه الجيش والدعم السريع».
وكانت القوى المدنية والعسكرية المنخرطة في العملية السياسية قد أعلنت الأول من الشهر المقبل موعداً لتوقيع الاتفاق السياسي النهائي، يعقبه التوقيع على الدستور الانتقالي في السادس من الشهر نفسه، وذلك تمهيداً لتشكيل الحكومة المدنية في 11 من أبريل/نيسان المقبل.
وعقب انسحاب ممثلي الجيش من ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، أعلن المتحدث باسم العملية السياسية، خالد عمر يوسف، إرجاء نشر توصيات ومخرجات الورشة للإعلام والرأي العام لمزيد من النقاش وحتى انتهاء لجنة الصياغة من أعمالها.
وأمس عاد وأكد في تصريح صحافي أن «الورشة اتسمت بمناقشات صريحة وشفافة، حول قضية الإصلاح الأمني والعسكري التي تمثل ركناً من أركان بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وعلى الرغم من صعوبة وتعقيد هذه النقاشات إلا أن الورشة شكلت خطوة في الاتجاه الصحيح».
وبيّن أن «مناقشات اللجان الفنية ستواصل عملها للوصول لخطة واضحة للإصلاح والدمج والتحديث تستند على ما تم التوافق عليه بين الأطراف المدنية والعسكرية في الاتفاق الإطاري وفي ورقة مبادىء وأسس إصلاح القطاع الأمني والعسكري».
وأكد أن «العملية السياسية الآن وصلت الى آخر محطاتها، لذا فإنهم يدركون حجم تعقيد المهمة الملقاة على عاتق جميع الأطراف لإيجاد حلول لما تبقى من قضايا».
وثمن «الروح التي عكسها بيانا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع» بالتأكيد على «الالتزام بالعملية السياسية والانخراط في مناقشة القضايا المتبقية والعمل على الوصول لتوافق حولها في أسرع فرصة بغية إدراجها في الاتفاق السياسي النهائي المرتقب توقيعه خلال الأيام المقبلة».
واتهم «قوى النظام البائد بالسعي لإيقاف عجلة الحل السياسي»، مؤكدا على «تمسكهم بضرورة استرداد مسار الانتقال الديمقراطي بقيادة سلطة مدنية كاملة تضطلع بمهام الإنتقال الرئيسية التي جاءت بها ثورة ديسمبر المجيدة، ووفق ما ظل يطلبه الشعب السوداني ولن يتراجع عنه أبداً».

أربع مراحل

يذكر أن قوى التسوية السياسية في السودان كانت قد اتفقت في وقت سابق على ورقة أسس ومبادئ حول عملية الإصلاح الأمني والعسكري، والتي أقرت دمج قوات «الدعم السريع» على أربع مراحل.
وتشمل المرحلة الأولى توحيد القيادة، والثانية توحيد قيادة الأركان، والثالثة توحيد قيادة المناطق، والأخيرة توحيد الفرق. وهو ما نصت عليه مسودة الاتفاق النهائي التي حدد كذلك سقفا زمنيا لا يتجاوز عشرة أعوام للانتهاء من تلك المراحل، وكان من المفترض أن تخرج ورشة «الإصلاح» بتوصيات تفصل الخطوات وتضع مواقيت زمنية دقيقة لعملية دمج قوات «الدعم السريع».
ويتخوف مراقبون من أن يكون انسحاب ممثلي القوات النظامية من ورشة الإصلاح الأمني هو خطوة أولى للانسحاب من التسوية السياسية والدخول في مواجهات بين قوى الجيش و»الدعم السريع» من أجل الإخضاع، وهو الأمر الذي سيقود إلى سيناريوهات كارثية في السودان.
الصحافي والكاتب عبد الحميد عوض، قال لـ «القدس العربي» إن انسحاب ممثلي الجيش من ورشة الإصلاح الأمني هو «واحدة من خطوات المماطلة وعدم الجدية التي ينتهجها (قائد الجيش عبد الفتاح) البرهان، ومحاولته لتحيّن الفرص للانسحاب من العملية السياسية، على الرغم من علاتها في أوساط الثورة والثوار».
وزاد أن «الجيش السوداني يدخل الإطاري بهدف واحد، هو أن يقوم بدمج الدعم السريع وإحكام السيطرة عليه، ومن ثم الانفراد وفرض وصاياه على الشعب السوداني».
لكن في المقابل أوضح أن «قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليس هو حامي الانتقال ـ كما يروج البعض ـ أو الحكومة المدنية التي كان أكبر من أعاق مسيرتها في فترات سابقة، وإنما فقط، وجد نفسه مضطرا ومصالحه متصلة معها الآن».
وواصل: «الجيش انسحب من الورشة، ويمكن أن ينسحب من العملية السياسية، خاصة وأن هناك حليفا سياسيا قويا يقف إلى جانبه ولا يزال يرفض الاتفاق السياسي، وهو الكتلة الديمقراطية أو جماعة القصر التي ظلت طيلة الفترة الماضية تهاجم القوى المدنية وتحفظ الود للجيش والموقعة على الاتفاق الإطاري نفسه «.
ورأى أن «المواجهة بين الجيش والدعم السريع ستكون بنسبة ضئيلة إن لم تكن معدومة، لأن الطرفين لديهما مصالح لا يمكن معها الانخراط في الحرب، كذلك ليست لديهما القدرة الكافية لدفع مثل هكذا تكاليف». واعتبر أن «قضية دمج الدعم السريع لم تكن استراتيجية لدى الجيش طيلة الفترات الماضية، وإنما هي ضغط للإخضاع والمناورة في سبيل السيطرة على السلطة».
وحول السيناريوهات المتوقعة، بيّن عوض أن «البرهان، ليست لديه نوايا حقيقية في إنجاز تسوية، ولو وقع على الاتفاق النهائي سوف يتحيّن الفرص للانفضاض من الحكومة المقبلة، لأنه وفق خطته الاستراتيجية يجب أن تكون السلطة للجيش».

طلبات مهنية

أما الخبير الاستراتيجي العسكري، أمين مجذوب، فقال إن «انسحاب القوات المسلحة من الجلسة الختامية، يرجع إلى الورقة التي قدمها الدعم السريع، ولم تظهر فيها المواقيت الخاصة بالدمج في الجيش، وإنما ظهرت بعض الطلبات الإدارية والمهنية، وهي طلبات يتم تنفيذها بعد إجراءات الدمج، ومن هنا حدث نوع من الهرج والملل في القاعات، باعتبار أن الدمج لم تتم مناقشته، وأن الورقة اتجهت إلى أعباء إدارية، وهذه في فهم ممثلي القوات النظامية نوع من المراوغة وتأخير الزمن».
وأكد أن «الاعتراضات التي قدمت في الورشة منطقية ومقبولة نوعا ما»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أنها «ستؤثر على الجدول الزمني المحدد للاتفاق النهائي الذي ربما يتأخر أسبوعا أو عشرة أيام.»
وبيّن أن السيناريوهات المتوقعة بعد انسحاب ممثلي الجيش من ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، تدور حول ثلاثة خيارات، الأول أن «يتم دمج الدعم السريع وفقاً لجداول زمنية منطقية بين عامين إلى ثلاثة أعوام تماشياً مع الفترة الانتقالية»، موضحا أن «الحديث عن خمس أو سبع سنوات للدمج أمر غير مرغوب وغير منطقي لأنه يقود إلى الانتخابات وهناك مجموعات لا تزال لديها جيوش خلاف القوات المسلحة».
أما السيناريو الثاني فهو أن «تتعطل العملية برمتها ويحدث تماطل من أطراف عديدة حتى يطول أمد حكومة الأمر الواقع، وبالتالي لا يبلغ الاتفاق النهائي محطته الأخيرة ولا يكون هناك رئيس وزراء ولا تشكيل حكومة».
فيما يرتبط السيناريو الثالث، حسب مجذوب، بحدوث «تدخل خارجي استناداً على الفصل السابع مع الانهيار الذي يمكن أن يحدث للدولة سياسياً وأمنيا واقتصادياً».
////////////////////////

 

آراء