جامعة العلوم الطبية تحشد رموز السياسة والإعلام والمجتمع احتفاء بطلابها الجدد
i.imam@outlook.com
من المؤكد أن للجامعات عُرسين مهمين طوال العام الدراسي، ففي الأول، نلحظ أن الجامعات تحتفي احتفاءً كبيراً، وتزهو زهواً عظيماً، عند احتضانها كأمٍ رؤومٍ لطلابها الجدد الذين يشكلون بالنسبة لها رمزية استمرار العطاء، واستدامة التميز، إلى أن يشتد عودهم، ويقوى ساعدهم، ويتفتق ذهنهم، تحصيلاً أكاديمياً، وسلوكاً ثقافياً واجتماعياً، ليعجب مستخدموهم بعد رضاعة واستقواء، فيسيحون في فجاج الأرض، داخل السودان وخارجه. أحسب ان هذا العُرس الاستقبالي للطلاب الجدد، ينبغي أن يُحتفىُ به أيم احتفاء، لأنه بداية ميلادٍ لفجرٍ جديدٍ، وانطلاق عامٍ دراسيٍ جديدٍ، وفوق هذا وذاك، إيذانٌ بتجديد الجامعات لشبابها.
فلا غروَ، أن حرصت جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا على أن تجعل من احتفائها بطلابها الجدد أمس (السبت)، مهرجاناً احتفالياً، ولقاءً فريداً، حشدت إليه رموز السياسة والثقافة والصحافة والاعلام والمجتمع، في لوحة بانورامية، جعلت الحضور يتشكك في أنه جاء إلى حفل جامعية، بمناسبة استقبال الطلاب الجدد، أم جاء إلى تظاهرة جامعة، كما تعودت عيناه، وألفت أذناه، فإذا به في تظاهرة لم يألفها في سابق عهده بهذه المناسبات. فما أن أنعم أحدهم النظر أو أمعن النظر، إليك – ياهداك الله – تخريجة لغوية، حيث ذهب بعض اللغويين الى أن الأصح أنعم النظر، وأعتبروا أن أمعن النظر، هذا خطأ شائع، وخلط غير سائغ. والصحيح القول "إنعام النظر" وليس "إمعان النظر". فبنظرة سريعة على "لسان العرب" لصاحبنا محمد بن مكرم بن علي أبي الفضل جمال الدين بن منظور الأنصاري الرويفعي الأفريقي، تظهر "أنعم النظر في الشيء إذا أطال الفكرة فيه". أما الإمعان في الشيء فهو المبالغة ولا أظن أن المراد هو المبالغة في النظر. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فالصحيح هو "أنعم النظر في"، وليس "أنعم في النظر". بينما ذهب البعض الآخر من هؤلاء اللغويين إلى أن كليهما صحيح، ويمكن أن نقول يجوز الوجهان، من باب السعة على الناس. عليه ما أن أنعم أحدهم النظر في الحضور، حتى اضطربت مفاهيمه عن مثل هذه الاحتفالات، فهي ليست تظاهرة طلابية، فحسب، بل كانت حشداً غير مسبوق في الاحتفالات والمناسبات الجامعية، إذ احتشد رموزالمجتمع ونجومه، سياسة وثقافة، فكراً وعلماً، صحافةً وإعلاماً، ومجتمعاً. وجاء الآباء والأمهات، وغيرهم من أولياء الأمور، فُرادىً وثُنى، مثل ما يدعو الحجيج الموسم.
لم يكن غريباً أن يتقدم كل هؤلاء، الأخ الحبيب والجار الجُنب، اللواء عبد الرحمن الصادق الصديق عبد الرحمن محمد أحمد المهدي مساعد رئيس الجمهورية، كبار ضيوف جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، مُلبياً دعوة كريمة حملتها إليه، من قبل الأخ البروفسور مأمون محمد علي حميدة سُليمان العمرابي، لتشريف هذه الاحتفائية، كما عودنا في احتفائيات ومناسبات الجامعة المختلفة، وكأني به يُكرمني بقبولها، رغم مشغولياته الجسام، باعتباري جاره الجُنب الذي أوصاه القرآن الكريم بالإحسان إليه، في قوله تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا". وألقى كعهدي به كلمة رصينة في الاحتفائية، ناقلاً من خلالها تحيات وتبريكات الأخ الرئيس عمر البشير لطلاب وأساتذة الجامعة بهذه المناسبة، ونصائحه لأبنائه وبناته الطلاب، بالاعتدال والسلوك القويم، والتركيز على تحصيلهم الأكاديمي، ليعملوا مع آخرين على بناء الوطن وازدهاره. وكان حضوراً الأخ الصديق الصدوق صديق الشيخ رئيس المجلس التشريعي في ولاية الخرطوم، والأخ الصديق أحمد محمد هارون والي ولاية شمال كردفان، الذي اضفى حضوره للحفل الوجود الولائي، وعدد من أصدقاء الجامعة الخلص الكُثر، من وزراء اتحاديين ووزراء ولائيين ومعتمديين من ولاية الخرطوم، وكثيرين من قيادات الوسائط الصحافية والإعلامية، وقيادات الشاب والطلاب، وغيرهم كُثر، نُعد منهم ولا نعددهم.
وكانت لفتة بارعة من اتحاد طلاب ولاية الخرطوم، من خلال تكريمهم لجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، تتويجاً للشراكة ين الجامعة والاتحاد في كثير من الفعاليات الشبابية والطلابية. وليس مستغرباً، أن تكون هناك ثمة علاقة بين الجامعة واتحاد طلاب ولاية الخرطوم والاتحاد العام للطلاب السودانيين واتحاد الشباب الوطني، فيها قدرٌ من التعاون والتنسيق في فعالياتها وأنشطتها الثقافية.
وأحسبُ أنّ احتفالية جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا باستقبال الطلاب الجُدد، هذا العام، مُناسبةٌ اجتهدت فيها إدارة الجامعة بتنظيم كرنفال من الفرح، ولأن الجامعات أعمدتها وسنامها الطلاب فبدونهم نجدها خاويةً على عروشها، وبقدومهم تدبُّ فيها الحياة وتنشط بهم فعالياتها المختلفة، سواء أكانت أكاديمية أم غيرها. فلذلك حرص الأخ البروفسور حسن محمد أحمد رئيس الجامعة في كلمته، التأكيد على هذه المعاني والمقاصد التي تجتهد الجامعة في انفاذها عبر مقرراتها الأكاديمية، ومنتدياتها الفكرية، وملتقياتها الثقافية. ومن الضروري الإشارة هنا، إلى منتدى "في رحاب الفكر" الذي سيبدأ فعالياته في أكتوبر المقبل، ومن ثم سيتواصل فعالياته ونشاطه شهريا طوال العام الدراسي 2016 – 2017.
كم كان جميلاً، أن يسبق احتفالنا هذا، ببضعة أسابيع منافسة قوية بين الطلاب على المنح المجانية في طب الأسنان، كبادرة من الأخ البروفسور مأمون حميدة رئيس مجلس أمناء الجامعة على ضرورة ايفاء الجامعة بمسؤولياتها الاجتماعية، لتمكين المتفوقين من الطلاب الذين تحول المصاريف الدراسية دون تحقيق طموحاتهم ومآربهم، وأحلام أولياء أمورهم وآمالهم.
أخلص إلى أن جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، وُفِقَت أيم توفيق في احتفائية استقبال الطلاب الجدد أمس، في أن جعلت شعار احتفاليتها هذا العام، "استدامة التميز.. ورعاية الموهوبيين"، وهو شعار يؤكد اصرار الجامعة على التميز واستدامته، في مزاوجة لطيفة مع رعاية المتفوقين، ارتياداً إلى آفاق المستقبل، مستصحباً الوعد الصادق، لتحقيق مستقبلٍ زاهرٍ. وجامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا ليست من الجامعات التي تعيش على ماضيها، وسابق عهدها المجيد، بل هي جامعة ينداح في دوائر اهتمامها وهمومها المستقبل كله، وتحرص عليه لبناء مجدها، وإعلاء شأنها.
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا".
وقول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين، المعروف بالمتنبئ:
وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ
وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ