الموت في بقالة

 


 

 

 


لفتني قبل أيام بوست "منشور" لأحد الأصدقاء على موقع التواصل الحيوي "فيسبوك"، لخص هذا الصديق في منشوره هذا أزمة الغلاء الطاحن التي تواجه المواطنين الآن بطريقة خفيفة الظل وساخرة رغم أنها لا تخلو من مرارة وألم. وسأحاول هنا بتصرف نقل الحالة التي قدمها "البوست" وعكست في رأيي الوضع العام لأغلب أبناء هذا الشعب المغلوب على أمرة. "سأموت في بقالة"، هذا هو العنوان الذي وضعه صديقي مدخلا لكتابته الساخرة، أما المتن فجاء فيه باختصار غير مخل، أنه ذهب لشراء نوع معين من الشاي – لا أذكر اسمه – وأنه في آخر مرة اشتراه كان سعر "العبوة" في حدود الثلاثين جنيها، لكنه وتحسبا للارتفاع المطرد في الأسعار توقع أن يكون السعر قد ارتفع إلى حدود أربعين جنيها أو يزيد قليلا وعلى هذا الأساس عبأ محفظته بالنقود وذهب إلى البقالة، بيد أنه – للأسف الشديد – فوجئ بأن السعر تعدى المئة جنيه! مما أدخله في صدمة نفسية حادة، أعلن بعدها خوفه من أن يخر يوما صريعا داخل إحدى البقالات إن استمر الوضع على هذا المنوال العبثي.
القصة أعلاه، تمثل نموذجا مناسبا جدا لشكل من أشكال السخرية التي يواجه بها الإنسان الظروف المحبطة التي تواجهه. والسخرية وأختها النكتة، أدوات مهمة تساعد الإنسان على ترميم النفس وسد الشقوق والثقوب التي أحدثتها نوائب الدهر. فالنكتة والسخرية تقودان تلقائيا إلى استزراع حالة نفسية مغايرة تماما للحالة البائسة وليدة "الظرف" المأساوي الذي يمر به هذا الإنسان المعين. والضحك في هذه الحالة قوة إيجابية تساعد الإنسان على التماسك من الجديد، وبالتالي تمنحه الفرصة لإعادة التفكير بهدوء ومواجهة أزماته بعقل متفتح يمكنه من اجتراح الحلول واقتراح البدائل، وهذا ما لا يمكن حدوثه إن استسلم الإنسان لحالات: الإحباط، الكآبة، الصدمة، والغضب الأعمى، لأنه في جميع هذه الحالات سيجد نفسه مقيدا وعاجزا عن التحرك والتفكير السليم.
والنكتة والسخرية، وليدتا مثل هذه الظروف، تنتجان دائما شكلا من المفارقة "المضحمبكية"، على شاكلة "شر البلية ما يضحك"، أو شيئا مشابها لما يعرف بـ الكوميديا الكئيبة" في الدراما. خذ مثلا النكتة التي شاعت مع ارتفاع أسعار الخبز، ويروى فيها عن رجل صادف عزاء في الحي ودخل ليعزي مع المعزين، وشاءت الصدف أن يجلس بجوار ابن المتوفى، فسأله كيف توفي الوالد؟ فحكى له الابن أن الوالد كان ذاهبا إلى الفرن لشراء الخبز وأثناء عبوره الشارع دهسته سيارة مسرعة فمات. فما كان من الرجل إلا أن سأله: "بالله، وكان ماشي يشتري خبز بكم؟". هذه نكتة ساخرة، تجرك جرا إلى الضحك، لكنه رغما عن ذلك ضحك ممزوج بـ"المرارة المتأملة"، بما يعني أنها تؤدي دورها تماما: التفريغ وخلق التوازن، وفي نفس الوقت تحفيز العقل ليتململ ويفكر.
إذن، كلما زاد عدد النكات والمواقف الساخرة المروية كلما كان "الناس" أكثر تماسكا وقدرة على المقاومة ومواجهة الصعاب التي تعترضهم.. فاكثروا من نكاتكم ومواقفكم الساخرة، ثم فكروا بهدوء تجدون الحل!

mansourem@hotmail.com

 

آراء