رسالة من الدكتور عبد الله على إبراهيم إلى مركزية قحت عن لجان المقاومة بتاريخ “11 أغسطس 2020”

 


 

 

دعوت منذ انقلاب 25 أكتوبر أن تكف دوائر قحت عن التلاوم حول من ارتكب الخطأ، أو الأخطاء، الذي جاب ضقلها يكركب. ليس من فرقة ناجية. لم ينجح أحد. ودعوت إلى نهج علمي لتناول سقوط الانتقالية بعقد مؤتمر أكاديمي يرتفع إلى خطاب التشخيص للمحنة لا الترخص فيها والمغايظة. ولما لم أسمع عن مبادر في الأمر تصالحت مع فكرة نشر مقالات كتبتها خلال السنوات الثلاث الماضية ونيف حاولت فيها هذا التشخيص لعلل الانتقالية والثورة . وستجد في مقال اليوم نظراً للخطأ القاتل لقحت في اعتزال لجان المقاومة. فحلت بيدها جيشها السياسي في حين لم يحافظ خصمها على فرقه العسكرية والسياسية فحسب بل استزاد منها أيضاً. وهذه رسالة وجهتها لمركزية قحت أنبه إلى أن فضها لجيشها السياسي، لجان المقاومة، من نذر الكارثة.

 

السادة أعضاء مركزية قحت

تحية طيب وبعد

اكتب لكم مشفقاً مما تلقاه لجان المقاومة من أفراد وجماعات سياسية وتنفيذية وسيادية محسوبة على ثورة 19 ديسمبر 2018. وبان هذا العوار السياسي في العزلة التي اكتنفت لجنة مقاومة الحتانة خلال تأديتها لواجباتها الثورية. فتوقيع الأعضاء المدنيين بمجلس السيادة على بيان أدان ذلك الأداء باب في جفاء لجان المقاومة تكرر مرات. وبدا لي من تكراره يُتم هذه اللجان في استراتيجة دولة الثورة. فقد أخذتُ في مرة قريبة على الأستاذ خالد عمر يوسف مسارعته نفي صلته بلجنة مقاومة مدينة سنار بعد اتهامها بالإعتداء على السيد عثمان ذي النون . واحتججت على السيد إبراهيم الشيخ حين وجدته اعتني بنظافة ثوبه وثوب ولده وإرثه السياسي في الحادث المشهور الذي أوقفت فيه لجنة المقاومة ببري التنكر المعروف. وأخذت في الموضعين على خالد وإبراهيم أنهما كانا أسرع إلى تبرئة النفس من معاناة الجلد القيادي عند الموقف الصعب الذي وجدت لجنة المقاومة نفسها فيه.

ووجدت السادة ممثلي قوى الحرية والتغيير في مجلس السيادة، بإدانتهم لمقاومة الحتانة، قبلوا بالتهم التي وجهت لها جزافاً. فأخذوا سردية الثورة المضادة للواقعة ولغتها بحذافيرها. واستغربت لهم لم يتوقفوا للتحقق من ورود العبارات العنصرية التي زعمت الفلول أنها لوثت الواقعة. فلم يحظ شباب الحتانة بالقسط الذي تمتع به الفريق أول كباشي، مدار الواقعة، الماثل ما يزال منذ يونيو 2019 للتحقيق في مذبحة فض اعتصام القيادة. وهي التهمة التي التي نطق بها لسانه على الملأ.

انتظرت أن يجروء عضو مدني في مجلس السيادة بالجلوس إلى شباب الحتانة ومدارسة الأمر معهم من وجوهه كلها. وهذا ما يمليه القسط والوجدان السليم قبل تبعة القيادة السياسية للجان المقاومة التي بذمتهم. وددت لو عرض هذا العضو شرائط التسجيل على خبير أصوات ليستوثق من عبارات من احتجوا على الفريق أول كباشي: هل كانت نابية؟ وهل طغى النابي على المشروع من قول في وجه حاكم؟ وممن صدر القول النابي بالتحديد لأن احتمال الدس في مثل هذه المواقف وارد؟

يؤسفني خضوع الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة لإرهاب الثورة المضادة. فجنحوا للتبرؤ من قاعدة من قواعد الثورة طمعاً في احتواء المشكلة كأنها ستكون المشكلة الأخيرة. وكنت أريد لهم خطة الهجوم لا الدفاع بالانوجاد بين لجنة المقاومة بالحتانة متى ما سمعوا بالواقعة للاستماع إلى روايتهم هم لما جرى، ومناقشتهم في دقائقها من موقع القيادة لا الوصاية، والتوصل معهم إلى موقف ثوري رصين حولها. وليست هذه الرصانة عتواً ولا تصعير خد بل الاعتذار، متى استحق، من سيماء الثوري.

لربما صح القول أن مسارعة الأعضاء المدنيين لإدانة شباب مقاومة الحتانة هي من قماشة الموقع الدفاعي الذي اضطرت قوى الثورة اتخاذه موخراً تحت وطأة أخطاء لها مربكة. يكفي أن هذا الدفاع بلغ ببعضنا حد اللجوء للقضاء لتبرئة ساحته. فالثورة كسبت بالهجوم وستكسب بالهجوم ومواقع الدفاع هشة ومهلكة.

لجان المقاومة الآن في عين العاصفة الفلولية. فنظمت عناصر الثورة المضادة مسرداً من أخطاء مصطنعة، وغير مصطنعة، لهذه اللجان تروج له بين الناس. وتريد للناس أن يروا اللجان خرقاء طائشة وهي أسهرنا على الثورة وأهلها. وهذا جمال لا يضوع عطره للأسف من خلال عناية مؤسسية به تضع لجان المقاومة في عين استراتيجية الدولة. فلا تضطر اللجان لمليونيات لردم الهوة التي بينها وبين الدولة. ولم أجد من فكر في هذه الاستراتيجية مثل الإمام الصادق المهدي في خارطة طريق أخيرة دعا فيها إلى التصعد بلجان المقاومة  إلى مركز مرن يصقل أثرها وفاعليتها. وكنت اقترحت شيئاً من هذا إلى من بادر بالاتصال بي باكراً، والثورة طفلة ما تزال، عما وجب فعله تجاهها. فقلت له ربما كانت الخطوة الآن أن تصدر اللجان نشرة خبرية (لا جريدة) تعكس فيها اللجان المختلفة خبراتها وتتبادلها. وقد تردفون ذلك بإنشاء معهد للدراسات الاجتماعية والسياسية والثقافية تنعقد فيه دورات للقياديين في هذه اللجان ليثقفوا السياسة التي دخلوها من أبوابها وبقوة.

ولو أذنتم لي بعودة إلى التاريخ فإنني أخشى أن يحدث لهذا اللجان من فرط اليتم الثوري ما حدث للجان جبهة الهيئات في ثورة أكتوبر 1964. فقد انتشرت تلك اللجان في أرجاء الوطن وحملت عبء الثورة إلى غايتها. واعتنت بنفسها. فعقدت مؤتمرها الوطني الأول. ولما لم تجد الأحزاب التقليدية والإخوان المسلمون موطء قدم فيها سعت لعزلتها بالترويج لشيوعيتها. وكان مما أزعج تلك القوى الرجعية مثلاً مطلب جبهة الهيئات بقانون انتخابات يكفل تمثيلاً مناسباً لقوى المدينة من عمال ومثقفين وقوى الريف المتقدم لتضررها أكثر من غيرها في الديكتاتورية، ولسابقتها في الثورة، ولتأمين تمسكها بالبرلمانية لا طرق الانقلاب الوعرة. وبلغ من تسلط دعاية قوى الثورة المضادة أن اهتزت قوى المهنيين شيئاً فشيئاً، وتملصوا من ثورتهم بالانسحاب من جبهة الهيئات منظمة إثر أخرى. والباقي تاريخ.

إنني لأهيب بكم في قحت وتجمع المهنيين بشقيه (يا حسرة!) أن تحسنوا إلى لجان المقاومة التي لم تكف عن الإحسان للوطن. وآمل أن تتواثقوا بالدفاع عنها عبر مؤسسية تبدأ من اقتراح الإمام الصادق المهدي وحزب الأمة توطنها في أدائها الاستثنائي للديمقراطية من أسفل. ومثلها مما تشتهيه الثورات والمجتمعات وتبذل قصارى جهدها لاستنباته. وينشأ عندنا هنا وبين شبابنا فطرياً بروساً كالرذاذ.

ولكم أسمى آيات تقديري لبذلكم في شروط لا أعرف أن أحدقت بحكم في السودان. وهو ابتلاء نسأل الله أن نخرج منه مكللين بوطن مستحق.

المخلص

عبد الله علي إبراهيم

 

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء