أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها الهدف الخامس عشر، الحياة في البرّ (15 من 17)

 


 

 

د. حسن حميدة – ألمانيا

يعني الهدف الخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة بالحياة في البر، ويعمل على الحفاظ على الأرض وثرواتها ومواردها الطبيعية بكل أنواعها، بناءا على ترشيد استخدامها بوعي لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة عبر منظمة الأمم المتحدة حتى العام 2030. وتبلغ مساحة البر المتمثلة في نسبة اليابسة حوالى 30 % فقط مقارنة بالمساحة المائية التي تمثل حوالي 70 % من مجمل مساحة الكرة الأرضية. وهنا يتبين لنا جليا محدودية هذه المساحة التي تمثل موطنا للنباتات، ومأوى للحيوان والإنسان في نفس الحين. هذه المساحة الضيقة على سطح الأرض التي يتقاسمها أكثر من نوع مختلف، تحفها كثير من المخاطر، بما فيها الفيضانات والزلازل والبراكين وحرائق الغابات والإنزلاقات الطينية والتدحرجات الصخرية والإنهدامات الجليدية للجليد الدائم. ومن بين المخاطر يأتي أيضا التدمير المتعمد لطبقات الأرض، بحثا عن المعادن، وتنقيبا عن الوقود الأحفوري، والتصنيع التجاري ذو الإرتباط بتلوث الهواء والتربة والمسطحات المائية ومصادر المياه العذبة ومخازنها الجوفية، والقطع والجائر للأشجار، وحرق الغابات من أجل زراعة المنتجات الزراعية المحورة وراثيا لأغراض تثمين الماشية أو تدوير المحركات، والقضاء على الحياة البرية والمائية لأغراض ربحية تتعارض مع قوانين الحماية الطبيعية.

بالنظر لتغير المناخ العالمي والنتاجه بعيدة المدى على كوكب الأرض وكائناته الحية، فهو يمثل وكما ذكر آجلا التحدي الأكبر للكائنات الحية وعلى مختلف أنواعها، والتي تتأثر مآويها وحياتها كلما تفاقمت الأزمة المناخية العالمية. لقد ارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية في المتوسط ومنذ بدء تسجيل الطقس. ويلقى هنا باللوم على المحتوى المتزايد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض من صنع الإنسان، في وقت تغير المناخ والاحتباس الحراري المؤدي لإحترار الأرض والمحيطات والبحار والمسطحات المائية. وقد ارتفع هذا بشكل حاد مقارنة بأزمنة ما قبل الثورة الصناعية، وإزادت نسبة تركيز غاز ثان أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض في السنوات الأخيرة، ليس فقط من دون إنحسار، بل أيضا من وضع التحوطات اللازمة للحد من إذدياد هذه النسبة المتصاعدة في معدلها. وكان عام 2018، الذي بلغ متوسط درجة الحرارة السنوية 10.4 درجات مئوية، هو العام الأكثر دفئا في وسط أوروبا منذ بدء تسجيلات الطقس الأولى في بداية العام 1881، الشيء الذي أدى لإرتفاع متوسط درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الزيادة في ثاني أكسيد الكربون ليس سببها فقط الإنبعاثات الطبيعية في الغلاف الجوي للأرض، بل أيضا الإنسان باعتبارها "ظاهرة احتباس حراري بشرية المنشأ".

النتيجة أن كل هذا لا يؤدي فقط إلى ذوبان الأنهار الجليدية في المناطق القطبية وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر، بل يؤدي أيضا إلى أحداث مناخية متطرفة مثل حدوث الفيضانات والأعاصير في بعض المناطق وحرائق الغابات والجفاف والتصحر في مناطق أخرى. ويضطر آنها المتضررون في جميع أنحاء العالم إلى مغادرة مواطنهم، هروبا من تغير المناخ والكوارث الطبيعية التابعة لذلك، ساعين إلى تجنب الفقر والجوع وتفادي الأمراض ذات الصلة ببداية هذه الكوارث، مثالا لذلك تفشي وبائيات فتاكة كالكوليرا، سريعة الإنتقال، سهلة العلاج، والقاتلة عند إهمال جوانب التحوط والعزل والعلاج. بجانب ذلك يؤدي تغير المناخ إلى زيادة حركات الهجرة بين البلدان والقارات، بما في ذلك الهجرة لبلاد غنية وعبر أصعب الطرق التي تكون دائما طرق شاقة، شائكة، مجهولة، ومحفوفة بالموت من كل الجوانب، كالسفر عبر الصحراء أو البحر. من هنا يعتبر تغير المناخ ونتائجه بعيدة المدى من المسببات الأساسية التي تؤدي إلى إستغلال الإنسان عن طريق الهجرة غير الشرعية، وما يتبعه من إتجار بالبشر لدفع التكلفة الباهظة ماديا ومعنويا وجسديا بأغلى الأثمان. والتي تقع على عاتق أفراد أو مجموعات أو أسر هي في واقع الأمر فقيرة، تزداد فقرا وعوزا بتفاقم أزمة المناخ العالمي ومن دون طرح أو إيجاد وتنفيذ حلول عملية ومستدامة. ولا يقتصر هذا التهديد الناتج عن أزمة المناخ العالمي فقط على البشر فحسب، بل يؤثر أيضا على حياة النباتات والحيوانات في موائلها المختلفة، خصوصا تلك النادرة في نوعها أو المحمية طبيعيا أو المهددة باإنقراض.

إذا أخذنا في هذه السانحة صغار المزارعين كمنتجين مهمين في تغذية أنفسهم وتغذية الشعوب، نجدهم الأكثر عرضة لتغيرات المناخ. زلما يعتبرون أكثر أهمية في تغذية أنفسهم وتغذية الشعوب؟ لأنهم برغم بساطتهم وبساطة طرق إنتاجهم التقليدية، يرفدون أسواق العالم بنسبة لا تقل عن 70 % من الإنتاج الزراعي العالمي. وإذا رجعنا لإحصائيات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الغذاء العالمي (دبليو إف بي)، التابعين لمنظمة الأمم المتحدة (يو إن)، نجد أن هذه النسبة تتوافق إحصائيا مع النسبة التي تعتبر من أهم توصيات المنظمتين لمواجهة الحوجة العالمية للغذاء بجانب النمو السكاني العالمي المتصاعد. الشيء الذي يعني أنه يتوجب زيادة الإنتاج العالمي من الإنتاج الزراعي للغذاء والأعلاف بنسبة 70 % أيضا، لمواجهة متطلبات العام 2050 ولسد احتياجات الغذاء وتأمين الغذاء العالمي لكل الشعوب. وهذه الخطوة تعتبر خطوة ضرورية للغاية، للإجابة على النمو السكاني العالمي السنوي البالغ أكثر من 80 مليون شخص في كل عام، ومن ثم الرد على النمو السكاني العالمي المتوقع بما لا يقل عن 9.63 مليارات شخص في نفس العام المعنى.

هناك تحديات أخرى تعطل الإنتاج الزراعي العالمي، وتشمل هذه التحديات غالبية صغار المزارعين. وهنا يتعلق الأمر بمحدودية الوصول إلى الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة ومياه الري والبذور المحسنة، وانعدام سبل المواصلات لصغار المزارعين وأسرهم في المناطق النائية، وضعف الوصول إلى الأسواق الزراعية، وانخفاض الأسعار، ونقص القروض الصغيرة للمراحل الحرجة من زراعة المحاصيل والحصاد والنقل للأسواق. وينبغي أن لا ننسى هنا أن كل هذا يحدث في أوقات تغير المناخ والاحتباس الحراري العالمي. وينعكس التراجع في الإنتاج بكل أنواعه على حياة كل مواطن مستهلك، عندما يغادر المزارع أو الراعي أو صائد الأسماك موطنة الريفي، ويهاجر إلى المدن الكبيرة، ليتخذ من مداخلها مأوي لا يليق بحياة الإنسان. مأوى لا يلائم تغيرات الطقس ولا تتوفر فيه متطلبات حياة الإنسان الأساسية. الشيء الذي يجعله عرضة للأمراض بغياب الماء الصالح للشرب والغذاء الجيد والمرافق السكنية الصحية. وهذا إذا لم يمت المنتج الريفي بسبب حوادث الحركة والهدام. وبمرض إنسان الأرياف، يمرض اقتصاد البلدان، وتتأثر به أيضا الأسواق العالمية التي تنتظر وفي كثير من الأحيان منتجات البلدان النامية العضوية، من فاكهة وخضروات وحبوب وبقوليات وأرز وصمغ وزيوت وبهارات وبن وشاي وغيره من المنتجات المهمة للإنسان.

تحدد تاريخيا جود القطاعات المنتجة للغذاء بوجود إنسان ما بعد العصر الحجري وبعد عصر الصيد وجمع الثمار. وفي مثال الزراعة: كانت البداية هي الزراعة المستقرة على مساحات صغيرة، والتي توسعت إلى مساحات أكبر. وبدأ تغيير تاريخي للزراعة وأصبحت فيها الأراضي الزراعية صالحة للزراعة ولتربية الحيوانات في نفس الوقت. وبوجود كل هذه التغيرات، حافظ الإنسان على الأساليب التقلدية القديمة والتجارب البشرية المتداولة بين الشعوب للزراعة. فإذا بدأنا من هذه النقطة وحدها، لأدركنا أن التعاون بين المزارعين عبر "التعاون الزراعي" والتنظيم المحلي والعالمي للمزارعين مهم للغاية في سبل النهوض بمثل هذا القطاع، خاصة بالنسبة لصغار المزارعين كفئة منسية في اقتصاد عالم اليوم. ويمكن لصغار المزارعين عبر التعاون وتبادل الأفكار والخبرات هنا بعدة طرق مباشرة، سواء كان ذلك حول أساليب الزراعة أو الخبرات الزراعية التي استمرت لعدة قرون، قاهرة للحروب، وعابرة للقارات من أجل عيش الإنسان عيش كريم، خالي من الفقر والجوع. وبهذه الطريقة التكافلية والتضامنية، يتمكن المزارعون من مساعدة بعضهم البعض وحماية الهياكل الزراعية الصغيرة من الخسائر الاقتصادية في ظل أزمة المناخ العالمي القائمة.

نجاح الزراعة كحرفة قديمة، يجب أن ينعكس لاحقا في الأسعار التي يتلقاها صغار المزارعين في الأسواق الزراعية المحلية والعالمية من دون وسيط ثالث. ويمكن أن يكون هذا خطوة إيجابية نحو زيادة دخل صغار المزارعين وأسرهم، وبالتالي التحرك خطوة إيجابية نحو العدالة الاجتماعية (تجنب الفقر والجوع والمرض) والوصول للتنمية المستدامة عالميا. ولا ينبغي أن ننسى هنا أن صغار المزارعين في جميع أنحاء العالم، وفي مقدمتهم المزارعين في أفقر دول العالم، يقدمون منتجات الزراعة العضوية الخالية من المبيدات الضارة بالصحة. وعليه تكون منتجاتهم المختلفة هي أكثر المنتوجات المرغوبة حاليا من كل شعوب العالم الميسورة الحال، وعلى وجه التحديد شريحة الأثرياء منهم. وهنا يتميز الإنتاج من مرحلة الزراعة إلى الحصاد والتسويق، أنه غالبا ما يتم تنفيذ خطوات العمل فيه بطريقة تقليدية وصديقة للبيئة، دون استخدام مواد ضارة مثل المعالجات النباتية المنتجة كيميائيا كمبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية. وتتمتع معظم المنتجات العضوية بجودة ممتازة، ولذا؛ يجب أن يكون سعرها في الأسواق العالمية ممتازا، معقولا أيضا للمستهلك، ومجز في الثمن للمنتج.

التحدي العالمي الآخر الذي يتوازى في مجرياته وعنفه تغير المناخ الآن وعلى المدى البعيد، هو إزدياد تعداد سكان العالم من دون طرح أو إيجاد حزمة من الحلول ملائمة له. لقد وصل هذا بالفعل إلى علامة الثمانية مليارات منذ 15 نوفمبر 2022، متزامنا مع محدودية الرقعة الأرضية الصالحة للإنتاج والعيش، وتوفر مصادر الماء الصالح للشرب، والغذاء الغني بالبروتين، ومصادر الطاقة النظيفة، وثروات تشبع جوع الدول المصنعة، ووجود فرص العمل التي تكفل العيش الكريم لإنسان العصر الحديث. ويشير الخبراء والإحصائيون في مجال التنمية السكانية إلى أن هذا التعداد قد يصل إلى 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وأن إمداد جميع سكان الكرة الأرضية بالغذاء سيتطلب 1.7 كرة أرضية بدلا من كرة أرضية واحدة. وكما ورد ذكره، تتوقع منظمة الأغذية والزراعة العالمية أن إنتاج الغذاء والأعلاف سيحتاج إلى زيادة إلى 70 % لتلبية الطلب العالمي وإطعام كل فرد على وجه الأرض. وينطبق الشيء نفسه على مياه الشرب النظيفة للإنسان والحيوان، ولكن أيضا المياه المخصصة لري البساتين والحقول الزراعية. وسوف يصبح موارد المياه أكثر شحا في المستقبل، في الأوقات التي تتميز فيها العديد من البحيرات والأنهار بمياهها الضحلة أو جفافها تماما. وتتأثر هنا بلدان مختلفة في قارات مختلفة بأزمة الغذاء والمياه على حد سواء، وخاصة البلد المتصحرة، والبلاد الكثر فقرا في سبل الحصول على الماء والغذاء من موارد ذاتية.

منذ سنوات يلاحظ تمرحل سكاني في دول مثل الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية وإندونيسيا ونيجيريا وباكستان والبرازيل. ومن المتوقع أن تتفوق الهند قريبا على الصين من حيث عدد السكان وتحتل المركز الأول في التصنيف العالمي. وتحتل نيجيريا حاليا المركز الثالث، متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المركز الرابع. وتأتي باكستان وإندونيسيا والبرازيل تواليا في المركز الخامس والسادس والسابع. وهذا يعني أن الطلب العالمي على الغذاء والأعلاف يتزايد أيضا بإزدياد تعداد السكان. والعديد من البلدان تبحث حاليا عن بدائل للحليب ومنتجاته والبيض والأسماك واللحوم لتلبية احتياجاتها اليومية من البروتين الضروري للحياة. وهنا، على سبيل المثال، تؤخذ في الاعتبار المصادر الأخرى للبروتينات من النباتات أو الحشرات والديدان والبراغيث. ومن بين هذه البلدان هناك بعض البلدان التي تعمل بشكل جيد من أجل التحكم في مواردها. ويظل البعض الآخر مفتقرا إلى الموارد أو ليس لديه أي موارد تسد متطلبات شعوبه اليومية.

ستشعر كثيرا من البلدان مستقبلا بعواقب تغير المناخ بشكل أكثر حدة بسبب الزيادات السكانية المحلية والعالمية، وسوف تدفع ثمنا باهظا إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة في الوقت المناسب للحد من هذه العواقب أو تجنبها. والأمر المهم بشكل خاص هنا هو مساهمة الدول الصناعية الغنية، المسؤولة أصلا عن ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية وعواقبها الخطيرة على الإنتاج وأسلوب الحياة. وينبغي أن تشارك هذه من خلال العمل التضامني والتكافلي المسؤول من أجل البحث عن الحلول وإيجادها. وبالإضافة إلى تمويل المشاريع الفعالة والمستدامة، يعد تعليم وتأهيل الموظفين ضروريا أيضا من أجل معالجة المشاكل الأساسية مثل تغير المناخ والنمو السكاني باستخدام الأدوات المحلية المناسبة. وتشمل هذه التدابير، تدابير مثل نقل المعرفة والخبرة، والتكنولوجيات والمشاريع الحديثة والمكيفة محليا لتحسين تنظيم الأسرة والنسل، فضلا عن المشورة الطبية والتعليم العملي وتلقي المعلومات المهمة في المدارس والمجتمعات المحلية بهذا الخصوص.

علي المستوى الغذائي، يوصى الخبراء بزراعة الأصناف التقليدية المقاومة لنقص المياه والحرارة والجفاف والتي يستطيع السكان المحليون تحمل تكاليفها الكلية بسهولة.و إذا أمكن، يجب أن تكون هذه النباتات أيضا قابلة للاستخدام في الموسم التالي، أي ألا تكون محورة وراثيا. كما يمكن أن يساهم حفر الآبار الجوفية وإنشاء البرك وتربية النحل وحيوانات المزرعة الصغيرة أو إنشاء حدائق في افناء المنازل لإنتاج الأعشاب والخضروات والفاكهة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي للأفراد. ومن الأهمية الكبرى بالنسبة للاستدامة العالمية التبادل العملي مثل الحفاظ على الأشجار والغابات، ولكن أيضا إنشاء مناطق ذات مساحات خضراء، وزراعة الأشجار والشجيرات في المدارس والمنازل والقرى والمدن، وفقا لمبدأ مشتل الأشجار المحلى أو المدرسي.

كما تأتي أهمية تفعيل الحوار بين دول شمال العالم وجنوبه من أجل عالم مستدام. وأن يبني هذا التفعيل على الحوار والمشاركة والعمل سويا على تحسين الاستهلاك ومنع توليد النفايات الضارة بصحة البيئة والطبيعة، على سبيل المثال تحديد نصيب الفرد من البلاستيك المستخدم، وخاصة في البلدان الصناعية. مراقبة صحة الهواء والتربة والمحيطات والبحار والمسطحات المائية وحماية الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض في البر وتحت الماء. زيادة على ذلك فحص نوعية المياه في المسطحات المائية في الدول الصناعية، وتحديد الكمية القصوى لاستخدامات الفرد اليومية. ومراقبة الحياة البرية في المحميات الطبيعية، ورصد مدى تأثرها بتغيرات المناخ المؤدية لحرائق الغابات، ودمج أنظمة الإنذار المبكر في المناطق السكنية المهددة في البر وعلى الواجهة البحرية. ونقل التكنولوجيا الحديثة والمكيفة إلى بلدان الجنوب العالمي، والتعليم وتدريب الموظفين وتبادل الخبرات بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة. وإلزام الدول والشركات المتسببة في الكوارث البيئيةوالطبيعية بدفع تعويضات أو عقوبات، تتوافق مع الأضرار الناجمة، على سبيل المثال عن استخراج الطاقة الأحفورية وتسرب النفط والصناعات الكبيرة والتصنيع الكبير والقطع الجائر للأشجار والصيد الجائر للأنواع النادرة وتهريب الثروات الغابية بسقيها النباتية والحيوانية والصيد الصناعي التجاري، المدمر لأعماق المحيطات والبحار.

لنعرج للسودان كقطر زراعي، لا يقتصر إنتاجه فقط على الإنتاج الزراعي، بل أيضا القطاع الحيواني، نجد أن السودان يتمتع بمساحته الشاسعة وأراضيه الخصبة وفصوله المطيرة التي تتيح لمواطنه الزراعة المطرية. كما يتمتع السودان بعدد لا يستهان به من الأنهار الدائمة الجريان والأنهار الموسمية التي تتيح للمواطن سبل الزراعة في دورات زراعية خارج دورات الفصل المطير. وتتمتع حرفة الزراعة، باعتبارها قطاعا مهما لعيش إنسان السودان ودول الجوار، بتاريخ وتقاليد طويلة في السودان، تحملنا إلى ما قبل الحضارة الكوشية، ثم الحضارة الكوشية والحضارة المروية. والتي ترجع إليها أساسيات الميكانيكا الحديثة، خصوصا أساسيات ميكانيكا الزراعة وميكانيكا الري التي كان منبعها الأصلي هو حضارات وممالك السودان القديمة. ومن معدات وآلات الزراعة والري التي كان موطنها تلك الحضارات والممالك النوبية القديمة، جديرا بالذكر: الدلو، الشادوف، الساقية، البكرات، الكرجاكات، التروس وغيره. المصدر هنا: توثيق لأساسيات هندسة الميكانيكا وتاريخها عبر الأزمنة، مؤتمر الهندسة الميكانيكية بجامعة هارفارد الأمريكية، جمع الدكتور عباس أحمد الحاج، وعرض الدكتور عبد المنعم عبد المحمود العربي.

في ظروف الحرب القاسية التي تطغى الآن على السودان كقطر زراعي ومنتج، يتأثر إنسان السودان بمخرجات هذه الحرب أيما تأثير. وياتي في مقدمة المعوقات المانعة للعمل في هذا القطاع المهم، عدم توفر الأمان للمزارعين والرعاة والتجار في ظل الحرب القائمة، التي وقع عدد كبيرة من المنتجين ضحية لها وفي مكان عملهم. ومن الناس من لم يمت من جراء نيران الحرب، ولكنه فقد كل ما ملك من مقومات العمل بعد الإعتداء الغاشم على الممتلكات التي يؤدى بها العمل، سواء كانت ذلك متمثلا في أدوات تقليدية، أو سيارات وتركترات، أو غيرها من معدات. ولم ينج حتى الرعاة من فقدان ماشيتهم، التي أضحت تساق منهم في وضح النهار، وتحت تهديد السلاح. وترصد الآن وبمرور كل يوم على حرب السودان، الأضرار التي تلحق بأهم القطاعات في هذا القطر ذو الأهمية العظمى بثرواته وموارده في شرق أفريقيا. ولم يتضرر السودان من جراء الحرب فقط في القطاع الزراعي، بل أيضا في قطاعات أخرى كالرعي والثروة السمكية، والثروة الغابية. وبنزوح أعداد كبيرة من سكان العاصمة والمدن الأرياف، وضع حجر الأساس لتدمير ما تبقى من الثروة الغابية والحياة البرية في غابات السودان المتبقية. يأتي هذا بإنعدام الغذاء والوقود ومواد الطبخ، حيث لجأ كثير من سكان القرى والبوادي للإستعانة بقطع الأشجار أو صيد بعض الأنواع النادرة من الحيوانات، والموضوعة تحت الحماية البيئية عالميا. وهذا للإستعانة بها في الغذاء. ويأتي هذا كسبيل للنجاة من الموت جوعا، ومن أجل صيرورة الحياة في ظروف هذه الحرب القاهرة.

يلاحظ المراقبون للحياة البرية في السودان، تراجع الحياة البرية وتدهور أحوالها بتأثرها بالحرب القائمة والتي أدت لانعدام القوت والماء للعصافير والطيور التي تأوي أعشاش الأشجار التي توجد في المزارع والمنازل والمؤسسات والشوارع. لقد هجرت العصافير والطيور أعشاشها، وتفرقت باحثة عن وطن آمن يأويها. وحتى الأسلحة والآلات والمحركات المستخدمة في الحرب، صوتها ودويها ودخانها، حالت من أن تأخذ العصافير والطيور المهاجرة طريقها من البلاد الباردة لتجد المأوى في بلاد السودان كما كان عليه الأمر من قبل، إذ طارت ومرت بالسودان، لتواصل طيرانها وتحط في أوطان أخرى آمنة. وهنا لا يخفى علينا أيضا تأثر الحيوانات الموجودة في حدائق الحيوان القليلة التي عانت لأيام من العطش والجوع والمرض، لكي ترحل جائعة وهزيلة ومريضة لبلاد أخرى توفر لها ماء الشرب والغذاء والعلاج. فما أفقر حالنا إذن شعب ودولة، وليس هذا إلا شيء من نتائج للحرب المنسية في السودان من قبل المجتمع الدولي. وإذا كان هناك مجتمع يعني بحقوق الإنسان، خصوصا في القارة الأفريقية جنوب الصحراء، فعليه أن ينهي هذه الحرب، وينهي معاناة مواطن السودان.

فيما يخص الهدف الخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة "الحياة في البر" وموقع السودان منه، يعتبر السودان ومنذ عقود من الزمان، مخزنا للثروات المعدنية النادرة على نطاق العالم، وسلة غذاء المنطقة الجغرافية التي يوجد فيها. هذه الخاصية تمنح السودان وعبر السنين معناه المفقود بين الأمم. المعنى الذي تحاول عدة جهات أن تخفيه وتطمسه إرضاء لمطامع دولية فيما يخص ثرواته وموارده الطبيعية. لقد بدأت هذه المطامع مبكرا منذ عهد الاستعمار القديم، ولاحقا بدخول الشركات المنقبة للبترول فيه، ثم خروجها بقرارها وبحجة عدم توفر الأمن في السودان للتنقيب. ومن بعد ذلك أتت شركات أخرى وحلت مكانها، ثم تم استخراج البترول وتحسنت سبل الحياة المعيشية فيه، لتخلق للسودان من بين يوم وليلة مشاكل داخلية وحروبا باسم الدين والاثنية، لتؤدي به مقسما لقسمين في العام 2011 بعد أن كان القطر الأول من حيث المساحة في القارة الأفريقية، والعاشر على نطاق العالم. ومن بعد ذلك تكالب على السودان عمل المنظمات المعادية والمتقن، بمساعدة بعض العملاء من أبناء السودان لكي تفشل مشروع ازدهار السودان على مبدأ سياسة "فرق تسد". ونجح المخطط أخيرا بتفرقة شمل أهله، ليصبحوا أعداء لا يطيقون بعضهم البعض. الشيء الذي كان سببا في نشوء هذه الحرب التي أبتأن تنطفئ نارها لمصالح دول أخرى. ولنذكر هنا الجهات المتعادية والمتحاربة: مستقبل السودان يتمثل في ثرواته وموارده الطبيعية، بجانب ثروته البشرية العاملة إذا وظفت توظيفا جيدا. وهذا حتى لا تمر السنون والعقود والقرون سد، وإنسان السودان ناسيا للخير الذي يرقد بجانبه، ظانا أن إنسان الدول الأخرى سوف يأتي له بالسلام والتنمية والتقدم والنهوض من براثن الفقر والجوع والمرض.

ولتحقيق كل هذا، لا بد لأهل السودان الكبير أن يتفقوا أولا فيما بينهم، وعلى مبدأ "المشاكل الكبيرة لا تحل إلا في الغرف الصغيرة". فإذا أفلحنا في هذا، يمكن لنا أن نحمل نجاحنا للخارج لنشهره، والذي ليس له أقل قدرا من الإهتمام بهمومنا ومشاكلنا وحتى الآن. فما نحن إلا واحدة من الدول التي تعتبر ومنذ القدم، ثقلا كبيرا على مجتمع دولي أناني لا تهمه غير مصالحه المحلية وفي نطاق ضيق. وإذا حل بدارنا يوما، عمل على تفكيك شملها وتقسيمها أشلاءا، مستفيدا من غفلتنا، ومنتفع من كل مشكلة توصف بأنها أزمة، تتيح لبعض الدول، ودويلات أخرى تابعة، الإصتياد في الماء العكر.

(نواصل في الهدف السادس عشر: السلام والعدالة والمؤسسات القوية...)

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de

المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.

 

آراء