اكبر عملية تدخل وتحالف استخباري اجنبي انتهت بذبح الشيوعيين السودانيين في يوليو 1971

 


 

 

كان انقلاب الخامس والعشرين من مايو 1969 في السودان بمثابة عملية تحول كبير وانقلاب عسكري متكامل الاركان علي الرغم من الغطاء السياسي الثنائي للانقلاب من الشيوعيين والتيار الناصري في حركة القوميين الذين تبنوا عملية الانقلاب الذي حدث علي خلفية ازمة سياسية بسبب حل الحزب الشيوعي بقرار من البرلمان بسبب حادث فردي معزول من شخص ظل مجهول الهوية الي حد كبير اتهم بالاساءة الي الرسول الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم في معهد المعلمين كلية التربية جامعة الخرطوم في وقت لاحق ..
الي جانب ذلك فقد كان الانقلاب في حد ذاته عبارة عن عملية استباق لاجازة مشروع الدستور الاسلامي في السودان في ذلك الوقت بعد ان كان الامر في اطوارة الاخيرة.
اقتسم الشيوعيين والقوميين العرب السيطرة علي الحكم والبلاد في ذلك الوقت فبينما كان للحزب الشيوعي اجهزة سياسية واعلامية قوية ومنظمة ولها وجود معقول في الشارع السوداني كان القوميين العرب اقلية صغيرة ولكنها نشطة ومنظمة ظلت تركز علي السيطرة علي الجيش واجهزة الامن في البلاد ونجحت في ذلك نجاح كبير عن طريق بعض العسكريين المتعاطفين مع القوميين العرب من غير عضوية الحركة مثل الرائد مامون عوض ابوزيد وخالد حسن عباس واخرين ...
كان الراحل بابكر عوض الله المحامي بمثابة الاب الروحي للقوميين العرب والاقرب الي الرئيس نميري والمخطط السياسي للنظام المايوي والشخصية المدنية الوحيدة المسموح لها بحضور اجتماعات مجلس الثورة ..
تمت السيطرة علي البلاد وحظر النشاط السياسي ومحاكمة بعض الرموز الوطنية المشهود لها بالنزاهة في محاكم معيبة عرفت بمحكمة الشعب في اعقاب اكبر عملية للبلطجة باسم التاميم والمصادرة بواسطة جهاز الرقيب العام الذي كان يشرف عليه الرائد زين العابدين محمد احمد عبد القادر ..
اغتيل الامام الهادي المهدي اثناء محاولته مغادرة البلاد في منطقة الكرمك واستولي الجيش علي الجزيرة ابا البلدة الصغيرة في اعقاب عملية تمرد محدودة نسب البعض من خيالة قصة ضرب المنطقة المشار اليها بواسطة الطيران المصري بينما قامت طائرات سلاح الجو السوداني بتوجية ضربات محدودة خلال دقائق معدودة لبعض اجزاء سراي الامام الهادي المهدي عليه رحمة الله.
وبعد استقرار الاوضاع لصالح النظام المايوي بدأ صراع علي السلطة بين القوميين العرب والحزب الشيوعي انتهي بنجاح التيار القومي اقناع نميري باطاحة اثنين من اعضاء الجناح العسكري للحزب الشيوعي في مجلس الثورة وشخص ثالث متعاطف معهم ووضع نهاية لمشاركة الحزب الشيوعي في الحكم الذي اتجه الي العمل السري الذي وصل قمته بتهريب السكرتير العام للحزب الشيوعي السودان الراحل عبد الخالق محجوب في يوليو 1971 من معتقلة بسلاح الذخيرة بمنطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم وتوفير اقامة له في مكان لايخطر علي خيال احد من العالمين في احد استراحات الحرس الجمهوري السوداني علي بعد خطوات قليلة من مكتب الرئيس نميري وقيادات الحكم المايوي حتي لحظة الانقلاب الشيوعي المباغت في وضح النهار.
نجح الشيوعيين في اعتقال نميري وعدد من المسؤولين من بينهم المحامي اليساري والشيوعي المفترض فاروق ابوعيسي في احد غرف القصر الجمهوري واطلاق سراح سكرتير الحزب الشيوعي المتخفي في الجانب الشرقي للقصر الجمهوري ليتولي بعد ذلك قيادة الجانب السياسي من الانقلاب وتنظيم حركة الشارع السياسي الموالية له .
وبينما اعتقد الرفاق الشيوعيين ان الامور قد استقرت لهم خلال الثلاثة ايام التي اعقبت الانقلاب كان للاقدار قول اخر في الجوار المصري برئاسة الرئيس انور السادات ونظامه الجديد المعادي لليسار المصري والعربي والمشغول بتصفية العلاقات المصرية مع الاتحادي السوفيتي وكانت بداية التنسيق بين اجهزة المخابرات المصرية والمخابرات البريطانية والامريكية والمملكة العربية السعودية حيث تم اعداد الخطط لاجهاض الانقلاب وحرمان الشيوعية الدولية من قاعدة ذهبية في بلد مثل السودان توجد به اقوي الاحزاب الشيوعية علي مستوي دول العالم الثالث واكثرها تنظيما وحيوية ..
لذلك كان حجم التدخل الاجنبي والتحالف الاستخباري العالمي المناهض للانقلاب الشيوعي السوداني بحجم المخاوف الاستراتيجية الدولية المشار اليها وكانت البداية باختطاف الطائرة التي كانت تقل المقدم بابكر النور والرائد فاروق عثمان حمد الله اثناء رحلتهم من العاصمة البريطانية الي الخرطوم وانزالها في ليبيا وتسليمهم الي الخرطوم بعد عودة نميري الي الحكم .
قامت المملكة العربية السعودية باسقاط طائرة تقل قيادي في حركة البعث السودانية وموفود القيادة العراقية الي الخرطوم لتقييم حجم الاحتياجات المطلوبة لدعم الانقلاب الشيوعي ومن المفارقة ان نفس النظام البعثي في العراق قد قام بعد عامين فقط من ذلك التاريخ بتصفية وذبح الشيوعيين العراقيين بطريقة غير مسبوقة للحد من طموحاتهم السلطوية في بلاد الرافدين.
الرئيس جعفر نميري كان يقول اثناء اقامته في مصر بعد الاطاحة به .. ان الرئيس المصري انور السادات اتصل به بعد عودته الي الحكم ليبلغة بانهم قد رصدوا اتصالات بين المخابرات الروسية وبعض عناصر المخابرات المصرية المحسوبين علي التيار القومي للاستعانة بهم في القيام باي عمل او محاولة لمنع نميري من اعدام قيادات الحزب الشيوعي السوداني ثم توجه السادات بالنصيحة الي نميري قائلا :
" عشان كدا لازم تخلص عليهم دلوقت "
وهكذا وعلي الرغم من طريقة الرئيس المصري انور السادات المعروفة في الانتقام من خصومه وكل من يقف في طريق احلامه وطموحاتة بعد رحيل عبد الناصر فقد تم ذبح الرفاق من الشيوعيين السودانيين من الوريد الي الوريد بمشاركة اكبر عملية تدخل اجنبي في تاريخ السودان ضمن استحقاقات الحرب الباردة الانتقامية علي نفس الطريقة التي تمت في الكنغو وفي افغانساتان بعد دخول كتائب الجهل المسلح والمجاهدين المزعومين الي العاصمة الافغانية اواخر السبعينات بمساعدة واسناد مباشر من المخابرات الامريكية ونظام السادات والسعودية حيث كان ضابط المخابرات الامريكية المكلف بمتابعة العملية علي الارض يبلغ قيادته بتفاصيل عملية اعدام الرئيس الافغاني الشيوعي بواسطة المجاهدين علي مشارف عاصمة بلادة التي ارتدت اسفل سافلين وغرقت في ظلام عميق منذ ذلك الوقت وحتي يومنا هذا .
الرئيس المؤمن محمد انور السادات احتفي بمقدم نميري الي القاهرة بعد اسابيع قليلة من القضاء علي الانقلاب الشيوعي واستقبلة استقبال الفاتحين بمطار القاهرة بكل مظاهر الحفاوة حيث اطلقت المدفعية المصرية 21 طلقة لاستقبال نميري بينما احتشد العشرات من اعوان الرئيس السادات علي اسطح مطار القاهرة يهتفون بحياة نميري الذي بادلهم التحية بطريقته المعروفة بينما كان الرئيس السادات يتهلل ضاحكا وهو يخاطب نميري ..
" شغلتني عليك يا راجل "

رابط له علاقة بالموضوع :
https://www.youtube.com/watch?v=lK1RG83wqYs

////////////////////////

 

آراء