الأجهزة الأمنية تقمع آلاف المتظاهرين في محيط تزامناً مع لقاء الآلية الثلاثية للعسكر

 


 

 

الخرطوم ـ «القدس العربي»: بالتزامن مع قمع الأجهزة الأمنية آلاف المتظاهرين السودانيين المطالبين بإسقاط الحكم العسكري، في محيط القصر الرئاسي وسط الخرطوم، انخرطت الآلية الثلاثية التي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي و«إيغاد» الخميس، في اجتماع، هو الأول من نوعه مع العسكر، منذ إطلاق الآلية محادثات غير مباشرة منتصف الشهر الجاري.

ونددت لجنة أطباء السودان المركزية باستمرار القمع من قبل الأجهزة الأمنية للتظاهرات التي شارك فيها آلاف السودانيين، والتي وصلت إلى مشارف القصر الرئاسي وسط الخرطوم، للمطالبة بإسقاط الحكم العسكري وتسليم السلطة للمدنيين. إذ هاجمت قوات الأمن محيط مستشفى الجودة، الذي يبعد نحو 3 كيلومترات جنوب القصر الرئاسي، بعبوات الغاز المسيل للدموع. وقالت اللجنة، في بيان، إن «قوات الأمن قامت بإطلاق الغاز المسيل للدموع أمام مستشفى الجودة مباشرةً، مما أدى لاختناق المرضى الذين بينهم حالات حرجة ومصابون بأمراض مزمنة كأمراض القلب والجهاز التنفسي، وأيضاً اختناق الطاقم الطبي والمرافقين».

واتهمت اللجنة السلطات بـ«عدم مراعاة حرمة المؤسسات الطبية وانتهاك الأعراف والقيم الإنسانية».

ولم يكن القمع أمام مستشفى الجودة فقط، ولكن التظاهرات التي وصلت قريباً من القصر الرئاسي، قوبلت بإطلاق الرصاص الحي وعبوات الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة.

وعلى الرغم من القمع العنيف، وسقوط عشرات الإصابات وحالات الاختناق، إلا أن التظاهرات تواصلت في محيط القصر الرئاسي ما بين كر وفر، حتى مساء أمس.

 

إغلاق شارع القصر

 

وأغلق المتظاهرون شارع القصر الذي يبعد نحو 800 متر، بالمتاريس (حواجز في معظمها من الأحجار) لحماية مناطق تقدمهم ولمنع سيارات قوات الأمن من الوصول إليها، وبينما ظل المسعفون يقومون بإجلاء المصابين، استمر تقدم مجموعات معظمها من الشبان الصغار، الذين كانوا يحاولون الاحتماء بدروع من الخشب والبلاستيك والكرتون، ويصرخ آخرون بحماس ويرتفع قرع الطبول، وظل المشهد يتصاعد بقوة كلما سقط مصاب جديد أو ارتفعت وتيرة القمع.

وفي محطة باشدار في حي الديوم الشرقية، والتي تبعد نحو 4 كيلومترات، جنوب القصر الرئاسي وسط الخرطوم، وتعتبر من أكبر نقاط التجمع التي تنطلق منها التظاهرات، حاصرت الأجهزة الأمنية المتظاهرين، منذ الدقائق الأولى لانطلاق التظاهرة، بسيارات مدرعة، مزودة بقاذف لإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع، شوهدت للمرة الأولى في تظاهرات الخميس.

وبالتحديد في الوقت الذي يودع فيه كبار السن والأطفال الموكب، استعدادا لتحركه نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم، بدأت الأجهزة الأمنية الهجوم بإطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع بكثافة، وضرب المتظاهرين بالهراوات.

وعلى الرغم من أن لجان المقاومة أعلنت نقاط تجمع جديدة، لتلافي مخاطر محاصرة الأجهزة الأمنية لمحطة باشدار، إلا أن حصار القوات الأمنية للمنطقة دفع المحتجين للتوافد بكثافة.

وبعد أقل من ساعة، استطاع المحتجون هناك كسر الحاجز الأمني والتحرك نحو القصر الرئاسي، وذلك رفقة المحتجين الذين تجمهروا في نقاط التجمع الأخرى، والتي أعلنتها لجان المقاومة لأول مرة، كما أعلنت مسارات جديدة في محاولة للابتعاد عن المسارات المعتادة للقوات الأمنية.

ومن منطقة المؤسسة، وسط مدينة بحري، والتي تبعد نحو 5 كيلومترات، شمال القصر الرئاسي، انطلقت تظاهرة أخرى، هتف خلالها المتظاهرون مطالبين بسقوط العسكر والحكم المدني.

إلا أن إغلاق الأجهزة الأمنية لجسر النيل الأزرق الذي يربط مدينتي بحري والخرطوم، حال دون وصول تظاهرات بحري إلى وجهتها، حيث أغلق المحتجون شارع الشهيد مطر القريب من كبري النيل الأزرق بالمتاريس، احتجاجا على إغلاق الجسور.

 

رفض حكم العسكر

 

وقالت لجان مقاومة بحري، في بيان: «شارع الشهيد مطر مغلق بأمر الثوار» وظل المتظاهرون هناك يهتفون بأسماء أعضاء المجلس العسكري مطالبين بمحاكمتهم، ويطالبون بعودة العسكر للثكنات وحل قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى هتافات أخرى تطالب بتحسين خدمات الصحة والتعليم.وبعدها توجهوا إلى حي حلة حمد القريب من كبري المك نمر، الذي يبعد نحو 2.5 كيلومتر من شارع «الشهيد مطر» وكذلك يربط مدينتي بحري والخرطوم، أكد المتظاهرون أنهم يريدون إرسال رسائلهم الرافضة للحكم العسكري من هناك أيضا».

 

قوات الأمن هاجمت محيط مستشفى بعبوات الغاز المسيل للدموع

 

وقالت المتظاهرة إسراء فرح (34 عاماً) لـ«القدس العربي» إنهم سيواصلون التصعيد مهما ارتفعت وتيرة القمع، مؤكدة أن مطالب السودانيين واضحة، ولن يتراجعوا حتى تتأسس دولة مدنية تحقق شعارات الثورة السودانية «حرية، سلام وعدالة».

ورأت أن «القمع دليل خوف» مؤكدة أن القضية السودانية تمس الجميع العسكر والمدنيين، وأن التحول المدني سيحفظ حقوق الجميع وفي صالحهم في كل الأحوال.

وأضافت: «إذا كان الحوار الذي اختاره العسكر بالرصاص، فليعلموا أننا لا نخاف من القمع، ولن نتراجع، وسنظل متمسكين بسلميتنا مهما فعلوا» مشيرة إلى سقوط ضحايا في معظم التظاهرات، وأن القتل والقمع لو كان سيوقف التظاهرات كان أوقفها منذ وقت طويل.

 

«سنواصل المقاومة»

 

وبخصوص المحادثات التي أطلقتها الآلية الثلاثية لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وإيغاد، لا تبدو فرح، متحمسة لوصولها لتحقيق مطالب الشارع السوداني، مشيرة إلى أن «العسكر لو كانوا سيقبلون بأي تسوية تصل بالبلاد لحكم مدني ديمقراطي، لما نفذوا انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي».

وقالت أيضا: «الانتقال للحكم المدني يعني المحاسبة بالنسبة للعسكر، الأمر الذي لا يرغبون فيه بالتأكيد، لذلك سنواصل المقاومة ولن نساوم، حتى اجبارهم على التنحي كما فعلنا مع الرئيس المعزول عمر البشير من قبلهم».

ولم تقتصر تظاهرات الخميس التي حملت معظم الدعوات لها مطالبات بالإفراج عن المعتقلين بالإضافة لإسقاط الانقلاب عن العاصمة، حيث خرجت تظاهرات عديدة في مدن السودان المختلفة، توجه معظمها نحو مباني الحكومات الولائية، كان أبرزها في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ومدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور.

وفي الأثناء، التقت الآلية الثلاثية بعدد من قادة المجلس العسكري أمس في القصر الرئاسي في الخرطوم، ضمن اجتماع يعتبر الأول من نوعه منذ انطلاق العملية السياسية.

وقال إعلام المجلس السيادي في بيان أمس، إن اجتماعا مشتركا، ضم نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو «حميدتي» وعضوي المجلس، شمس الدين كباشي وإبراهيم جابر إبراهيم، والآلية الثلاثية الميسرة للحوار السوداني، ممثلة بممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، رئيس بعثة يونيتامس، فولكر بيترس، ورئيس البعثة الأممية المتكاملة للمساعدة في الانتقال في السودان، (يونيتامس) ومبعوث الاتحاد الأفريقي الدكتور محمد الحسن ولد لبات، ومبعوث الإيغاد إسماعيل أويس وممثل الاتحاد الأفريقي بالخرطوم السفير محمد بلعيش».

وتداول المجتمعون، حسب البيان، أفكارا بخصوص «العرض الذي قدمته الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد، بشأن مقاربتها لعملية الحوار الذي تقوم بتسهيله، بين الأطراف السودانية للتوصل إلى توافق لإدارة الفترة الانتقالية».

وأوضح عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، أن الاجتماع «ناقش ضرورة تعجيل بداية الحوار المباشر والفراغ منه خلال فترة زمنية محددة» وأكد «دعمهم لعمل الآلية الثلاثية في تسهيل الحوار بين الأطراف السودانية» مشيرا إلى أن الاجتماع يأتي «ضمن عملية التشاور المستمرة بين الجانبين، وفي إطار عملية تسهيل الحوار السوداني، للتوصل إلى اتفاق لإدارة الفترة الانتقالية».

كما قال مبعوث الاتحاد الأفريقي، محمد الحسن ولد لبات، إن «الآلية أكدت خلال الاجتماع جاهزيتها للإسراع بالعملية السياسية، وقدمت رؤية مفصلة لمقاربتها لعملية الحوار السياسي السوداني الذي تقوم فيه بدور الميسر» وفق بيان للمجلس السيادي، حول مجريات اللقاء بين الآلية والعسكريين.

وأضاف ولد لبات أن «الآلية أجرت حواراً صريحاً مع أعضاء المجلس، أكدت خلاله جاهزيتها لتسريع العملية السياسية، وأنها حثت الجهات المسؤولة على ضرورة اتخاذ الإجراءات المشجعة لعقد الحوار، خاصة إطلاق سراح من تبقى من المعتقلين السياسيين، ومنسوبي لجان المقاومة».

 

 

آراء