البدايات المبكرة لحضارتي السودان ومصر وأثر السودان على الحضارة المصرية

 


 

 

ahmed.elyas@gmail.com

تدور هذه الأيام بين دارسي تاريخ السودان القديم بعض الأسئلة حول البدايات المبكرة لثقافات وحضارة السودان القيم وعلاقاتها بثقافات وحضارة مصر القديمة. ولأهمية هذا الموضوع في تأسيس وفهم تاريخ السودان القديم أطرح هذا الموضوع للمزيد من التفاكر والنقاش. يبدأ الموضوع بتمهيد لمراجعة بعض الموضوعات المساعدة لفهم تلك المراحل المبكرة من تاريخ وادي النيل.ثم يتناول الموضوع نشأة الثقافات المبكرة في وادي النيل والعلاقات بينها، وأثر الثقافات السودانية المبكرة على المصرية وأخيرا انفصال الثقافتين .
المحتويـات
أولاً: تمهيد

ثانياً: النيل والمناطق المجاوره له غرباً وشرقاً
1. منطقة النيل بين النيل الأبيض والقاهرة
- منطقة النيل شمال مصر
- نطقة النيل جنوب الخرطوم
- مجرى النيل بين الخرطوم والقاهرة
2. المناطق الواقعة غرب وشرق النيل في صعيد مصر والسودان
- لمناطق الواقعة غرب النيل
- لمناطق الواقعة شرق النيل

ثالثاً: نشأـت الثقافات المبكرة في السودان ومصر
- الثقافات المبكرة في مناطق غرب وشرق النيل
- السودان
- مصر

رابعاً: النشأة المشتركة لثقافات وادي النيل المبكرة

خامساً: أثر السودان على الحضارة المصرية

سادساً: الانفصال الثقافي
--------------------------
أولاً: تمهيد
تقول لاري روس في مقدمة كتابها النوبة ومصر 10000 ق م – 400 م "بالرغم من ان عدداً كبيراً من المؤلفات القيمة قد كتبت عن مصر والنوبة إلا أن العلاقة بينهما تبدو غير واضحة أو تبدو كتفسير خاطيء لهذه المنطقة الثقافية" (Ross, p1)
أرى انه من المفيد التوقف قليلاً مع الفترة المبكرة لبداية حضارتي السودان ومصر ومراجعة تلك البدبايات المبكرة لمحاولة التعرف عليها من خلال الأوضاع المحلية والاقليمية التي ساعدت على التطور الحضاري للمنطقتين والعلاقات بينهما. وأرى أن مثل هذه المراجعات مهمة لفهمنا وتقييمنا للحضارة السودانية في مرحلة ما قبل مملكة تاستي وما هي علاقتها بالحضارة المصرية في مرحلة ما قبل الأسر. كما هي مهمة أيضا لفهمنا وتقيمنا لمملكة تاستي والأطوار اللاحقة حتى قيام وتوسع مملكة كوش الأولى.
رغم ان الكثير من الأبحاث القيمة تناولت المراحل المبكرة للحضارتين السودلنية والمصرية - كما وردت الإشارة أعلاه – إلا أن صورة تكوين البدايات المبكرة لتاريخ السودان تبدو باهتة ومفككة الحلقات. ففيما يتعلق بالحضارة المصرية تأتي البدايات المبكرة متسقة ومترابطة في مراحل ثقافات ما قبل الأسر ثم عصر الأسر. فالتسلسل واضح والروابط متصلة حتى بداية الأسرة الأولى.
أما فيما يتعلق بتاريخ السودان فدراسة الثقافات المبكرة تبدو متناثرة تفتقد الرابط والعلاقة بينها.وتتم دراستها وربطها في الغالب بمراحل التاريخ المصري، ولا يشعر الدارس الربط بين تلك الثقافات المبكرة وبداية تاريخ السودان القديم. فتاريخ ما قبل قسطل (المجموعة أ) ينطلق ويرتبط بفترة ما قبل الأسر في مصر، ثم تأتي مملكة تاستي في محور بداية الأسر. ويتم تناول الوحدات السياسية التي وردت في الآثار المصرية مثل واوات وستجو وإرثت ويام ومدجو، وهي الوحدات التي عاشت في نفس منطقة الثقافة المعروفة بالمجموعة ج وأصحاب المقابر القبعية. ويأتي تناول أحداث هذه الوحدات من خلال أحداث التاريخ المصري.
وهكذا فإن أغلب ما يرد عن تلك الثقافات المبكرة على النيل يرتبط بصورة مباشرة بأحداث التاريخ المصري، وتكاد أحداث التاريخ المصري تأتي مساوية لما يرد عن أحداث تاريخ السودان. فدراسة هذه الثقافات بهذه الصورة يضعف من أبراز هويتها السودانية، كما يضعف أيضاً الرابط والتسلسل بين المراحل المبكرة لتاريخ السودان القديم.
أما الثقافات المبكرة البعيدة من النيل شرقاً وغرباً مثل ثقافات نبتا بلايا ووادي هور ووادي العلاقي ونهر عطبرة والقاش والبطانة رغم أن تناولها غير مرتبط بالتاريخ المصري إلا أن حضورها وفاعليتها في تأسيس تاريخ السودان القديم لا تزال غائبة في إذهان دارسي تاريخ السودان من غير الاختصاصيين. فالدارس لتاريخ السودان القديم وآثاره والقارء العام يحتاج إلى التعرف على الثقافات المبكرة في كل أنحاء السودان وعلاقاتها بتأسيس تاريخ السودان القديم حتى تتكون الصورة الشاملة – بنيله وشرقه وغربه – في الأذهان.
ويهدف هذا التمهيد إلى التعرف – بإيجاز - على المناطق التي نشأت عليها ثقافات وادي النيل المبكرةعلى النيل وعلى المناطق الواقعة غرب وشرق النيل.

1. منطقة النيل بين النيل الأبيض والقاهرة

- منطقة النيل شمال مصر
مر النيل بين منطقة الخرطوم منطقة مصر الوسطى باستقرار نسبي بالمقارنة إلى امتداده في شمال مصر حتى البحر التوسط. فقد شهد مجرى النيل في شمال مصر تغيرات كبيرة عبر العصور. ولم تهيء تلك التغيرات البيئة المساعدة على قيام وتطور الثقافات المبكرة. فعلى سبيل المثال كما يقول محمد عوض محمد (ص 155 - 156) كان مستوى النيل في العصر الحجري القديم أعلى بكثير من مستواه الحالي. وبدأ في الانخفاض التدريجي حتى بلغ في نهاية العصر الحجري القديم نحو 43 متر، وهبط مستوى النهر في القاهرة بنحو 33 متر عما هو عليه اليوم وثقدم الساحل الشمالي للقطر المصري بنحو 11 كيلو متر. وأوضح (ص 159) أن النيل في شكله الحالي في مصر يبدأ نحو 12 ألف سنة مضت. وقد أدى هذا الوضع إلى تركز قيام وتطور الثقافات المبكرة في المنطقة الجوبية للنيل في مصر.
- منطقة النيل جنوب الخرطوم
كانت منطقة السدود - التي تقع الآن جنوب النيل الأبيض - فيما مضى بحيرة داخلية مثل بحيرة تشاد امتدت شمالاً حتى منطقة السبلوقة شمال الخرطوم بلغ عرضها نحو 50 كيلو متر مربع. وقد أدت طبيعة المنطقة المسطحة إلى انسياب فيضان المياه على ساحات واسعة بلغت غرباً حتى منطقة أم روابه الحالية. ولذلك غطت البحيرة مساحات واسعة بلغت نحو 230 ألف كيلو متر مربع في مناطق وسط وجنوب السودان، وكان فيضان النيل الأبيض في عصر الهولوسين المبكر ثلاثة مرات أعلى من مستواه الحالي، وبلغ أعلى مستوى للنيل الأبيض في الألف السابع قبل الميلاد. (Nicoll, p 568; William, et al; El Sharifie)
- مجرى النيل بين الخرطوم والقاهرة:
يلاحظ على مجرى النيل بين الخرطوم واسوان وجود ستة شلالات إلى جنب بعض المناطق الصخرية الصغيرة. أدى هذا الوضع إلى إعاقة حركة الملاحة المتواصلة بين أسوان والخروطوم بعكس مجرى النيل بين أسوان والبحر الأبيض حيث لا توجد شلالات أو عوائق ملاحية على طول المجرى. وقد أدى ذلك إلى سهولة الحركة على طول المنطقة النيلية بين أسون والبحر المتوسط مما ساعد على سهولة الحركة التواصل وأدى فيما بعد إلى تطور الحكم المركزي في الوقت الذي أعاقت فيه الشلالات حركة التواصل عبر النيل بين الخرطوم وأسوان، مما أعاق تطور السلطة المركزية على الأقل في البدايات المبكرة للحضارة السودانية القديمة.
يلاحظ تتوفر وسائل الحياة في المناطق المجاورة للنيل شرقاً وغرباً بين ممنطقة الأقصر في جنوب مصر والخرطوم أكثر من تلك التي تجاورالنيل شمالاً بين جنوب مصر والدلتا (النيل الأوسط في مصر) شرقا وغرباً. فمصادر المياه في هذه المناطقة تتمثل في واحة سيوة التي تقع بالقرب من الحدود الليبية المصرية توجد واحتان بعيدتان من النيل هما الواحة البحرية وتقع غرب مدينة المنيا في صعيد مصر على بعد نحو 200 كيلومتر، والثانية واحة الفرافرة التي يقع جنةب غرب الواحة البحرية على بعد نحو 300 كيلو متر من النيل. لا توجد أودية في هذه المنطقة تساعد على ربط النيل بالداخل غرباً. فسبل كسب العيش في هذه المناطقة ضيقة إذا ما قورنت بالمناطقة الواقعىة جنوباً.
أما المنطقة الواقعة شرق النيل الأوسط في مصر فتبدو أكثر فقراً في موارد الحياة إذ لا توجد بها واحات كما لا توجد أودية كبرى باستثناء وادي أسيوط. فأصبحت المنطقة الوسطى من النيل المصري شبه منعذلة عن جوارها شرقاً وغرباً مما أدى إلى ضعف التواصل بين سكان النيل وسكان المناطق المجاورة له.

ثاتياً: المناطق الواقعة غرب وشرق النيل في جنوب مصر والسودان

- المناطق الواقعة غرب النيل:
ارتبطت الثقافات المبكرة التي أدت إلى بداية عصر الأسر بمناطق جنوب مصر على النيل. فالمناطق الممتدة غرب النيل من الأقصر شمالاً حتى الخرطوم تمتعت بقدر وافر من مصادر الحياة من واحات وبحيرات وأنهار وأودية. فإذا نظرنا إلى منطقة غرب النيل من الأقصر متجهين جنوباً نجد عدداً كبيراً من الواحات والآبار القريبة من النيل. فإذا استثنينا الواحة الداخلة على بعد نحو 400 كيلو متر من النيل واالواحة الخارجة على بعد نحو 200 كيلومتر من النيل نجد أن باقي مصادر المياه تقع على أقل من 200 كيلو متر من النيل وتمتد غرباً موفرة مساحات واسعة للحياة النباتية والحيوانية والبشرية.
هذه المصادر من الشمال إلى الجنوب كالآتي: الواحة الداخة والواحة الخارجة مقابل منطقة الأقصر وواحة كركور جنوب أسوان وجنوبها واحة دنقل وإلى الغرب آبار كسيبا وطرفاوي وصحابة ثم نيتا بلايا شمال غرب وادي حلفا ثم واحة سليمة جنوب غرب وادي حلفا ثم واحة لقية غرب منطقتي دنقلة وكرمة ثم واحة النخيلة إلى الغرب من لقية ثم بحيرة دارفور القديم الكبرة جنوب غرب واحة النخيلة.
وإلي جانب هذه الواحات يوجد عدد من الأودية التي كان بعضها أنهاراً دائمة الجريان وبعضها الآخرأودية موسمية مثل وادي هور الذي يصب في منطقة دنقلة ووادي الملك الذي يصب بالقرب من دنقلة جنوباً وادي القعب الذي يجري محاذيا للنيل في منطقة دنقلة وإلى الغرب منه واديي شاو وسهل في منطقة لقية وإلى الجنوب منهما ووادي حريق. ويلاحظ أن أودية سهل وشاو وحريق وبحيرة دارفور الكبرى تقع بعيداً من النيل لكنها كلها متصلة ومرتبطة بالنيل، فمن منطقة دنقلة غربا يقع وادي القعب القرب من النيل ومنه إلى لقية ومنها إلى واديي سهل وشاو وبحيرة دارفور، وإلى الجنوب من ذلك وادي هور الذي أطلق عليه الباحثون الألمان النيل الأصفر.
وإلى الشرق من منطقة دنقلة إنحناءة النيل الكبرى التي توجد جنوبيها صحراء بيوضة الحالية والتي كانت أيضاً غنية بمصادر المياة والحياة النباتية والحيوانية والبشرية حيث يقع في غربيها وادي الملك ثم إلى الشرق منه وادي المقدم الذي كان خليجا ربط النيل الآبيض شمالاً عبر صحراء بيوضة بالنيل ثم شرقيه وادي أبدوم فالنيل. وقد تناولنا كل مصادر المياه هذه في موضوعاتنا السابقة عن "فترة الثقافات المبكرة في تاريخ السودان القديم 1 – 5"

- المناطق الواقعة شرق النيل:
رغم أن المنطقة الشرقية للنيل بين الأقصر شمالاً و الخرطوم جنوباً لا توجد فيها واحات كما هي الحال في المنطقة الغربية للنيل إلا أنها تمتعت أيضاً بمصادر مياه تمثلت في الأنهار والأودية الكبرى التي كان بعضها دائم الجريان مثى وادب الحمامات الي يصب في منطقة الأقصر ووادي شعيت جنوب أسوان ووادي العلاقي الذي تنتشر فروعه في السودان، وتبدأ مجاريه في الشرق من جبال البحر الأحمر مثل وادي كو ووادي إليي Elie، وتبدأ مجاريه في الجنوب بالقرب من النيل في منطقة أبو حمد مثل وادي قبقابة. وإلى الجنوب من وادي العلاقي بقع وادي السبوع وجنوبه وادي كورسكو وجنوبه وادي مور، ثم نهر عطبر وسهل البطانة بينه وبين النيل الأزرق، وهي المنطقة التي أطلقت عليها المصادر اليونانية والرومانية جزيرة مروي.

ثالثاً: نشأة الثقافات المبكرة في السودان ومصر
كانت النشأة المبكرة لثقافات وادي النيل نشأة مشتركة ارتبطت ببعضها البعض وأثرت وتأثرت بالمناطق الواقعة إلى الغرب والشرق من النيل وامتدادات تلك المناطق شرقاً وغرباً متواصلة مع ثقافات شمال شرق افريقيا.
ويرى الباحثون أن تطور المجتمعات المبكر في افريقيا يختلف عنه في منطقة الشرق الأوسط. فمسار انتاج الطعام في افريقيا يختلف عنه في آسيا حيث إنناج يرتكز في المقام الأول على تدجين النبات، أما في افريقيا فظهور العصر الحجري الحديث وانتاج الطعام اعتمد على تدجين الحيوان. فالعصر الحجري الحديث في افريقيا اعتمد على تدجين الحيوان في مجتمعات افريقية غير مستقرة.
ونقلت تفسير البعثة المشتركة لما قبل التاريخ Combined Prehistoric Expedition لظهور استئناس الحيوان في البيآت ذات المناخ غير المستقر في افريقيا والذي يفترض أن التدجين يحدت دون تدخل الانسان. وقد أوضحت أبحاث علم اللغة أوضحت أن الكلمات المرتبطة بتدجين الحيوان أقدم من تلك المرتبطة بتدجين الحبوب. (Gatto, 2009, p 22)
وخلافاً لما كان مفهوماً فإن المجتمعات الرعوية يمكن أن ترتقي بنظمها إلى مستوى الدولة. وفيما يلي إلقاء نظرة موجزة وسريعة على نشأة الثقافات المبكرة في السودان ومصر وارتباطها بالمناطق المجاورة لوادي للنيل. (Gatto, 2009, p 22)

- مناطق غرب وشرق النيل
تمتعت المناطق الصحراوية الحالية شرق وغرب النيل بمناخ رطب وتوفرت فيها موارد الحياة النباتية والحيوانية وتطورت سبل كسب العيش والنظم الاجتماعية كما أوضحنا ذلك في المقالات السابقة. فعلى سبيل المثال كانت أرض الصحراء في العصر الحجري الحديث خضراء ذات بحيرات موسمية وأحيانا دائمة، وقد تخللت فترة الرطوبة هذه بعض الفترات الجاف التي كانت تؤدي إلى تحرك السكان نحو النيل.
يرى بروس (Bruce 2006, P 189) أن الكشوفات في العقود الأخيرة أوضحت أن ثقافة العصر الحجري الحديث تطورت في شمال شرق افريقيا بالتواصل والتأثير والمشاركة من مناطق الحصحارى الحالية، فقد كانت تلك المناطق معابراً لما وراءها. وبعد حدوث الجفاف ظلت الوحدات السياسية مناطق نفوذ واسعة للتواصل والتعدد الثقافي والاقتصادي
ويتفق سمث ما ذهب إليه بهض الباحثين من أن مجتمعات رعاة الماشية cattle pastoral الذين يعتمدون على الحشائش ومناطق تجمع المياه في فترة المناخ الرطب في المناطق الصحراوية الحالية تبدو مجتمعاتهم أكثر تعقداً more complex من المجتمعات المعاصرة لهم على النيل. (Smith, p 330)
وبدأ تغير المناخ نحو الجفاف تدريجيّاً من الشمال للجنوب منذ الألف الخامس قبل الميلاد صاحبه التحرك التدريجي شرقاً نحو النيل وجنوباً نحو مصادر المياه. فعلى سبيل المثال كان رعاة البقر في منطقة نبتا حتى منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، وغادروها نهائيّاً كما يرى سمث نحو 3200 ق م.(Smith, p 325
وقد سلطنا بعض الضوء في موضوعاتنا السابقة عن "القافات المبكرة" على تطور المجتمعات المبكر في المناطق المجارو للنيل شرقاً وغرباً، وأتضح أن التطور الحضاري في بعض تلك المناطق سبق التطور الحضاري على النيل.
السـودان
نشأت الثقافات السودانية المبكرة وتطورت في مجال جغرافي واسع ومتنوع البآت امتد على طول النيل من أسوان شمالاً حثى النيل الأبيض جنوباً. ووفرت المساحات الواسعة شرق وغرب النيل امتدادات طبيعية للثقافات المبكرة على مناطق توفرت فيها سبل كسب العيش مثل وادي العلاقي والقاش ونهر عطبرة في شرق النيل ، ومثل واحات الصحراء الغربية وبحيراتها وآبارها حتى مننطقة الجلف الكبير شمال جبل عوينات على الحدود المصرية الليبية. هذه المناطق مثل نبتا بلايا وآبار صحارى وكسيبا والجلف الكبير الواقعة الآن دخل الحدود المصرية الحالية كانت ضمن نطاق الثقافات السودانية المبكرة. ويوضح الباحثون أن الثقافات السودانية المبكرة في مناطق شرق وغرب النيل وتقافة منطقة النيل بين الشلال الأول والسادس كانت تمثل مناطق تقافات مشتركة. (Bruce 2006, p 180; Gatto, 2009, p 21 – 22)
وهكذا وفر المجال الحيوى الواسع والمتعدد البآت للثقافات السودانية المبكرة بعداً طبيعيّاً للمزيد من الاستيطان ونمو عدد السكان. وتواصل مؤسسوا تلك الثقافات في المنطقة الواقعة بين البحر الأحمر شرقاً والحدود السودانية الليبية التشادية غرباً وبين منطقة أسوان شمالاً والنيل الأبيض جنوباً. وأصبحت الثقافات السودانية المبكرة جزءاً من مجتمعات الرعي pastoral complex الكبرى شمال شرق افريقيا خلال فترة العصر الحجري الحديث المتمثلة اليوم في القبائل النيلية مثل قبيلة الدينكا. (Smith, p 330)
وقد ساعد هذا الوضع على تطور ثقافات مجتمعات الجمع والصيد ومجتمعات مربي الماشية. ففي الألف السادس قبل الميلاد تغيرت أنماط الاستيطان في منطقة دنقة وتطور في الألف الخامس قبل الميلاد قبل الميلاد بظهور الطبقات الاجتماعية في المقابر. وازداد ظهور الطبقات الاجتماعية سرعة في الألفين الخامس والرابع قبل الميلاد. (Gatto, 2009, p 24; Ross, p 61 – 62; Sadig, 2010 p 117) فالعصر الحجري الحديث في السودان – كما يرى الباحثون - أصبح معروفاً أنه كان مجتمعاً أكثر تعقيدا مما كان يعتقد في ثمانينات القرن الماضي (Bruc 2006, p188; Gatto, 2009, p 24)
فعلى سبيل المثال تم تدجين البقر في منطقة كرمة غي الألف السابع قبل الميلاد، ودخل الضان والاعز في الألف السادس قبل الميلاد. وتم تدجين الحبوب في كدروكا في الألف الخامس قبل الميلاد بقايا الشغير في القبور، وشهد وادي الخوي شمال دنقلة نمط اقتصاد العيش المختلط Sadig, 2010 p 137 وفي نهاية الألف السادس وبداية الألف الخامس قبل الميلاد ازداد عدد المستوطنات في منطقة دنقلة، ربما كان بعضها موسمي ارتبط بممارسة الرعي. (Gatto, 2009, p 22)
مصـر
اختلفت نشأت وتطور الثقافات المبكرة في مصر عن نشأتها وتطورها في السودان اختلافاً كبيراً فيما يتعلق بالمجال الحيوي. فقد شهد مجرى النيل في شمال مصر - كما ذكربا أعلاه - تغيرات كبيرة عبر العصور. ولم تهيء تلك التغيرات البيئة المساعدة لحياة الانسان وتطور الثقافات المبكرة. وأوضح محمد عوض محمد (ص 159) أن النيل في شكله الحالي في مصر يبدأ نحو 12 ألف سنة مضت. وأدى هذا الوضع إلى تركز الحياة البشرية المبكرة وقيام وتطور الثقافات في المنطقة الجوبية للنيل في مصر. وقد ارتبط قيام عصر الفراعنة بتلك الثقافات مثل ثقافات تاسيان ونقادة.
كما ارتبط تطور الثقافات المبكرة في مصر ارتباطاً كبيراً بالتغيرات المناخية التي حدثت في المنطقة وبخاصة التغير الذي حدث في الألف الخامس قبل الميلاد. فقد تراجع نطاق الأمطار الصيفية جنوبا حتي منطقة الخرطوم الحالية، وفي نفس الوقت امتدت أمطار البحر المتوسط جنوباً حتى منطقة الجلف الكبير شمال جبل عوينات، وانخفضت نسبة هطول الأمطار في المناطق الواقعة غرب وشرق النيل. (Smith, p 330; Gatto, 2009, p 24)
أدى هذا التغير في الألف الخامس قبل الميلاد – الذي شهد تطور ثقافة نقادة التي نشأ عنها عصر الأسر المصرية – إلى تحركات سكانية واسعة وتحولات في سبل انتاج الطعام. فقد أدى تراجع الفاصل المداري جنوباً والذي كا يمتد شمالاً إلى منطقة أسوان إلى قلة الأمطار في منطقة شمال السودان والمناطق المجاورة للنيل مما أدى ببعض السكان إلى ممارسة الرعي، كما إلى تحرك بعضهم شمالاً ‘لى المناطق التي وصل إليها امتداد سقوط أمطار البحر المتوسط، وفي نفس الوقت حدثت هجرات كبرى ملحوظة من الصحراء نحو النيل. (Williams 2006 p 185; Gatto, 2009, p24)
ويرى الباحثون أنه بعد عمليات مسح اقليمي في مدينة نخن (جنوب الأقصر) أن الاستيطان التدريجي من الصحراء الى النيل تم خلال الالف الرابع قبل الميلاد. فقد لوحظ وجود كثير من المظاهر المرتبطة برعي الماشية والتي جاءت من الصحراء في الدير المصري وفي الايقونات مثل خصوبة البقر والمعبود هاتور. (Smith, P 330)
وقد ساهم تواصل ثقافات مصر العليا النيلية وثقافات الصحراء وثقافة منطقة النوبة إلى جانب التغير المناخي خلال الجفاف التدريجي للصحراء في تكوين الدولة المصرية كحضارة افريقية، ولذلك ينبغي ربط المجتمعات المصرية بمجتمعات الرعي pastoral complex الكبرى شمال شرق افريقيا خلال فترة ما قبل عصر الأسر. (Smith, P325, 330)
ويرى الباحثون أن الملكية والدين المصريين مرتبطان ارتباطاً قوياً بمجتمعات الرعي cattle complex في شمال شرق افريقيا المتمثلة البوم في القبائل النيلية مثل قبيلة الدينكا. (Smith, P 330) وأن تواصل ثقافات مصر العليا النيلية وثقافات مناطق الصحراء وثقافة منطقة النوبة في شمال السودان والتغير المناخي خلال الجفاف التدريجي للصحراء أدى كل ذلك إلى تكوين الدولة المصرية كحضارة افريقية. ويرى سمث أن التغير المناخي ربما أتى بموجات من سكان الصحراء المتطورون إلى النيل، وأعطت إحدى تلك الموجات ضربة البداية للحضارة المصرية (Smith, P 330, 335)

رابعاً: النشأة المشتركة لثقافات وادي النيل المبكرة
كان الوصع الثقافي المبكر في السودان ومصر متجانساً يتكون من مراكز قوى متصلة ببعضها البعض، وكان نمط الاستيطان واستراتيجية الغذاء والثقافة المادية متشابه وبخاصة في الفخار والدين والممارسات الجنائزية. وأدى التبادل التجاريالمبكر بين مصر والسودان إلى معرفة بعضهما البعض معرفة جيدة. ففي الألف الخامس قبل الميلاد لوحظ الشبه الكبير بين العصر الحجري الحديث في السودان والعصر الحدري الحديث في مصر، وترى جتو أن هذا الشبه في العادات الجنائزية يوضح الأثر الافريقي على الحضارة المصرية. (Gatto, and F. Teraterra, P 331; Getto, 2009, p 22; William, 2011, p 84)
ويوجد رسمان صخريان في منطقة الشلال الثالث يمثل الرسوم الأول صيد لرجل يحمل حراباً وفرس النهر شبيه برسوم نقادة1. والنقش الآخر يمثل فرس النهر وفيل في منطقة الشلال الثالث هي نفسها رسوم ما قبل الاسر المتأخرة وبداية عصر الأسر. كما يوجد عدد من الرسوم الصخرية شمال الشلال الثاني بما في ذلك القوارب العادية والمقدسة. وهذا أيضا يوجد في نقادة، ورغم الشبه بينها إلا أن هنالك بعض الاختلافات. (Bruce, 2006 p 181 – 182, 186: Bruce, 2011 p 84; Smith, p 331)
ويرى الباحثون أن ايقونات منطقة الشلال الشلال الثالث شبيهة بأيقونات ثقافة نقادة، وأن أيقونات ما قبل قسطل (A-Group) تطابق آيقونات عصر الفراعنة مما يوضح أن الملكية وجدت في النوبة ومصر قبل عصر الفراعنة. ويلاحظ أن رموز الملكية الفرعونية نادرة في مصر وأحدث من مثيلاتها في قسطل.مما يوضح أن الملكية وجدت في النوبة ومصر قبل عصر الفراعنة (Smith, p 332: Gatto and Ter p 334)
ففخار منطقة النوبة في شمال السودان مطابق لفخار ثقافة نقادة1( 4000 – 3500 ق م) وفخار مناطق جنوب وغرب كرمة تطور في الالف الخامس ق م في المنطقة الممتدة من مصر العليا شمالاً وحتى منطقة الخرطوم جنوبا. ويوجد تشابه كبير بين فخار ثقافة أبكان وفخار ثقافة البداري في مصر العليا 5000 – 4500 ق م . (Gatto, and F. Teraterra, P 331; Smith,p 331; Ross, p 25)
وقد درست ماريا كَرْمِلا جتو في موضوعها القيم "Ceramic Traditions and Cultural Territories: The Nubian Group in Prehistory” الثقافات المبكرة للمنطقة الواقعة على طول النيل بين حنوب مصر شمالاً والخرطوم جنوباً وبين المنطقة المنطقة كسلا شرقاً والجلف الكبير على الحدود الليبية المصرية غرباً في الألفين الخامس والرابع قبل الميلاد. وأطلقت جتوعلى كل تقافات هذه المناطق "المجموعة النوبية" (Gatto, 2002, p8 – 19)
وبغض النظر عن مدى صدق هذا التعبير إثنيّاً أو جغرافياَ في مفهومنا الحالي فإن جتو وجدت الثقافات المبكرة في كل تلك المنطقة في الألفين الخامس والرابع قبل الميلاد ثقافات متشابهة ذات سمات مشتركة تمثل مجموعة ثقافية أطلقت عليها "المجموعة النوبية"
وقد اعتمدت جتو في دراستها على الفخار الذي جمعه الباحثون في كل هذه المنطقة واستخدمت نظرية “Theory of Style” للكشف عن أنواع الثافات بدلاً من الحدود المكانية. وقد توصلت في دراستها إلى تمييز 49 وحدة أو مجموعة ثقافية في كل منطقة الدراسة خلال الفي شنة (5000 – 3000 ق م) وتمكنت من رصد الشبة والسمات المشتركة بين الثقافات المبكرة في كل المنطقة الواقعة على طول النيل بين جنوب مصر والخرطو وبين منطقة كسلا والجلف الكبير على الحدود الليبية المصرية، وتناولتها تحت مسمى "المجموعة النوبية"
وقد ضمت "المجمزعة النوبية" في الالف الخامس قبل الميلاد على النيل المناطق من جنوب على طول النيل جنوباً حتى الخرطوم، وكان الشلال الثاني قلب المجموعة حيث تأسست مجموعة ثقافة أبكان. وفي شرق النيل ضمت "المجمزعة النوبية" مناطق كسلا ونهر عطبرة وصحراء العتباي ووادي الحمامات. وفي غرب النيل ضمت ضمت "المجمزعة النوبية" مناطق الجلف الكبير والواحة الخارجة ومنطقة لقية ونبتا بلايا ووادي هور. (Gatto, 2009, fig.1, 2 p 9, 10, p 17)
وضمت "المجموعة النوبة" في الألف الرابع قبل الميلاد المركز على النيل بين جنوب مصر والخرطوم، وتطورت في هذه المرحلة في النوبة السفلى ثقافة المحموعة أ (ثقافة ما قبل قسطل) وضمت "المجموعة النوبة" غرب النيل في هذه الألفية الرابعة الجلف الكبير ولقية والمجموعة أ ووادي هور، وفي شرق النيل ضمت المجموعة النوبية منطقة صحراء مصر الجنوبية ومنطقة العتباي والبطانة والمجموعة الثقافية أ (Gatto, 2009, fig.3, 4 p 12, p 17)

خامساً: أثر السودان على الحضارة المصرية
تمتع المجال الحيوي الذي نشأت عليه الثقافات السودانية المبكرة بمميذات لم تتوفر في المجال الحيوي للثقافات المصرية المبكرة. فقد رأينا – أعلاه – أن المجال الحيوي الذي قامت عليه الثقافات المصرية المبكرة محدود النيل في مساحة صغيرة جنوب مصر مع قلة مصادر المناطق الواقعة شرق وغرب النيل بعكس ما هو الحال عليه في السودان. فالمجال الحيوي للثقافات السودانية المبكرة ممتداً على مساحات كبيرة على النيل بين أسوان شمالاً والنيل الأبيض جنوباً. كما تميز المجال الحيوي الواقع إلى الغرب والشرق من النيل في السودان بوفرة الموارد وتنوع سبل كسب العيش مما ساعد على ازدياد عدد السكان وتطور نظمهم الاقتصادية والاجتماعية المبكرة أكثر مما عليه الحال في مصر.
ولذلك أتت البدايات المبكرة للثقافات في السودان أسبق بكثير من بداياتها في مصر (Ross p 56) وأثّر العصر الحجري الحديث السوداني في المراحل المبكرة تأثيراً شديداً على ثقافة مصر العليا Bruce 2006, p 188) (William, 2011 p 82; كما كان لبعض ثقافات منطقة النوبة المبكرة أثر واضح على تطور ثقافة مصر العليا (Ross p 81) ويرى آركل أن حضارة ما قبل الأسر تأسست على العصر الحجري الحديث السوداني.(Arkell, p 37)
وقد أدى تغير المناخ في الألف الخامس قبل الميلاد إلى تحرك سكان شمال السودان شمالاً ونقلوا ثقافتهم technocomlex المرنة المتطورة إلى مصر الوسطى حيث انتشرت ممارساتهم الثقافية وعقائدهم وثقافتهم المادية قبل مدة طويلة من توحيد مصر (Ross p, 59) فمن بين السمات الواضحة لثقافة نقادة المادية الوجود الواضح لعناصر ثقافة منطقة النوبة. (Gatto, 2014, p 117)
وقد تناول الباحثون بعض جوانب أثر الثقافة المادية السودانية على الحضارة المصرية مثل أثر فخار منطقة النوبة على ثقافة تاسيان ونقادة (Ross. P 61) وانحدار فخار نقادة 1من فخار ثقافة الخرطوم المبكرة وإرجاع بعض أدوات ثقافة تل العمارنة إلى ثقافة الخرطوم (Arkell, p 33, 35)
وثقول الباحثة ماريا جتو أن افتراض تواصل السودانيين المبكر مع المصريين أدي بطريقة ما إلى تعزيز أو تقدم الحضارة السودانية افتراض غير ضحيح، وفي الحقيقة فإن الفخار السوداني أرقى في تصميمه من الفخار المصري. (Gatto. 2009, p22) وتوضح روس أنه لا يمكن التقليل من أهية الاكتشافات الجديدة في تحليل الأثر السوداني في مرحلة ما قبل عصر الأسر على تطور مصر الفرعونية. (Ross, 2013 p 69)
والسمة الحاسمة التي توضح الأثر السوداني على مصر في عصر ما قبل الأسر كما ترى روس هو السرخ Serekh صورة واجهة القصر التي تظهر في المواكب والرسوم الملكية فهي اختراع سوداني، والممارسات الملكية المصرية هي في حقيقتها سودانية الأصل (Ross, 2013 p 69, 71) والسرخات السودانية تختلف في شكلها عن المصرية. (William, 2011, p 90)
كما ان آيقونات مملكة تاستي تطابق آيقونات عصر الفراعنة مما يوضح أن الملكية وجدت في النوبة ومصر قبل عصر الفراعنة، وأن رموز الملكية الفرعونية نادرة في مصر وأحدث من مثيلاتها في قسطل. (Gatto and F. Teraterra, p 334)

سادساً: الانفصال الثقافي
لم يكن هنالك تميز وانفصال بين سكان وادي النيل في السودان وجموب مصر قبل قيام ثقافة نقادة في الألف الرابع قبل الميلاد. وبدأت بوادر التميز بين المصري والسوداني في عصر ثقافة نفادة حيث أخذت ثقافات جنوب مصر مساراً جديداً نحو الشمال وارتبطت مصر بحضارة البحر المتوسط. وقد أدى التحول الاجتماعي والسياسي الذى تمخض عنه تكوين الدولة المصرية في الألف الرابع قبل الميلاد إلى بروز مفاهيم جديدة مثل مفهوم الدولة القومية ذات الحدود المعينة والهوية والتميز عن الآخر (Gatto, 2009, p 26;Gatto, 2014, p 93, 114
يرى ولسون أن حياة المصريين على شريط النيل الضيق ساعدت على الانفصال والشعور بالعزلة عن الآخر ألا ان هذا الشعور الانعزالي لم يكن عرقيا او اكسنوفيا (كُره الآخر) لا يقبل الجدل بل كان ذلك مسألة جغرافية وعرفية، فكان "الناس" هم الذين يسكنون مصر دون أي تفريق في العرق او اللغة. فإذا اقام غريب في مصر وتعلم اللغة المصرية وتزيا بالملابس المصرية قُبل كواحد من "الناس" بل قد يبلغ احد هؤلاء الغرباء أعلى المراتب حتى مرتبة الملك او المعبود الذي يملك الشعب بأسره (ولسون ص 46 - 47)
ولم يكن التميز واضخا بين السوداني والمصري حتي نحو نهاية الألف الرابع قبل الميلاد كما يتضح من نقش نجع الحمدلاب (3200 - 3100 ق م) شمال أسوان الذي يظهر فيه رسم لشخص من منطقة النوبة ذو درجة عالية وليس عدو يشارك في طقوس ملكية مما بوجي بحسن العلاقة بين الجانبين. (Gatto, 2014, p 112. 114) ومع قيام الدولة المركزية في مصر وبداية عصر الأسر في نهاية الألف الرابع بدأ التميز واضحاً بين السكان وأصبح الشلال الأول الحد الفاصل بين من هو مصري ومن هو غير مصري، وبرزت الثقافة المصرية والشعور بالذاتية المختلفة عن الآخر.
وبرزت بظهور الشخصية المصرية المتميزة وقيام الدولة المصرية الموحدة مسألة حدود الدولة. ويبدو أن الحدود لم ترتبط فقط بامتداد العنصر المصري جنوباً، بل ارتبطت بالمصالح التجارية والأمنية منذ البداية والذي تمثل في محاولات التوسع جنوباً والصراع الذي دار بين السودانيين والمصريين منذ بداية عصر الأسر.
وترى روس أنه يجب نسيان الحدود الحالية بين مصر والسودان عند دراسة الك الحقب المبكرة، وهذه الحدود لا علاقة لها بدراسة تاريخ افريقيا القديم. فهذه المنطقة الحدودية الحالية بين مصر والسودان شهدت لآلاف السنين التواصل والتبادل الحر منذ بداية عصر الهولوسين. (Ross,p 71)
وأخيراً فإنني أرى أن السؤال الذي يتردد كثيراً في الوسائط الاجتماية بين المهتمين والمتابعين لتاريخ السودان القديم وههو: أيهما أقدم الحضارة السودانية أم الحضارة المصرية يمكن أن يعدل إلى: أي الثقافات المبكرة السودانية والمصرية في مرخلة ما قبل الأسر كانت أكثر تطوراً؟ والاجابة الواضحة من خلال ما جرى عرضه في هذا الموضوع أن الثقافات السودانية المبكرة كانت أثر تطورا من نظيراتها المصرية، وأن الثقافات السودانية المبكرة - قبل انفصال ثقافات وادي النيل – قد أثرت بصورة كثيراً وبصورة واضحة على الحضارة المصرية في عصر ما قبل الأسر وبداية عصر الأسر.

المراجــع
- محمد عوض محمد، نهر النيل، القاهرة: مكتبة الأسرة، سلسلة القراءة للجميع 2008.
- ويلسون، جون أ. "مصر طبيعة الكون واعتبارات جغرافية" في هنري فرانكفورت واخرون، ما قبل الفلسفة: الانسان قبل مغامرته الفكرية الأولى، ترجمة جبرة إبراهيم بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. ب. ت.
- Arkell, A. J. 1955, A History of the Sudan: from the Earliest Times to 1821, London: University of London.
- Bruce, Williams 2006, “A group Society in the Context of Northeastern Africa” Archaeology of Early Northeastern Africa, Studies in North African Archaeology, Poznan: Archaeological Museum.
- Bruce, Williams, 2011, “Relations Between Egypt and Nubia in the Naqada period” in Emily Teeter (ed.) Before the Pyramids, the Origin of Egyptian Civilization, Oriental Institute Museum Publication, the Oriental Institute of the University of Chicago.
- El Sharifie, Abdalgadir A. I. “Palaeographic Evolution and Palaeoenvironmental reconstruction of the Sudd Area during Early Mid-Holocene, Sudan” Journal of African Earth Science, April 2011, Vol. 60 (1) 13 - 18.
- Gatto, Maria Carmela, 2002, “Ceramic Traditions and Cultural Territories: the Nubian Group in Prehistory” Sudan and Nubia, Bulletin no. 6, 2002, pp 8 – 19.
- Gatto, Maria Carmela, 2009 “The Nubian Pastoral Culture as Link between Egypt and Africa: A view from the Archaeological Record” in Exell, Kurin, Egypt in its African Context. Proceeding of the Conference Held at the Manchester Museum, University of Manchester 2 – 4 October, 21 -29.
- Gatto, Maria Carmela, 2014”Cultural Entanglement at the Down of the Egyptian History: A View from the Nile First Cataract Region” ORIGINI, XXX1V, 93 – 123.
- Gatto, Maria Carmela and F. Teraterra, 1996 “contact Between the Nubian A-Group and Prehistoric Egypt” International Contacts 1n the Later Prehistory of North Eastern Africa, Posnan. pp 331 – 334.
- Nicoll, Cathleen (2004) “Recent environmental Change and Prehistoric Human Activities in Egypt and Northern Sudan” Quaternary Science Review, 23 (2004) 561- 580.
- Ross. Larry.2013, Nubia and Egypt 10000 BC to 400 AD, the Edwin Mellen, Lewiston, Queenston, Lampter.
- Sadig, Azhari Mustafa. “Neolithic Settlement Parents and Cultural Sequence of Nubia (North Sudan)” SAHARA, 21/2010, 117 – 140.
- Smith, Stwart Tyson, 2018 “Gift of the Nile, the Origins of Egyptian Civilization and Interactions Withen Northeast Africa” in Bacs, Across the Mediterranean- Alon the Nile, Budabist: Museum of Fine Arts. pp 325-345
- Williams, Martin A. J. et al, (2006) “Abrupt return of the Summer Monsoon15. 000 Years ago: New Supporting Evidence from the Lower White Nuke Valley and Lake Albert” Quaternary Science Review 25, 2651 – 2665.
-

 

آراء