التحركات الدولية وسيناريوهات الاسقاط (١)

 


 

 

وقع خطى الاقدام الشابة وقبضتهم الغاضبة و زغاريد كنداكاتهم وهتافات وطبول مواكبهم، يرتعد منها الجميع في عالم اليوم. فقد رتبت احوال الاوطان الكثيرة في عالمنا على معادلات مصالح الدول الكبرى والطبقات المسيطرة والفئات الرأسمالية منها والطفيلية وحكم العسكر. قليل منها صيغت على مصالح شعوبها وتقدمها ورفاهيتها. وثورتنا غريبة في عالم اليوم باستطالتها لاعوام ثلاث وديمومتها والمشاركة العارمة لكافة الشعب في مدنه وقراه وبواديه. يضاف اليها خصائص الشعب الذي يشارك بنشاط وحيوية و "سلمية" وجسارة منقطعة النظير. هذا الشعب المسالم يخترق كل الحجب بينه وبين الشعوب ويترك تأثيراً ضخماً على من يتابعها وينتقل وقع اقدام نسائه وشبابه النحيف ليشق مجاري سيول الشعوب بلا هوادة.

جاءت معادلة الشراكة والتي شاركت في وضعها القوى الاقليمية والدولية استرجاعاً لكل تجاربه الفاشلة في ثورتين اكتوبر ١٩٦٤ وابريل ١٩٨٥ مدمجة في تجارب اخرى في انحاء العالم، كانت كلها تسمح بوضع متحكم فيه ويعيد الثورة لنخب اتقنت العاب "افلق وداوي" واساليب السيطرة وامتصاص قوة التحركات الشعبية. هذه النخب المتهالكة والانتهازية والمتداخلة المصالح مع من اسقطوه ومع الدول الاقليمية والدولية المتناهية في سياقها العام، عجزت عن تحقيق اي تطلعات شعبية ومعادلات "الاستقرار مقابل الامن". ادى هذا التداخل الكثيف الى فشل هذه المعادلة على الاستمرار وحدث الانقلاب.

بوصول الشباب الى القيادة العامة قبل البيان الاول المنتظر الى القيادة العامة يوم ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١الى تغيير كبير في توازن القوى. تدحرجت القيادة من التكوينات التي اختطفت ثورة ديسمبر ٢٠١٨ الى القيادات الثورية الشابة وبدات حلقة جديدة من خروج الملايين مليونية اثر اخرى. ادى هذا الوضع الذياربك الجميع من النخب المحلية الممالئة والقوى الاقليمية والدولية الى طرح معادلة اخرى هو الاتفاق السياسي.

وصل الانقلاب المدعوم حمدوكياً ومن الاقليم الى وضع حرج آيل للسقوط، مع تدخلات لزعزعة اثيوبيا والوضع المقلق في ليبيا وكل الجيران. هذا الوضع لم يعد مقبولًا في ظل تصاعد صراعات دولية منهكة اطرافها الغرب وروسيا والصين. والجزع الاكبر ان تؤدي هذه الثورة المستمرة والفريدة في مواجهة السلاح وسنابك العجلات الحديدية مصدر الهام لكل هذه الشعوب في "تغيير جذري" يقوده الشباب وخلفهم ومعهم قطاعات الشعب باحلامها المشروعة.

التحركات الدولية وسيناريوهات الاسقاط (٢)

وضعت القوى المحلية والاقليمية الحائرة والدولية من المنظمات والدول بثقلها وراء هذا الاتفاق ورأينا لاولمره الامين العام للامم المتحدة يدعم انقلاب صريح وواضح ودعوة من مسئول اليونتامس للقاء قادة الشارع وتراجع محسوب من الدول الغربية والتهديد بعقوبات وغيرها. في خلفيتها خطط لايجاد مركز الافريكوم ومراكز للتجسس وثروات واستثمار يسيل لها لعاب الاقليم والعالم. كانت اخر طلقات سيناريو الاتفاق السياسي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة - السيد/ أنتونيو غوتيريش، بخصوص الوضع الراهن في السودان، والتي ورد فيها *"أتفهّم ردّة فعل السودانيون الذين يقولون لانريد أيّ حلّ مع الجيش" لكن "بالنسبة لي، فإنّ إطلاق سراح رئيس الوزراء وإعادته إلى منصبه هو نصر مهمّ"* .

من المؤكد من قراءتنا ان هناك معادلة يجري طبخها في الاروقة الاقليمية والدولية، عمادها تقليل تسليط الضوء على ما يجري في السودان، والتركيز على نخب وقوى مأمونة الجانب بعد فشل اعتمادها على السلطة الانقلابية وتهاوت دعاوي الاتفاق السياسي وعمادها اعادة حمدوك للمشهد. مع تركيزها على موقف يبدو صارماً تجاه الانقلاب وتداعياته. كانت اخر طلقات هذا السيناريو المرفوض شعبيا

هذه مقدمات لسيناريو قد يصل مع تصاعد الاحتجاجات الى اخلاء المشهد من العسكر وتقليل سطوة المليشيات بفضل التهديد بالعقوبات وكبح جماح الدول الاقليمية ورفع يدها المباشرة عن السودان وتحركات من عناصر مختارة في القوات المسلحة لتنفيذ هذا السيناريو بلوغاً لسيناريو بن علي هرب.

في وجه هذه السيناريوهات التي تحاك لنا، طرحت القوى الشعبية لا تفاوض ولا شرعية ولا شراكة كما بدأت في النقاش الجاد حول التوحد على اعلان سياسي جديد لتنظم نفسها للسيناريو الوحيد الذي تقبل به وهو اسقاط الانقلاب البرهاني الحمدوكي وبكل تبعاته و خروج العسكر والمليشيات من المشهد السياسي وذلك لتنظيم نفسها للتسليم والتسلم للدولة من سلطة الانقلاب .

مشروع الاعلان السياسي هو الاتفاق بين القوى الثورية للتوحد حول استعادة الثورة المدنية والديمقراطية ومشروعها الوطني لبناء الوطن. الاعلان السياسي هو الاطار العام للجهاز السياسي لقوى الاعلان تجمع بين من يقبلونها ويوقعون عليها. هذه القوى الثورية والشعبية والتي تاخرت في الوصول لمركز القرار. وعلى هذه القوى تحويل اعلانها السياسي لاعلان دستوري وتعيد مراجعة وتحديث البرنامج الاسعافي وتبني البرنامج الاقتصادي للتحالف الاقتصادي والاستفادة من الاطروحات العديدة والمبادرات التي طرحت في شتى المجالات والتجارب القاسية في ظرف العامين.

omem99@gmail.com
/////////////////////

 

آراء