الحوري وساعة الصفر والبرهان المتحور !!

 


 

 

musahak@hotmail.com

يبدو أن مجرد التلويح بمحاولة (دسترة) الدولة السودانية ولو مؤقتاٌ، كفيل بأن يثير قشعريرة المؤسسة العسكرية ويحرك فيها وزبائنها طبائع الاستبداد. فانقلاب الإسلاميين في يونيو كان ضربة استباقية لاتفاقية الميرغني -قرنق في العام 1989،فقد كان المؤتمر الدستوري الذي يشكل صلب هذه الاتفاقية والنواة لدستور دائم مدعاة أن تعجل الجبهة الإسلامية بذلك الإنقلاب الذي لم يزل يفت في عضد الدولة السودانية رغم رحيل عرابه أو إنزواء منفذيه في (إستراحة المحاربين) تحت رعاية أيادي أمينة و ملاذات آمنة .
فهل هي رياح دستور الفترة الانتقالية الذي دفعت به تيسيرية المحامين ولم تزل تتنازعه الأطراف السياسية بين قبول ورفض هو الذي أوحي للعقيد ابراهيم الحوري الذي يترأس صحيفة القوات المسلحة بأن يخرج علينا أمس الأول بتلك التصريحات التي تتجاوز رتبته العسكرية بعقود زمنية ولكنها دون شك هي هواجس الفريق الذي أوحي لمجنده ما أوحي ليخرج به إلي فضاءات الدولة السياسية المضطربة .
يقول الحوري في افتتاحيته (الجيش لديه ساعة صفر يحتفظ من خلالها بالقرارات التي تلبي أشواق وطموحات السودانيين التي تتوق لحكومة وطنية بفترة إنتقالية تمهد لإنتخابات يقول فيها الشعب كلمته) مثل هذا القول و وفق الانضباط العسكري وعقيدته ، لا يصدر من رتبة عقيد يترأس صحيفة مغمورة ناطقة بإسم الجيش، و لكنه يحتمل تماما إيحاء من قائده البرهان الذي يستحي ويتخفي خلف تلك المؤسسات العسكرية وبهذا فهو يقترب من المعزول البشير الذي صرح بإمكانية الإنقلاب وهو علي رأس المؤسسة العسكرية عندما قال (لما المزيكا تدق كل فار ليدخل جحرو ) وهو يقصد المارشات العسكرية التي تسبق البيان الأول .
ويمضي الحوري في هذيانه ( ساعة الصفر تعبر عن قرارات لا تنقصها الجرأة أو الحكمة المعمول بها في منهج الجيش).......إذن فإن القرارات قد تم تفصيلها وهي تتجاوز في جرأتها ما يمليه العقل للراهن السياسي ولكنها (حكمة) الجيش ، هكذا يضعها صراحة ذلك العقيد الذي يعتبر اللسان العسكري المبين لتلك المؤسسة التى ما انفكت تحاول قطع الطريق أمام إقامة حكم مدني ديمقراطي في السودان .
ويمضي الحوري قائلا مخاطبا القوي المدنية (إذا لم تواكب ضخامة المسؤولية وحساسية المرحلة ...وتتستر علي فشلها بدوافع هيكلة القوات المسلحة فإن الجيش عندها وبإعتباره الشريك الأساسي في الثورة والتغيير مع شعبه لن ينتظر أحزابا لا يجمعها التوافق علي حد أدني لبرنامج وطني متفق عليه ).
هنا تتبدي صورة الفريق البرهان في أبهي نزقها الإنقلابي وأحلامها الطفولية الموروثة في السيطرة والقيادة والاستبداد تتجسد في تلك الفقرة التي جاءت من خلال إيحائه للحوري الذي يعتبر لسانه المبين وهو أي البرهان لا يستطيع أن يخاطب تجمعا شعبيا أقصي من حدود أهل (المكابراب) بكاريزما الخطابة في حدودها الدنيا .
البرهان كائن متحور شديد الغموض في خارطته الجينية السياسية ، في 21 سبتمبر من العام 2021 وهو يخاطب حشدا عسكريا في المدرعات بكتيبة الشجرة عقب الإنقلاب المزعوم .
عندها أعلن للشعب عن (وحدة وإصطفاف القوات المسلحة لحماية الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي في البلاد ) وبعد مضي أربعة وثلاثين يوما علي هذا التصريح قام بإنقلابه المشؤوم في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021الذي ساق البلاد لهذا الواقع البائس الذي تعيشه .
ثم قضي علي الوثيقة الدستورية بمراسيم سيادية متخيرا الفقرات التي توافق نزعاته الاستبدادية بعد أن ألقي بشركائه في الزنازين والسجون دون وازع رفاقي أو أخلاقي.
البرهان كائن متحور لا يأبه بالتاريخ ، ولكنه مسكون بحلم أسطوري برآسة هذا البلد ، وهو يقود تلك الكتائب الأمنية و يصطاد شريحة المستقبل أولئك الحالمين بمستقبل أفضل للوطن وشعبه وليس إنكفاءْ علي نزوات ذاتية وهواجس كتلك التي تنتابه .
يجري الأن صناعة الانفلات الأمني كمقدمة لساعة الصفر ، وتتآكل البلاد من أطرافها ووسطها ، وعلي سبيل المثال فإن الاضطرابات التي تضرب قبائل غرب كردفان ، تقودها جماعات الفلول المعروفة بولائها للمؤتمر الوطني وتقاسموا قيادات المواجهة دون وازع أخلاقي أو ديني لتلك القبائل ويقومون بأعمال الحشد والتعبئة ويدفعون بالبسطاء نحو جحيم الاقتتال والفوضى ، وبذلك يمهدون الطريق (لساعة الصفر) الجاري إعدادها بل حتي التلويح بها بتلك الجرأة التي دفعت ببوق البرهان لإشهارها في خضم تلك العتمة والإظلام السياسي الذي تنفذه اللجنة الأمنية .
وهي قادمة دون شك كإحدى مغامرات ذلك الكائن المتحور .

 

آراء