السياسة وخلق التعاسة 

 


 

فيصل بسمة
19 December, 2021

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.


و لقد حبا الله بلاد السودان بنعم كثيرة متمثلة في: التنوع العرقي و الثقافي و أراضي السهول الممتدة الخصبة و الأنهار و المياه العذبة الوفيرة و المراعي الطبيعية و الأنعام العالية الخصوبة ، هذا بالإضافة إلى الثروات المعدنية المتعددة الظاهرة على سطح الأرض و تلك الكامنة في الأعماق ، و كذلك المنفذ الساحلي إلى البحار و المحيطات...

و كان المرجو و المأمول ، و مع حسن الظن في السياسة و الإدارة و الإستراتيحيات الجيدة و الخطط التنموية المدروسة و المعدة بإحكام من قبل الخبرآء و المختصين ، أن تكون بلاد السودان ضمن قآئمة بلاد النمآء و الرخآء و الإستقرار ، و أن ترفل الشعوب السودانية في نعيم من الأمن و العدل و الرفاه و العيش الكريم...

و رغم هذا التنوع و الثرآء إلا أن أفراد و جماعات و أقوام والغة في العمل السياسي و الإداري في بلاد السودان تقزموا و قَصُرَت بهم إمكانياتهم و بصآئرهم و سلوكهم عن مضاهاة طول قامة و تطلعات شعوب هذه البلاد الغنية العملاقة...

و يبدوا أن أعداد من القيادات و الكثيرين من متعاطي السياسة في بلاد السودان قد إختاروا ، طواعيةً ، سلوك طرق في الإدارة و الحكم ملتوية و غير رشيدة غابت عنها الأفكار السليمة و الحكمة و النزاهة ، و قعدوا بالبلاد و العباد ، بسبب تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة ، عن التنمية و عن التمتع بأبسط مقومات العيش الإنساني الكريم ، و كان أن إنتهى الحال ببلاد السودان و شعوبها إلى أن تعايش و تقاسي الكثير من: إنعدام الأمن و الموت و النزوح و الهجرة و أصناف متعددة من التخلف و شظف العيش و المعاناة و الشقآء و التعاسة...

و يبدوا أن هذه الشرآئح من الأفراد و الجماعات و الأقوام من السياسيين الغير راشدين قد لجأت إلى إحتراف الإستسهال و الإستهبال السياسي و إلى ممارسة:

١- التراخي الشديد في التعامل الجماعي مع القيم...

و تشير قرآئن الأحوال إلى أن أندية و مجتمعات السياسة في بلاد السودان قد آثرت التعامل مع القيم و مكارم الأخلاق تقيةً ، فأتت أفعالها لا تتماشى مع أقوالها...

و الظاهر أن شرآئح عريضة من متعاطي السياسة السودانية قد خاصمت أفعال الخير و أدمنت السلوك الملتوي و الغير سوي حتى أصبح الفساد بجميع أنواعه و أشكاله فعلاً عادياً و سلوكاً طبيعياً...

و يبدوا أن الأفراد و الجماعات و الأقوام الوالغة في العمل السياسي الغير رشيد في بلاد السودان قد زهدت عن التوبة ، و اختارت المضي قدماً في طريق الفساد إلى نهاياته...

و يبدوا أن جميع هذه الجهات الوالغة في السياسة الغير سوية و العمل العام قد أدمنت الخنوع للقيادات الغير راشدة و حكم العسكر و ما يليه من القمع و الظلم فأحجمت عن السعي إلى التغيير و عافت التطلع إلى الأفضل...

٢- سياسات تسليم زمام الأمور و القيادة إلى الجهلة و السفهآء من الناس من غير ذوي الأهلية من العسكر و المدنيين...

و قد أدت تلك السياسات الغير رشيدة إلى تمركز القوة و السلطة و النفوذ في أيدي قيادات عسكرية و سياسية (مدنية) و أهلية و دينية غير راشدة تميزت بالجهل و التخلف و قصر النظر و العنصرية حتى أصبح العوار و الفساد و الفشل من السمات الثابتة في العمل السياسي و الإداري في سودان ما بعد جلآء الإستعمار (الإحتلال) البريطاني...

و يبدوا أن القيادات الغير راشدة/الجاهلة/الباطشة في بلاد السودان قد إستخفت كثيراً بالساسة الفاسدين و بالشعوب السودانية الخانعة الطآئعة فكان أن إختارت طرق القمع و العنف و القتل و الدمار المفضي إلى الخراب و الفساد و الشقآء و التعاسة عوضاً عن سبيل الحرية و السلام و العدل و الإستراتجيات و المشاريع و الخطط التنموية الذي يقود إلى الأمن و الصلاح و عمارة الأرض و إسعاد خلق الله...

٣- الغياب التام للأهداف و التخطيط الإستراتيجي و المشاريع المدروسة ، و سيادة منهج عدم الوفاق و عشق الإختلاف و الإقتتال و إدمان التكتيكات السياسية قصيرة المدى بهدف إقصآء و تدمير الخصوم بغية الوصول السريع إلى تحقيق الأطماع و المكاسب الشخصية حتى أصبح الخبث و المكآئد و الدسآئس و الفساد هم عماد و ديدن العمل السياسي و العام في بلاد السودان...

و الشاهد هو أن سلوك القيادات السياسية الغير راشدة يفتقر إفتقاراً عظيماً إلى الوطنية و إلى القيم مثل: حسن الظن و التسامح و التجرد و نكران الذات و الزهد و الصدق و الأمانة و العدل و الصبر و الحرص على السلوك السياسي القويم...

و كانت حصيلةُ العمل غير الرشيد تعاظم الطغيان و إستشرآء الفساد و سعي السياسيين المحموم و جريهم و لهاثهم الدآئم و الغير مشروع ورآء السلطة و النفوذ و الجاه و إشباع الأطماع و المكاسب الشخصية مع الحرص الشديد على كيد و تدمير الخصوم...

و يبدوا أن هذا القصور المعيب و الفقر الشديد في سلوكيات و ممارسات القيادات و جمهرة السياسيين قد إنتقلت عدواه إلى قطاع عريض من الشعوب السودانية...

و إذا ما كانت الأمور هي كذلك ما بين القيادة الغير راشدة و القاعدة الخانعة و القابلة للفساد و الإفساد فلا غرو أن يكون القدر و القضآء هو الفشل و السقوط...

و في ظل سياسات القيادات الطاغية/الجاهلة/الغير راشدة و مع إستكانة الشعوب الخانعة/الجاهلة/الفقيرة كان لا بد أن تعاني بلاد السودان من الفساد و الفشل و العجز و أن تصل الدولة إلى حافة الإنهيار...

و ظاهر الحال يشير إلى أنه و إذا ما كان الأمر كذلك فليس هنالك مجال لنهضة بلاد السودان...

و مع إحسان الظن فيبدوا أنه لن يتفشي السلام و لن يعم الأمن و الرخآء بلاد السودان ”الموحدة“ إلا عن طريق التوبة الجماعية و الإقلاع النهآئي عن إحتراف الإستسهال و الإستهبال السياسي و طلاق ممارسة الفساد...

و يأمل كثيرون أن يتحقق التغيير عن طريق ثورة إجتماعية/سياسية/إقتصادية/فكرية عظيمة تجب ما قبلها...

ثورة تغيير شاملة تكسب الجماهير الوعي و المعرفة و تعيد إلى المجتمع القيم و السلوك القويم...

و نظراً لضخامة المأمول إنجازه فيبدوا أنه من العسير تخيل أن يتم ذلك عن طريق الأساليب التقليدية و الأدوات المعهودة في التغيير...

و هنالك من يظن أنه لن يحدث التغيير المنشود إلا عن طريق المعجزات الكبيرة و على طريقة الأساطير...

ملحوظة:

لم يأتي ذكر المفردة (أحزاب) و ذلك لأنه لا توجد في بلاد السودان أحزاب تمارس السياسة بالطرق المتعارف عليها أو كما ينبغي...

و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.


فيصل بسمة



fbasama@gmail.com

 

آراء