السينما .. واشياخ الوهابية !!

 


 

د. عمر القراي
17 December, 2021

 

Omergarrai@gmail.com

(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) صدق الله العظيم

شكل افتتاح مهرجان البحر الاحمر السينمائي، بجدة بالمملكة العربية السعودية، في الفترة (6 إلى 15 ديسمبر 2021م)، حدثاً فريداً. ويقوم المهرجان بعرض 138 فيلماً من جميع أنحاء العالم، تغطي كافة المواضيع التي تناولتها السينما العربية والأجنبية . ويصاحب العرض السينمائي، عرضاً للسير في السجادة الحمراء، لمشاهير الممثلين والممثلات، وهم يلبسون أزياءهم، التي قصد منها ابراز جمال الممثلات، وأناقة الممثلين. ولو كان هذا المهرجان في القاهرة، أو دمشق، أو لبنان، أو الجزائر لما اثار الضجة والدهشة التي اثارها. ولكن المهرجان قام في السعودية، حيث كان توجه المملكة متأثراً بالفهم الوهابي السلفي المتخلف، والذي منع السينما، وكافة أشكال الفنون لعشرات السنين.
ولقد قام هذا المهرجان، بتكريم الممثلة المصرية ليلى علوي، والمخرجة السعودية هيفاء منصور. وفي لقاء لهيفاء مع اذاعة البي بي سي قالت ( سأتحدث بصفتي إمرأة سعودية، من قبل كانت مشاهدة فيلم على جهاز فيديو منزلي بمثابة حلم. لذا تخيل كيف يكون شعورنا حين نكون في هذا الحدث السينمائي. بالطبع السينما تمنحنا صوتاً وتجعل العالم اقرب إلينا وتجعلنا اقرب الى العالم ويسعدني أننا نفتح صفحة جديدة من الحضارة)(لقاء الإذاعة البريطانية اثناء تغطية المهرجان).
ولعل سبب غياب السينما عن المملكة العربية السعودية، رغم أنها أخذت بكثير من اسباب الحضارة المستجلبة من الدول الغربية، هو أن كبار العلماء فيما عرف ب" اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء "، والتي كانت مكونة من الشيخ عبد العزيز بن باز رئيساً، والشيخ عبد الرازق عفيفي نائباً للرئيس، والشيخ عبد الله بن قعود عضواً، كانوا قد افتوا بتحريم السينما، فقد جاء في بعض تلك الفتاوى:
(السؤال : ما حكم ارتياد دور السينما؟
الجواب: ارتياد السينما حرام لأن أغلب ما يعرض فيها من الملاهي التي تثير الفتنة. ولأنها مضيعة للوقت وشغل للفراغ بلا فائدة شرعية، في حال أن المسلم في أشد الحاجة إلى شغله بما يعود عليه وعلى أسرته بالنفع العظيم. ولأنها تصد عن ذكر الله وآداء الواجب. ولما فيها من اختلاط الرجال والنساء إلى غير ذلك من المفاسد وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
السؤال: هل يجوز للمسلم أن يبني سينما ويدير أعمالها بيده ؟
الجواب: لا يجوز لمسلم أن يبني سينما ولا أن يدير أعمال سينما له أو لغيره، لما فيها من اللهو المحرم ولأن السينمائيات المعروف عنها في العالم اليوم، أنها تعرض صوراً خليعة ومناظر فتانة تثير الغرائز الجنسية وتدعو للمجون وفساد الأخلاق. وكثيراً ماتجمع بين نساء ورجال غير محارم. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه)(موقع نداء الإيمان 14 ديسمبر 2021م)
ونحن نريد أن نعرف رأي أنصار السنة، ونسأل الشيخ عبد المنعم صالح عبده، الأمين العام الجديد لجماعة انصار السنة المحمدية بالسودان، ونسأل أيضاً الواعظ النشط الشيخ مصطفى عبد القادر، الشهير بالشيخ "التفتاف"، كما نسأل غيرهم من السلفيين أمثال مزمل فقيري وابوبكر آداب: هل الصحيح موقف بن باز و اشياخ الوهابية، الذين حرموا السينما، أم الصحيح الموقف الجديد، الذي يقوده ولي عهد المملكة محمد بن سلمان، والذي سمح بإقامة المهرجان السينمائي بجدة ؟! فإن كان الرأي الصحيح هو رأي بن باز واشياخ الوهابية، وأن السينما حرام، نريد أن نسمع من أنصار السنة والسلفيين الذين ذكرناهم، حكم الله في محمد بن سلمان الذي أحل ما حرم الله، وفتح بلاده للفساد والفجور والمعصية. وإن كان رأي محمد بن سلمان صواب، وأن السينما حلال، نريد أن نسمع منهم حكم الله في اشياخ الوهابية، الذين حرموا ما أحل الله، وافتوا بالباطل وضللوا الناس عن الحق.
ويمكن أن نضيف الى أنصار السنة، من هم مثلهم من الإخوان المسلمين المهووسين، الذين تظاهروا بالحداثة والتقدم من باب النفاق، والمكاسب السياسية.. فقد جاء في صيحفة " ألوان" التي كان يصدرها الأخ المسلم حسين خوجلي (المجاهد والي سنار يهدم سينما سنار وسط التهليل والتكبير ويقول هدمنا الصنم ويقول انه يتقرب بذلك إلى الله )( صحيفة ألوان العدد 3803 بتاريخ 14 مارس 2007م) ونحن الآن نسأل حسين خوجلي، وهو قد احتفى بتحطيم سينما سنار، هل تاب وأناب، ورجع عن هذا الهوس، حين أنشأ قناة أمدرمان التلفزيونية، وملأها بالغناء والموسيقى، والاختلاط بين الرجال والنساء، وعرض الافلام السينمائية ؟!
فإذا كان علماء السلفيين في مأزق، وخالفهم حتى حكامهم، فكيف بعامة المسلمين، والبسطاء المحبين للدين، وهم يطلبون الفتوى من هؤلاء الاشياخ الذين تخلف علمهم عن حياة الناس؟! لقد ساق الله مهرجان السينما في جدة كما ساق " داعش" من قبل، ليفكر المسلمون في أمر دينهم، وواقع حياتهم. فإذا كان مبلغ علمهم أن الإسلام هو الشريعة، فإن الشريعة تحرم السينما، لأنها تحرم الصورة نفسها. فقد جاء في الحديث النبوي ( من صوّر صورة يوتى به يوم القيامة ويقال له انفخ فيها الروح وما هو بنافخ فيها) و أن (الملائكة لا تدخل بيتاً في كلب ولا صورة)(راجع صحيح البخاري باب الصور). كما منعت الشريعة الغناء، والموسيقى والرقص وكافة أنواع الفنون. والشريعة تبيح في الجهاد ما فعلت " داعش"، من القتل وقطع الرؤوس، وسبي النساء، وبيع السبايا، ومعاشرتهن بغير زواج، والنصوص التي تبيح كل ذلك مستفيضة. ولكن الشريعة ليست الدين الإسلامي!! وإنما هي تنزل من أصل الإسلام، ناسب مجتمع القرن السابع الميلادي. فالشريعة قامت على فروع القرآن، وأحكامها، في المعاملات، مرحلية، لأنها تتأثر بالتطور، الذي يحدث في الزمن للمجتمعات. ولكن في أصل الإسلام الدعوة بالتي هي أحسن، فلا قتال بسبب الدين، ولا سبي، ولا ما ملكت ايمانكم. وليس في اصل الإسلام منع للصور، لأن حكمة تحريم الصور قد كانت سد الذريعة، إذ كان الاصحاب حديثو عهد بالاسلام، وقد تثير التصاوير فيهم الحنين لعبادة الاصنام. والناس اليوم لم يعبدوا هم ولا آباءهم الاصنام، ولذلك لا تؤثر فيهم الصور إلا أثراً ايجابياً، من تهذيب النفس وترقية الحس والجمال والذوق. وكذلك مختلف أنواع الفنون يجب أن ينتفع الناس بممارستها اليوم.
من أجل ذلك، دعا الأستاذ محمود محمد طه إلى تطوير الشريعة، بالانتقال من فروع القرآن إلى أصوله. وسمى دعوته "الرسالة الثانية من الإسلام". وقال أن الإسلام لن يعود بالرسالة الاولى، القائمة على الشريعة، وإنما سيأتي حين يأتي، على مستوى الرسالة الثانية القائمة على اصول القرآن. وقدم منذ ستينات القرن الماضي محاضرته الشهيرة (الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين).
14 ديسمبر 2021م

 

آراء