الصراع حول الأرض في السودان (9)

 


 

 

تاسعا :
1
: نهب الأراضي في فترة انقلاب الانقاذ: 30 يونيو 1989 – أبريل 2019م
في بداية هذه الفترة صدر قانون التخطيط العمراني والتصرف في الأراضي لسنة 1994 الذي أشار في المادة (13) " يجوز نزع ملكية الأرض للمصلحة العامة بموجب أحكام قانون نزع ملكية الأراضي لسنة 1930 عند ممارسة الوزير لسلطاته بموجب أحكام المادة 9(ج) ، (ه) ، (و)، كما أشار في المادة (14) الي نزع ملكية الأرض التي لم تُعمر.
هذا القانون مع الإجراءات الأخري بعد انقلاب الانقاذ في 30 يونيو 1989 و استيلاء الإسلامويين علي السلطة، مكن في الأرض للرأسمالية الطفيلية الإسلاموية والتي تضاعفت ثرواتها بشكل هائل ، وكان من اهم مصادر تراكمها الرأسمالي:
نهب اصول القطاع العام، واصدار قانون النظام المصرفي لعام 1991م والذي مكن لتجار الجبهة الاسلامويين ولمؤسساتها من الهيمنة علي قمم الاقتصاد الوطني، والتسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والاعفاء من الضرائب، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الاسلامية، والمضاربة في العقارات ( شراء ونهب الأراضي والميادين العامة كما حدث في أم دوم بضاحية بحري وبري والحلفايا ، والحماداب ، وبقية المناطق التي تطالب بعودة أراضيها كما في مطالب تجمع الأجسام المطلبية ، اضافة للهجوم علي الأراضي الزراعية وتحويلها لمخططات سكنية بتخطيط عشوائي لم يراعي كوارث السيول والفيضانات. الخ)، والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية، والاستيلاء علي مؤسسات تسويق الماشية، اضافة لنهب عائدات البترول والذهب والجبايات وافقار المزارعين، ودعم رأس المال الإسلامي العالمي، اضافة للاستثمار في التعليم والصحة والذي اصبح مصدرا للتراكم الرأسمالي.
- كما تقلصت اراضي السودان ، وكان من اكبر الخسائر في هذه الفترة انفصال جنوب السودان ، وتقلص مساحة أراضي السودان بفقدان 28% منها ،وفقدان 70% من الغطاء الغابي ، 75% من ثروة النفط ،، وتقلص الأراضي الصالحة للزراعة من 200 مليون فدان الي 160 مليون فدان،اضافة لفقدان ثروات معدنية ،ومياة عذبة وثروة حيوانية ووحشية وسمكية.
كذلك تمّ احتلال مصر لحلايب وشلاتين وابورماد ونتوءات وادي حلفا الأخيرة . الخ، واحتلال اثيوبيا للفشقة، وتأجير ملايين الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة لدول الخليج وغيرها لمدة تصل ( 33- 99 عاما) دون مراعاة مصالح الأجيال القادمة، والحفاظ علي المياه الجوفية الناضبة.

2
كما صدر قانون الاستثمار بتاريخ 31 يناير 2013 الذي ضمن للمستثمر استئجار الأرض لمدة 99عاما، كما ضمن القانون للمستثمر تصدير كل منتجاته بلا رسوم جمركية أو اجراءات إدارية كتفتيش البضائع المراد تصديرها.
كما تمّ تجاوز ما كان ساريا ما اشرنا اليه سابقا حول قوانين تنظيم ملكية الأرض في فترة الحكم الانجليزي من تحريم تمليك الأرض في السودان للاجانب، ومن حماية لاصحاب الأرض الاصليين.
في هذا الفترة تمت أكبر هجمة علي اراضي السودان الزراعية أدت لصراعات طبقية وقبلية وحروب، كما في الآتي:
- انتزاع اراضي الحواكير في دارفور علي أساس أن " الأرض لله" ، وتمت الابادة الجماعية في دارفور وحرق الاف القري والتي أدت في العام 2003 حسب احصائية الأمم المتحدة الي مقتل300 ألف مواطن " حاليا وصلت الي 500 الف" ونزوح أكثر من2,5 مليون " حاليا تجاوز 3 مليون نازح"، واحلال مستوطنين من الدول المجاورة في اراضيهم، والاسستيلاء علي اراضي قبائل الفور، ،. الخ الخصبة، ومناجم الذهب كما في جبل عامر وغيره، مما أدي ليكون البشير ومن معه مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية.

3
- في الفترة :" 2008- 2018 " ، وبعد الأزمة الاقتصادية لعام 2008 ، وخاصة بعد انفصال الجنوب وفقدان البلاد ل 75% من عائد النفط ، واحتياج حكومة البشيرلنهب موارد جديدة ، منح السودان ملايين الأفدنة لمستثمرين من السعودية والامارات وتركيا والصين والأردن، قطر،مصر ،لبنان، الكويت ، وسوريا، والتي استحوذت على مساحات شاسعة من الأراضي لإنتاج المحاصيل الغذائية والأعلاف الحيوانية مثل البرسيم ، والوقود الحيوي، فضلا عن تقلص مواردها المائية.
وهي في الواقع عملية نهب للاراضي لأنها تستنزف خصوبة التربة والمياه الجوفية في سلب واضح لحقوق المجتمعات المحلية التي تعتمد على الأرض في الرعي الزراعة للاكتفاء من الغذاء، رغم طلب الحكومة بتخصيص 25% من أراضي الاستثمار للمجتمعات المحلية الا أن ذلك لم يتم بالشكل المطلوب ، واستمر نهب أراضي السكان المحليين وطردهم من اراضيهم..
اضافة لشركات محلية لاستثمارها في مجال الأعلاف " البرسيم، الرودس.الخ"، واتتشرت مزارع ضخمة للاعلاف في مناطق العاصمة ( مثل مشروع السليت الزراعي بالخرطوم بحريشرق النيل ، مشروع جديد لإنتاج البرسيم في أم درمان غرب النيل ، شركة "تالا" السودانية شمال الخرطوم ، اضافة لمشاريع رجل الأعمال السوداني السوداني أسامة داؤود لزراعة الأعلاف لتغطية احتياجات مصانعه للالبان واحتياجات ولاية الخرطوم).
اضافة الي مساحات في ولاية نهر النيل التي تستثمر فيها شركات سعودية مثل مجموعة الراجحي التي تنتج نحو اكثر من 100 الف طن أعلاف ، وشركة "نادك" السعودية التي تدير مزرعة في كردفان تصل مساحتها 60 ألف فدان ، بجانب شركة أمطار التي صدرت في العام 2017 حوالي 200 الف طن أعلاف الي ابوظبي.
رغم أن زراعة الأعلاف تستنزف المياه الجوفية للبلاد وتهدد مستقبل الأجيال القادمة وتدمر التربة ، الا أنه لم يصدر قرار يمنع الاستثمار في الأعلاف بشكل نهائي، فضلا عن عدم استفادة السودان منها ، بل تصدر بكميات كبيرة الي الامارات والسعودية لتغطية احتياجات الدولتين منها، بدون نسبة للسودان منها، والمساهمة في تنمية مناطق الإنتاج مثل : التعليم ، الصحة ، البنيات الأساسية ، والطرق ، وتوفير وظائف للسكان المحليين ، ومشاركة الدولة بنسبة لاتقل عن 70% في تلك الشركات،علما بأن دول الخليج تعاني من انعدام الأمن الغذائي لذلك وتهدف لتغطية احتياجاتها من العلف ومحاصيل غذائية لدعم سكانها، علما بأن السعودية والامارات من أكبر مستوردي البرسيم في العالم مع كوريا الجنوبية وتايوان.

4
أشار تقرير "الاستيلاء علي الأراضي وتداعياته في السودان" في مايو 2020 ، بقلم : انيكا ماكجينيس وفريدريك موغيرا). كما في موقع
الي الآتي حول الاستيلاء علي الأراضي في السودان: Info Nile
- تم تنفيذ المشاريع الكبيرة التي من أجل الإنتاج الزراعي الصناعي للبرسيم بسبب أنتاجيته العالية وقيمته الغذائية. تبلغ الحصاد عشر مرات في السنة: يتم حصاد المحاصيل كل 30-35 يومًا بمتوسط إنتاج يبلغ 2 أو 3 أطنان للهكتار الواحد.
- يحتاج السوق العربي إلى حوالي 20 مليون طن من البرسيم ويتم إنتاج جزء صغير منه فقط على المستوى الإقليمي: ينتج السودان 5 ملايين طن. إمكانية التوسع في زراعة البرسيم في السودان هائلة. لهذا السبب ، تعد وزارة الاستثمار حاليًا دراسات جدوى لمشاريع البرسيم المستقبلية. بالنسبة للسودان ، فإن عرض الأراضي يعني الحصول على إجماع دولي ، والوصول إلى أسواق جديدة وابتكارات تقنية ، والأهم من ذلك ، مصادر جديدة للإيرادات من خلال إيجار الأراضي التي يمكن أن تطمئن استمرار النظام الحالي. بالنسبة للمستثمرين من القطاع الخاص ، فهذا يعني تحقيق أرباح كبيرة من قبل البلد المضيف الذي يضفي الشرعية على نشاطهم الزراعي.
–المشاريع الزراعية تتراوح أبعادها من 2000 إلى 100000 هكتار ، مروية بالمحور المركزية، والري المحوري المركزي هو طريقة لري المحاصيل حيث تدور المعدات التي تعمل بالكهرباء حول محور ويتم ري المحاصيل باستخدام رشاشات. يتم تروية المنطقة الدائرية المتمركزة حول المحور ، وغالبًا ما تخلق نمطًا دائريًا في المحاصيل عند مشاهدتها من الأعلى. لا تتطلب هذه التقنية إجراء عملية تنظيف عميق للأرض ، بل مجرد حد أدنى من التسوية التي تسمح للجهاز بالتحرك. إن إزالة رقائق الحجر والغطاء النباتي سريعة واقتصادية ، ولم يتم استنفاد السطح الأفقي للتربة. يمكن أن تختلف المحاور المركزية في الحجم ، والأكثر شيوعًا قادرة على ري 150 فدانًا. لا تتطلب هذه الميكنة الواسعة لدورة الإنتاج عددًا كبيرًا من العمال. يقوم المهندسون والمهندسون الزراعيون الهيدروليكيون بتنظيم الإنتاج بينما يكون الموظفون المتخصصون مسؤولين عن تشغيل الآلات الزراعية وصيانتها. الموظفون الأكثر تأهيلا هم من الخارج: المهندسون هم من الباكستانيين والسعوديين والأوروبيين ، في حين أن العمال الأقل تأهيلا هم سودانيون ولكن أيضا مصريون وكينيون وجنوب أفريقيون وفلبينيون. وعدد الوظائف المعلن عنها من قبل الشركات قليل بشكل عام.
كما كشف الخبير الدولي البروفيسور (باولو دودريكو) بجامعة فرجينيا في دارسة علمية نشرت في عام 2012 ، أن (23%) من الأراضي الزراعية في السودان تم بيعها أو إيجارها لمدد طويلة جدا لمستثمرين أجانب، وهى تبلغ حوالى (10%) من جملة الأراضي المستولى عليها على نطاق العالم، وان السودان هو رابع أكثر الدول في العالم تم الاستيلاء على أراضيها الزراعية (بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، اندونيسيا والفلبين)! ، وأكدت الدراسة انه لا توجد أي دلائل على ان الاستيلاء على تلك الأراضي كان وسيلة لتطوير الزراعة بجلب رؤوس أموال أو خلق فرص عمل، وانما هناك دلائل على فقدان التوازن البيئي وخسارة الدولة والسكان لمساحات ضخمة من الاراض الزراعية، بالإضافة الى خسارة المياه الجوفية التي تجمعت عبر ملايين السنين ولا يمكن تعويضها ( راجع اتفاقات الأراضي المنهوبة زمن الانقاذ ، مقال لزهير السراج ، الراكوبة : 14 / أغسطس 2021م).

5
- من الأمثلة للاستثمارات
المستثمر السعودي سليمان الراجحي الذي فاقت استثماراته مليار دولار علي رأسها مصنع للاسمنت ومشروع لزراعة القمح بدأت ب 60 الف فدان.
مشروع " أمطار" الإماراتي للشيخ محمد العتيبة غرب الدبة علي مساحة 130 ألف فدان ، واستثمرت فيه 95 مليون دولار .
شراكة " زادك" التي تقيم مشروعا في محلية جبرة في شمال كردفان علي مساحة 15 ألف فدان .
اعادة تحديث مصنع كريمة وتشغيل مصنع كريمة لتعليب الفواكه والخضار وإنتاج 400 طن يوميا بشراكة مع مجموعة القحطاني السعودية..
مشروع خزان أعالي عطبرة وستيت يتضمن ري مليون فدان انسيابيا ، وفرت السعودية 1,7 مليار دولار لهذا المشروع، ومُنحت السعودية مليون فدان لمدة 99 عاما بشرق السودان.
(راجع السر سيد أحمد: زمن التحولات (4/5) الفرصة الرابعة ، سودانايل ، 20 فبراير 2017).
- ارتفعت الاستثمارات الزراعية السعودية في السودان من 7% عام 2013 الي 50% في عام 2015 ، ويصل حجم الاستثمارات الخليجية في السودان نحو 23 مليار دولار، تعد السعودية أكبر مستثمر خليجي (حوالي 15 مليار دولار) ، حوالي 196 سعوديا يستثمرون في القطاع الزراعي بالسودان تتركز استثماراتهم علي الأعلاف والقمح والذرة ، أي أنها منتجات تهم السعودية سواء للأمن الغذائي للانسان أو للحيوان (موقع ساسا بوست، الخليج يتجه للسودان باستثمارات مليارية فما السبب؟، 25 مايو2016 )
وأخيرا ، بعد ثورة ديسمبر وقطع انقلاب اللجنة الأمنية لمسار الثورة ، استمرت سياسة الانقاذ في نهب الأراضي كما جاء في زيارة البرهان لتركيا في أغسطس 2021 والتي أعلن فيها تخصيص 100 الف هكتار لتشغيلها من جانب تركيا ( راجع الشرق الأوسط 14 أغسطس 2021)، والذي وجد استنكارا واسعا.
مما يتطلب استكمال مهام الثورة يتحسين شروط الاستثمار، ومراجعة كل العقود التي تصل مدة ايجارها 99 عاما.

alsirbabo@yahoo.co.uk
////////////////////

 

 

آراء