الصيدليات تصرخ.. وامعتصماه (1)

 


 

 


i.imam@outlook.com

الاجراءات الاقتصادية الأخيرة، وما ترتب عليها من اجراءات أثرت وستؤثر بصورة أكبر في أسعار الدواء، إذ لم يتم التحوط لها، بوضع تدابيرٍ عاقلةٍ وراشدةٍ، ومتفق عليها من الأطراف ذات الصلة بالقطاعين الحكومي والخاص ومع تكامل الأدوار سيؤدي ذلك إلى اخفاقات في الدواء، باعتبار أن الدواء سلعة إنسانية حساسة، ويسبب حساسية مفرطة ومزعجة للمواطن وللحكومات، ولكن من الممكن تحديد معالجات، شريطة أن تنأى عن المصالح الشخصية. ومن الضروري أن تتجرد فيها كل الأطراف المعنية بأمر الدواء من الشوائب، ليكون مصلحة المواطن والوطن هي المتيتغى من كل هذه المعالجات.
مما لا ريب فيه أن فشل القرارات الأخيرة والتدابير التي قام بها المجلس القومي للأدوية والسموم، نتيحة أنه لم يراع فيها الاجتهاد، وكان الاهمال فيها واضحاً. وسمعنا أن هناك قرارات أخرى تتعلق يإيقاف الرخصة (أ)، خاصة توزيع والزام شركات ومصانع الأدوية بالبيع فقط، لأصحاب الصيدليات بسعر المجلس دون تخفيض أو بدون منح "بونص" أي أدوية مجانية تُمنح للصيدليات، تختلف باختلاف الكميات المشتراة، ومع استثناء الجهات التي تتقدم للمجلس بطلبٍ يوافق على منحها تخفيضاً في الأسعار. وباستقصائي عن هذا الاستثناء، علمت من أخ صديق يعمل في المجال الصيدلاني، أن هذه الجهات الحكومية تشتري عبر عطاءات، وطالما ما أنها حكومية، هذا بضرورة يعني أن هذه الجهة هي الصندوق القومي للإمدادات الطبية، بحكم قرار رئاسي يلزم الجهات الحكومية بالشراء من الإمدادات الطبية عبر ما يسمى الشراء الموحد. مما يعني أن شراء الأدوية صار بذاكم القرار الرئاسي حكراً لتلك المؤسسة، ولم يحقق أهداف القرار الرئاسي ومقاصده. وهناك مخاوف من أصحاب شركات التوزيع والصيدليات، من أن الأمين العام الجديد للمجلس القومي للأدوية والسموم الاستمرار في قرارات الأمين العام السابق. فنحذره من الوقوع في اتخاذ قرارات مصيرها الفشل، كما فشلت تسعيرة العكد، وتذكيراً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لايلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".
وفي رأيي الخاص، أن الصيدليات وما أدراك ما الصيدليات، هي قبلة المواطن للحصول على الدواء، وهو حاجة انسانية ملحة وضرورية، ولكنه سلعة تُباع وتُشترى. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن هذه سلعة غير السلع الأُخر، لأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الإنسان، فلذلك يجب أن تكون في مقدور كل الناس، باعتبارها حقاً للجميع، الغني والفقير، وهذا ما تدعو إليه منظمة الصحة العالمية، وذلك كان شعارها في إعلان المآتا في عام 1978 (The Health Right for the All). وقد انعقدت كثير من الندوات والملتقيات بشأن ارتفاع أسعار الدواء. كما كانت هناك احتجاجات من قبل كثير من الصيدليات على هذه الزيادات المباغتة. ومن مخرجات وتوصيات تلكم الندوات والملتقيات كانت هنالك معالجات واقعية، بالنسبة لمرضى الشرائح المجتمعية الضعيفة، لا سيما الأدوية المنقذة للحياة. وعلى الرغم من أن هنالك مقترحات قُدمت كحلولٍ جيدةٍ، إلا أنها لم تلق حظها من الاهتمام والمتابعة. وأحسب أن أغلب وقفات ومواقف الصيادلة واعتصامهم لم يكن من أجل تحقيق مصالحهم أو المشكلات التي تواجه الصيدليات من جراء القرارات الأخيرة، إنما جاءت تعبيراً صادقاً من أغلبيتهم لمصلحة المواطن.
أخلص إلى أن، الصيدليات تبيع الأدوية للمترددين عليها، وفق نسبة أرباحٍ محددةٍ، وهي 20%. ويوجد في ولاية الخرطوم وحدها ما لا يقل عن 1980 صيدلية مجتمع، وهي الصيدليات التي تفتح في الشارع العام تقدم الخدمة للمواطنين، وعدد من هذه الصيدليات أغلقت أبوابها لفترةٍ محددةٍ، ابان قرار رفع الدعم عن الدواء، وذلك لإحساسهم بعدم مقدرة المواطنين، خاصة الشرائح المجتمعية الضعيفة على شراء الأدوية. والملحظ المهم هنا، أن معظم الصيدليات قبل قرار زيادة الأسعار أو بعده تعاني من قلة التردد على الصيدليات، وبالتالي انخفاض إيرادات الصيدليات، ولمعرفة ذلك وأثره، قمتُ بجولة لعدد من الصيدليات بلغت أكثر من 200 صيدلية التي تم اختيارها بمراعاة التنوع في إيراداتها، حسب المناطق ودخل المواطنين. وتوصلتُ لحقائق على عكس ما كنتُ أتوقع، حيث كانت توقعاتي السابقة بأن هذه الصيدليات تحقق أرباحاً كبيرةً، لوجود الأثاثات الجذابة ذات الألوان الزاهية. وكنت أرى ان تخفيض نسبة ربح الصيدليات هي أحد معالجات خفض الأسعار للمواطنين، ولكن محصلة نتائج البحث جاءت على خلاف ذلك. ووجدتُ أن الصيدليات تحتاج إلى زيادة نسبة ال20% لتستمر، ولكن السؤال كيف تستمر هذه الصيدليات في العمل، طالما أن نسبة ال20% لا تكفي مصروفاتها. وجاءتني الإجابة تُجلجل من أصحاب الصيدليات، وكانت مقنعة، حيث تستفيد الصيدليات من التخفيض الممنوح لهم عند الشراء أو البونص، وكما أسلفنا شرحاً للبونص، فهو أدوية إضافية تمنح مجاناً عند الشراء. ويختلف التخفيض في السعر والبونص، حسب الكمية المشتراة. وأن الكميات القليلة المشتراة لا تُمنح هذا التخفيض، ولكنها تتحصل عليه في حالة الشراء من الرخصة (أ) توزيع، التي أوقفها مجلس العكد، وهذه الشركات صاحبة الرخصة (أ) توزيع تمنح الونص، بغض النظر عن الكمية أي تتقاسم الرخصة (أ) توزيع ما يُمنح لها من تخفيض مع الصيدليات بأجلٍ معقولٍ في سداد فاتورة الأدوية. عليه يفضل أصحاب الصيدليات الشراء من الرخصة (أ) توزيع، وليس من الوكيل الرئيسي للأدوية.
وفي الحلقة المقبلة، سنثبت بالأرقام الحسابية والمرجعيات، من خلال نتائج جولتنا الميدانية على الصيدليات عامة، وعلى خبراء في مجال تشغيل الصيدليات، فمنهم الأخ الدكتور حسن بشير الجندي مديرعام صندوق الدواء الدائري بوزارة الصحة في ولاية الخرطوم، باعتبار أنه أكبر مُقدم للخدمات الدوائية في المستشفيات والمراكز الصحية بالولاية.

 

آراء