العبادي (20) يا ليل حظوظنا الجنّا…!!

 


 

 

لا نظن أن العبادي كان بعيداً عن لحن أغنيته (يا حليل رياضنا الغنا) لأن تنغيمها لا يمكن إلا أن يكون هكذا.. حسب معنى وجِرس مفردات القصيدة ومقاطعها وانتقالاتها...! ولا يمكن أن يكون قد تمت كتابة كلماتها بغير هذا الشجن الذي يصنع اللحن..وهي من أغاني الحنين والتشوّق إلى أيام وليالي يتم استحضار ذكرى بهجتها بافتقادها والبُعد عن مناخاتها..!! ولا بد أن العبادي كتبها أو استبطنها وهو بعيد عن مغاني أم درمان...!
والعبادي ذو ولع بضجة الحياة وليالي الأنس ومطارحة الهوى (حساً أو معنى)..! وهو (زول حياة)..لا يجد نفسه إلا بين الرفقة والمنادمة أو خلال تبادل التقريعات والمشاغبات في (طرف السوق) أو في مكاتب الشركات أو في مجالسة الأصدقاء من رموز المجتمع أو مع (ناس الله) العاديين في قاع المجتمع..! أغنية عن الحنين والتذكارات..وروايتها اللحنية تشير إلى هذه المعاني والأبعاد والأجواء..وسيشعر بذلك كل من يسمع هذه الأغنية حتى إذا كان لا يدري شيئاً عن لغتها ومفرداتها فهي ستولد ذات الشجن وذات الحنين حتى لو سمعها شخص من الجرمان والسكسون أو من الصقالبة والبربر ..!
شيء من الحنين والاسترجاع وكأنها قرينة رمية (القايمه بنبونه) التي يتمرجح بها عبد العزيز ابو داوود..!! لشد ما يعرف السودانيون مواطن الجمال والوصف العجيب للمرأة الحسناء في حِرزها ولطافتها ورقتها ونعومتها..فهي مثل البنبونه (قلب النبتة الداخلي الناعم الحريز) المُحاط بالعشبة الخارجية أوقشرة الأوراق والجزوع المُستعرضة التي تشكل الحماية لقلب النبتة الغض..أوهي القصبة النديّة الرويانة التي تنبت في مجرى الماء (مدالق السيل) أو في الحُقن ومجامع المياه..ومنها حكاية الحردلو وما فيها من (البورنوغرافيا):
البارح أنا و(قصبة مدالق السيل)
في ونسه وضحك لامن قسمنا الليل
وكتين النعام اتشقلنبو الخيل .. (مناورة النجمين هذه تحدث في الغسق)
لا بخلت ولا جادت علي بلحيل..!
أو رباعيته (الأكثر براءة):
البرح حديس الناس بِدور يفرِقنا
كلّو مرق كِضِب..عقبان صِفينا ورُقنا
الدغسا أم شلوخاً ستّه مالكه عِشِقنا
تتمايح مِتِل (قصبة مناصح الحُقنه)..!
ومنصح الوادي فصيحة والقواميس تقول:نصح المطر الوادي سقاه حتى اتصل نبته فلم يكن فيه فضاء..والحردلو يقول:
يا خالق الوجود أنا قلبي كاتِم سرّو
ما لقيت مَنْ يَدِرْك المعنى بيهو أبرّو
قصبة منصح الوادي المخدِّر دِرّو
قعدت قلبي تطويَ..وكل ساعه تفرّو..!
العبادي على هذا الصعيد يقول في إحدى (رمايته):
جات تتمايل (العرجونه) / البي هوى النفوس معجونه
قول لي اهلنا ما ترجونا / ما بضوق السراح مَسجونا
**
آه من طلعتا البدريّه / واعضاها (اللطيفة طريّه)
فاها من الفظاظه بريّه / يتلالأ كأنو ثريا...!!
كان علي المك وحسن ابشر الطيب عندما يستبد بهما الطرب ويغمرهما الحنين لسماع (القايمه بنبونه) يقول احدهما لـ(أبو داوود) يللا بالله سوي لينا (the growing bud) فينطلق أبو داود الذي أدرك (بالسليقة) وبذكائه الفطري ولماحيته ما يطلبان:

القايمه بنبونه..
الواشي ما جاب لي.. ذِكرى في فنونا
ما بريد دونا
.....
.. يا كريم هوِّن..خلنيشويه
انقر التلفون كان يرد ليا
كان يرد ليا..
عرضحالي التام حُجة مدنيه
وينو لي تومي ..والله شال نومي...!
......
شتلة المِشرِق...باردة ما بتشرِق
المنوسِر بيَ... شلخِك المفرِق
ما بريد دووووووونا
**
وكذلك يتدفق العبادي بالحنين وشلال الذكريات:

يا حليل رياضنا الغنا / صداح هزارا الغنا
**
عمل الدهر فيّ عَمله / وجرّد عليّ الحمله
فارقت دورِن جمله / تفرغ عيوني وتملأ
**
ذكري الحبيب عاطراني / كبت دموع ماطراني
الذمّا والأطراني / سيانَ..لو يطراني..!
**
يا ريتو لو وافاني / قبل اندرج في اكفاني
انا كنت اعدّو لفاني / وما كان منامي جفاني
**
يا مي خيالك جاني/ جُنح الظلام ناجاني
حرّك عليّ اشجاني / والجاني يا ناس جاني..!
**
مُر يا نسيم بي جاري / واحكيلو كل الجاري
قول ليهو دمعو الجاري/ في خدودو سوى مجاري
**
شلخو الحسامي وخالو / ورمز الصليب فيَه خالو
بي روحي لو اسخالو / نورعين حياتي أخالو
**
فُقتي الحضر والبادي / فقت الختَم والبادي
نورك يرِف عبادي / يمطر جَمُر في اكبادي
**
طبعاً كان العبادي قد بدأها بمعاتبة الحظ:

يا ليل حظوظنا الجنّا / طرفك علينا تجنّى
أخرجنا من الجنّه / وفي نار هواها سجنّا

murtadamore@yahoo.com
//////////////////////////

 

آراء