اللون البنفسج هو لون الثورة

 


 

 

الموسيقار الوطني المثابر، والشاب المنافح من اجل كرامة الانسان السوداني – مصطفى سيد احمد - الذي وافته المنية وفارق الحياة، وهو ما يزال في ريعان الشباب، له ملحمة غنائية وثورية وملهمة ومتمردة اسمها (بين مريم الاخرى ومريم المجدلية)، فمريم الأخرى هي أم المسيح التي تمثل قمة هرم الطهر والعفاف والخلق والأخلاق، أما المجدلية فكانت رمز للخطيئة ونموذج يحتذى للقديسة التائبة، لذلك جاءت هذه الملحمة الغنائية مشحونة بشجن الذنب والفأل الحسن للعفو والتسامح، ومدخل للحل ومخرج من ماخور الرذيلة ومنقذ من نفق الجريمة، هذه الملحمة لا يعي ولا يعلم تفاصيل معانيها ومدلولات تعابيرها إلّا الراسخين في علم الرمز، ما ورد بهذه الأهزوجة المصطفوية السائدة من وصف للهوية السودانوية باللون البنفسج، ما هو الا دلالة على التنوع الثقافي والثراء التعددي الاجتماعي لهذه الأمم والشعوب التي احتشدت بهذه البقعة المعلومة، واللون البنفسج هو ذلك اللون الجامع والمازج لكل الألوان، والصاهر لها داخل قدر قدير تغلي سوائله وتعلو ابخرته ويتناثر رذاذ فورته، إنّ هذا اللون الفريد الذي يتخذه العاشقين ديدناً ودليلاً ما كان له أن يحظى بهذا الاحتفاء لو أنه افتقر لخاصية خلط المتناقضات داخل صحن واحد.
المحاولات البائسة للون الاحمر القاني والمجهودات اليائسة لأن يعتلي المنصة رغم أنف الالوان الأخرى، ماهي إلّا اجتهادات معزولة تمني النفس بالحؤول دون وصول هذا اللون البنفسج – الخليط – الى كلمة سواء، و الحصول على جملة كاملة ومفيدة ترسي دعائم هذا المجتمع البنفسجي، ولكن بربكم قولوا لي، من يهدي هؤلاء الرافعين لهذه الرايات العلياء والحاملين للاعلام الحمراء؟، إنّه السؤال الذي اعيا الحكماء واتعب الاطباء منذ الناسع عشر من يوليو من العام الف وتسعمائة وواحد وسبعين، الاستفهام المفروض علينا هو: لماذا يحاول العاشقون لهذا اللون الخطر الخروج من بوتقة الألوان الأخرى المجتمعة؟، لم لا يستمعون لهذه الملحمة البنفسجية الهادرة الملقاة من افواه عرّابي مدرستهم الثقافية والفكرية والسياسية المعروفة؟، ارجو أن لا تكون الغيرة هي أحد مبررات وقوفهم ضد المشروع المتوافق مع الألوان الأخرى، إنّ الموروث والتقليد العتيق لهذه الأمم خرج من رحم هذه النفس المشبّعة بقيم التسامح والتراجع الحكيم، ولن ولم يركن لأي منظومة تتخذ من الفكر المستورد منطلق ومبدأ، فقد نشأ جيل وترعرعت اجيال أخرى تحت وصاية الإعلام الحر الجريء الصادع بالحق دون وصاية.
الوضع الآن يفرض على الناس التحلي بصبر أيوب والتمسك بحكمة لقمان، وإلّا لراحت البلاد ورحنا نحن في (شربة ميّة) كما يقول المثل من لدن جارنا الشمالي، ولو القينا البصر وهو فطير على مآلات الاوضاع الراهنة لقمنا بلوم انفسنا قبل أن نلوم أحد من هذا الفريق او ذاك، وهذا اللوم المصوب لأنفسنا ولجميع الفاعلين في الساحات المحلية والاقليمية والدولية، تفرضه مخرجات السنتين الماضيتين اللتين اعقبتا اسقاط الدكتاتور، وعند التدقيق في هذه المدة الزمنية القصيرة لشهدنا خطيئة التشاكس الفوضوي وغير المبرر التي ارتكبتها الطبقة السياسية الانتقالية – عسكريه ومدنية – ولوصلنا لقناعة راسخة بأن جريمة الشروع في نحر الحكومة المدنية اسهمت فيها القوى المشتركة من هاتين القويين، وإلّا، لماذا صمت الجميع وكيف سكتوا؟ عن مجريات الاحداث الداعمة لنحرالتحول الديمقراطي المشترك فيه هذان الطرفان؟، إنّ الشفافية تفرض علينا مواجهة رموز الحكم الانتقالي الذين سوف يستوزرون بعد هذا التراجع الواضح لهؤلاء الانقلابيين، منصاعين للضغط الثوري لهذه المليونيات الجماهيرية الهادرة، ولهذا الدور الدبلوماسي الفاعل للنفوذ الدولي.
الثورات السودانية المجيدة - الاكتوبرية والابريلية والديسمبرية - لونها هو اللون البنفسج المعتلي لشكل الهوية السودانوية الجامعة، ولا يمكن أن يحتكره أحد من الآحاد، ولا يستطيع أن يعتقله فرد من الأفراد، ولن يقدر أن يوجهه جناح من اجنحة الاحزاب، وما أهلك اقوامنا الذين من قبلنا إلّا الانتهاز والتسابق والتكالب، نحو تسجيل شهادة الملكية الحصرية لهذا العمل الثوري التراكمي المتكامل، الذي اسهم في تحقيقه الجميع اسهاماً فاعلاً دون استثناء أو فرز، من اجل، وباسم، فئة قليلة من الحزبيين والقبليين والجهويين والدينيين والعقديين والمناطقيين، فكما لمريم المجدلية من الخطيئة ما يشيب له الولدان، ايضاً لمريم الأخرى من الطهر والعفاف ما تذهل عنه كل مرضعة عما ارضعت وتضع عنه كل ذات حمل حملها، دعونا نلملم الجراح لنقود عملاً تصالحياً مشتركاً لا يدين خطيئة المجدلية التائبة، ولا يحط من قدر العفيفة الشريفة مريم الأخرى.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء