المشهد الداخلي لهروب قتلة غرانفيل من سجن كوبر العتيق

 


 

 


asaadaltayib@gmail.com

(الحلقة السادسة)

كان يدير السجن في تلك الأيام طاقم يقوده اللواء محمد إبراهيم الذي أختير قبل شهور قليلة من حادثة الهروب الكبير واستطاع خلالها أن يكسب حب السجناء لما يتسم به من طيبة وحنكة وحكمة وبعد إنساني وقد كان قريبا من مشاكل النزلاء، كان يقول لهم إن مهمته إنسانية قبل كل شيئ كان مستمعا جيدا يتميز باللطف وروح المرح ورغم ذلك فقد كان مهابا قوي الشخصية ويدرك عمله جيدا لم يكن يجد بأسا في إقامة ندوات ومحاضرات للنزلاء يحكي من خلالها ذكرياته في العمل وفلسفته في الإدارة والحياة كنا نتحلق حوله بحب كلما زارنا في مروره الأسبوعي الذي كان يحرص عليه أو كلما أقمنا أسبوعا رياضيا أو ثقافيا أو ترفيهيا وكان حضورا فيه، أفصح لنا عن هلاليته وحبه للرياضة، في تلك الليلة وبعد هزيمة المريخ كنا نترقب أن نلتقي به لنتمتع بلطفه ومداعبته للمريخاب ولكنا لم نلتق به بعد ذلك فأصابنا أسى وحزن. بعد أن تأكد لنا الهروب الكبير في تلك الليلة أحسسنا أننا سنفقد هذا الرجل الفاضل لأننا ندرك أن ما سيحدث من تحقيقات وما يليها من تداعيات ستصيبه ومن معه من طاقم الإدارة والإدارة المناوبة برشاش وهذا ما حدث فعندما تم إيقاف الرجل عن العمل بل وفصله بعد ذلك شعرنا بألم عميق وبعد شهور سعدنا غاية السعادة بخبر براءته وإعادته برتبته برئاسة السجون وكان هذا قرارا عادلا وصائبا من المحكمة العليا فما حدث لا يمكن أن يكون مسئولا عنه سعادة اللواء محمد إبراهيم فقد كان قدرا رهيبا وحادثا إستثنائيا. كنا نتوقع إجراءات مشددة عقب الهروب الكبير بعد أن تواصلت زيارة وفود التحقيقات لمسرح الحادث ولكن شيئا من ذلك لم يحدث وهذا يعود لروح العمل الجديدة التي أضحت تصاحب الإدارة العامة للسجون وظل مديرها الحالي اللواء الإنسان أبوعبيدة محافظا عليها، والذي حدث أن المحققون إستدعوا بعض النزلاء الذين كانت لهم علاقات مع الهاربين من أجل جمع الإستدلالات وكان من ضمنهم صديقي وصديق الهاربين الذي إستدعوه على خلفية ذلك الحادث الذي بسببه تم نقله من قسم الرحمة إلى قسم المدرسة وشمل الإستدعاء ذلك الإمام النزيل والمتفقه في الدين الذي كانوا يصلون خلفه ويناقشونه في بعض أمور الدين والنبطشية الذين كانوا يدخلون لهم التعينات من الطعام والحلاق المصري الذي حلق لهم رؤوسهم وقد وضح أنهم كانوا كرماء مع هذا الحلاق ففي يوم هروبهم أهدوه جلبابا ووقعوا عليه توقيعا للذكرى كما أهدوه كرسيا أنيقا كانوا يستعملونه وقالوا له إن هذا المقعد سيفيدك في عملك وقد كان ذلك ضمن خطتهم بالتخلص من كافة متعلقاتهم الموجودة في قسمهم (جيم) وعندما عرفنا ذلك بدأنا نداعب زميلنا النزيل الحلاق المصري مستغلين خوفه من التحقيقات كنا نسأله:
- من فين الكرسي بتاعك ده يا بن النيل إتكلم وإلا حانضربك على قفاك؟! ثم نقول له: توقيعات مين اللفي جلابيتك دي يا وله؟!
ثم نضحك ومن الطرائف أن زوجة صديقنا وصديق الهاربين إتصلت به وسألته:
- إنشاء الله أصحابك ديل يكونوا ساقوك معاهم..!
فقال لها والخوف بعينية:
- خلاس أقفلي السماعة يا ولية رقمي ده إمكن يكون مراقب..! وقد ظل السجناء يتداولون ما قالته إحدى الزوجات لزوجها النزيل:
- إنتا كان دايرني بالجد كنتا قديت الواطة دي وجيتني زي ما الرجال قدوها..!
على كل لم نعد نسمع شيئا عن التحقيقات الجارية سوى ما كان يسمعه العامة وإن كان يرقد في داخل أنفسنا أسف عميق فقد فقدنا إدارتنا المحبوبة، كنا نرى رجال الدفاع المدني بلباسهم الامع وخوذاتهم المميزة يدخلون مع إناراتهم وكلبهم المدرب إلى القسم (جيم) ويختفون داخل النفق بحثا عن أدلة تساعد التحقيقات على أن رواية عجيبة سمعناها من أحد النزلاء أثارت إنتباهنا وهي قصة ذلك الثعبان الضخم الذي إعترض طريق الهاربين داخل النفق فتسمروا في أماكنهم وقبل أن يثوروا عليه ويقتلوه أخذ مهند يخاطبه قائلا:
أسألك بالله الذي لا إله إلا هو أن تغادر هذا المكان إن كنت مؤمنا وكررها ثلاث مرات. فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن لهذه البيوت عوامر فإن رأيتم فيها شيئا فحرجوا عليها ثلاثا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر. فقال أحد النزلاء من أصحاب اللطف: طيب غرانفيل ده ما كانوا يحرجوا عليه في الأول..! على كل إستمر الراوي وقال: لم يلبث الثعبان أن غادر المكان بهدوء مفسحا لهم الطريق نحو غطاء المنهول فرفعوه وتسللوا إلى الحرية وإلى حيث كان ينتظرهم معاونهم وأحد أعضاء تنظيمهم أحمد جعفر محمد خلف مقود سيارة والدته الآكسنت. يتبع.

 

آراء