المغرب خطوات في طريق الإصلاح السياسي وتجذير التنمية

 


 

غسان عثمان
1 August, 2022

 

وجه جلالة الملك محمد السادس – ملك المغرب - خطاباً بمناسبة الذكرى الثالثة والعشرين لتربعه على العرش، وقد جاء خطابه في هذا العيد مرتكزاً على جملة توجهات نهضوية استطاعت المملكة المغربية أن تجذر حضورها، وتأسس لها على مستويات عدة، ومن هذه التوجهات العمل بحرص على النهوض بموقع المرأة المغربية اجتماعياً واقتصادياً، طمعاً في توفير الأجواء المساعدة على تحسين ظروفها وفتح الآفاق لتمكينها من القيام بواجباتها الاجتماعية بالصورة الأمثل، ويأتي إصدار مدونة الأسرة والتي اعتمدت على دستور العام 2011م كأكبر الفتوحات التي وفرت للمرأة حقوقاً على رأسها المساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل، إذ بموجب هذه المدونة سعت الدولة المغربية إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة في المجتمع، ولكن الامتيازات التي توفرت للمرأة في المجتمع المغربي لم منحة أو عطية مجانية، وإنما هي التدبير العملي لمنحها حقوقها القانونية والشرعية، وأنه لم يعد من الممكن أن تُحرم المرأة من حقوقها، وتحرص المؤسسات الدستورية الموكول لها حقوق الأسرة والمرأة على أن تقوم بدورها في بناء الآليات وصياغة التشريعات لإنفاذ هذا النهوض بالمرأة وحقوقها.
لكن ورغم وجود المدونة فإنه لم يفت على السياسة الملكية الانتباه إلى أن ثمة عوائق تقف أمام استكمال تجذير هذه المدونة، ومن هذه العوائق أن التطبيق لها لم يكن على المستوى المطلوب وقد يكون من أسباب ذلك جملة عوائق اجتماعية حالت دون التطبيق الفعّال لبنود هذه المدونة، وكانت الإشارة الأدق وهي أنه لا ينبغي النظر إلى مدونة الأسرة باعتبارها خاصة بالمرأة فقط، فهي ليست للمرأة دون الرجل، ولا الرجل دونها، وإنما هي مدونة الأسرة كلها والتي تسعى إلى تحقيق التوازن الاجتماعي وتوفير الحقوق لعناصر الأسرة كافة، وقد شدد الملك في خطابه بضرورة التزام كافة المؤسسات بالتطبيق الصحيح لهذه المدونة لما في ذلك من تعميق مظاهر النهضة الاجتماعية في المجتمع المغربي.
وتنبني السياسة المغربية في النهوض بالمرأة على تعزيز الوضعية القانونية والتشريعية لمدونة الأسرة، ذلك فإن الهادي إليها هو التزامها بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء، مع الأخذ في الاعتبار الخصوصية الثقافية لمجتمع المغرب، كل ذلك مع اعتماد الاجتهاد المعتدل والمنفتح في جو من الحوار تستطيع المؤسسة الاجتماعية في المغرب به أن تعظم من تطبيق هذه المدونة.
ولما كانت جائحة كورونا هي التحدي الأكبر الذي واجه العالم، فقد كانت المملكة المغربية على قدر التحدي إذ تنبهت إلى التأثير السالب الذي أصاب الفئات الأكثر هشاشة اقتصادياً واجتماعياً، ولذا تبنت المملكة تدابير مكنتها من اجتياز هذه المرحلة بصورة كشفت عن الاستعداد القوي والإرادة الفعالة لمجابهة التحديات، ومن الأدوار التي قدمتها الدولة لصالح مواطنيها المساعدات المادية المباشرة للأسر المحتاجة، والدعم المباشر للقطاعات الأكثر تضرراً من الجائحة.
ومع إشارة الخطاب الملكي للتدابير التي اعتمدتها السياسة المغربية لمواجهة التداعيات الاقتصادية والصحية في ظل الجائحة التي أثقلت كاهل الدول الكبرى ووضعتها أمام اختبار إنساني صعب، فإن المملكة كانت من الدول الأولى التي قامت بتوفير اللقاح مجاناً لجميع مواطنيها والمقيمين فيها، هذا مع عملها الدؤوب لتأهيل المنظومة الصحية بالبلاد ما انعكس إيجاباً على الشعب المغربي وانخراطه في نظام التأمين لمواجهة آثار الجائحة.
وفي ظل الاحتفال بعيد العرش فإن المتابع للتطور السياسي في المغرب سيقع على التوجهات العليا له في قضية العلاقات مع الشقيقة الجزائر والتي تسعى لإصلاح العلاقات الثنائية نزولاً عند أواصر الإخوة لبلد شقيق لا تجمعه مع المغرب الحدود بقدر الصلات الضاربة في القدم والتي تكشف عن وحدة المصير، وقد حرصت المملكة المغربية على اعتماد التواصل والتفاهم مع الجارة الجزائر، وعبرت أكثر من مرة أنها تمد أياديها بيضاء من غير سوء لبناء المستقبل؛ مستقبل تكون فيه الرابطة الأخوية والمصالح المتبادلة هي جوهر العلاقات بين البلدين، وأن شعبا المغرب والجزائر بينهما من الروابط ما تعجز الخلافات السياسية الطارئة عن القفز عليه، فالشعبان يمثلان الهوية المغاربية الكبرى والتي وإن فصلت بينهم الحدود إلا أنها تظل رابطة لا يمكن فصمها أبداً طالما أن حسن الجوار هو الذي يحرك السياسة المغربية تجاه أشقائها، أما دعاة الفتن والذين يعملون على تخريب وجدان الشعبين فإنهم لن يجدوا منفذاً لهم بين الأخوة، وأنه لا إمكان البتة للإساءة إلى الجزائر إذ تظل هي الشقيقة والتي تسعى المغرب إلى تعزيز التقارب والتواصل بين الشعبين، وأن أيادي المغرب ممدوة للحوار المفضي إلى بناء علاقات حسن الجوار تحقيقاً لمصالح الشعبين، واستثماراً لروابط المصير المشترك حتى بلوغ الهدف النبيل من تحقيق النهضة للبلدين والتكاتف من أجل ذلك.
إن المملكة المغربية تقدم نموذجاً عظيماً لما ينبغي أن تكون عليه الدولة الحديثة، فهي تضع مصالح مواطنيها في المقام الأول، ولا تتدخر جهداً لصالح تحقيق هذا الهدف، وهي السياسة التي ينتهجها جلالة الملك محمد السادس وهو يضع لبنات النهضة الاقتصادية والاجتماعية كهادي رشيد لسياسة مملكته، وهي سياسة أتت أكلها في التطور الذي تحققه معدلات التنمية في البلاد، وكذلك السياسات الخارجية التي تتسم بالعمق والتوازن وتقديم مصالح الشعوب على غيرها من مكاسب الدبلوماسية، ولذا فإن المملكة المغربية بحكمة قيادتها ورسوخ مبادئ العدالة تعمل جاهدة لتجذير الإصلاح داخلياً وفي الوقت ذاته المساهمة في تحقيق استقرار القارة السمراء وذلك بفضل السياسات الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس.
إن من يتتبع الظاهرة الاجتماعية المغربية سيقع على تطور ملفت لتوائم بين الحداثة والأصالة استطاع به المجتمع المغربي أن يخطو خطوات واسعة في ملف الإصلاح الاجتماعي، وهو إذ يقوم بذلك فإنه لا يعمل إلا في إطار من الموائمة بين مظاهر الحداثة الإنسانية الراهنة وتبيئتها على الخصوصية الثقافية لمجتمع قديم يملك من القيم ما يؤهله لبناء حداثته الخاصة.

 

ghassanworld@gmail.com
////////////////////////////

 

آراء