برنامج انتخابي .. طائر!!

 


 

علي يس
7 February, 2010

 

 

معادلات

 

       وحين يَدِلُّ المؤتمر الوطني بإنجازاته الكبار ، على سوح التنمية  والبنيات الأساسية ، من نفط وطرق وجسور وسدود وغيرها مما لا سبيل إلى جحده ، ربما لا يجد منافساً كفؤاً في (سوق) الانتخابات .. ولكن كل تلك المنجزات لا تصلح (برنامجاً) انتخابياً ، لأنها موجودة على الأرض ، سواءً بقي الذي أنجزها أم مضى كما مضى عبود ، الذي أنجز خلال سنواته السبع الشموليات للسودان ما لم ينجزهُ كل الذين قالوا في وداعه (أصبح الصبح ، ولا السجنُ ، ولا السجانُ باق...)..

       ولئن بدا  ل"حكيم" المؤتمر الوطني أن يجادلنا ، بقوله أن من عرف الشعب إنجازه في ما مضى ، حريٌّ بأن يُنجز ما وعد ، في ما يلي ، قلنا لهُ صدقت بعض الصدق ، ولكن ليس كل ما ينتظره الشعب طرقاً وسدوداً ونفطاً ، خصوصاً وأن التحدي الأول الذي كانت الانقاذ قد طرحتهُ على صعيد التنمية ، وبعد إنهاء الحرب مباشرة (إنهاء الحرب هذا ، الذي تحقق في ما يرى البعض ، ولكن بثمن ثقيل) ، ذلك التحدي كان تحقيق التنمية الزراعية إلى حد الاكتفاء الذاتي (أن نأكل مما نزرع) وتحقيق التنمية الصناعية إلى حد أدناهُ أن (نلبس مما نصنع).. تلك البرامج الطموح  التي طالما غنينا لها ، حتّى طاف عليها طائفٌ من الشيطان  فجعلنا نستزيد من القمح الأمريكي ، والملبوسات المستوردة!!

       هذا ، ويرى كثير من خبراء الإقتصاد ، أن تحرير السوق الذي جرّ تحريراً للتعليم وتحريراً للعلاج ، هُو إجراءٌ لم يكن منهُ بُد ، وأن له – بجانب منافعه الكثيرة – مساويء لابُدَّ من تحملها ، خصوصاً وأن حكومة الانقاذ – المؤتمر الوطني –  قد اجتهدت في تلافي آثاره السوالب  على القطاعات الضعيفة بمشروعات جديرة بالتقدير ، كالتأمين الصحي ، و"مجانية التعليم الأساسي"  وهي مشروعات ، مع نبلها ، عامرة بالكثير من الثقوب ، التي ما يزالُ الاجتهادُ جارياً لرتقها .. ومع ذلك يرى إقتصاديون آخرون أن هذا التحرير قد أناخ بأعباء عظيمة على الفئات الضعيفة ، وجعلها لا تذوق طعماً للنفط ولا تتنفس الصعداء على ضفاف بحيرة  سد مروي أو على شرفات جسر المنشية ..

       ولكن الكثيرين جداً من غمار أبناء هذه الأمة ، والذين يرون في المؤتمر الوطني  أفضل السيئين حتى الآن ، من الممكن أن تتقدم نظرتهم هذه خطواتٍ كبيرةٍ إلى الأمام ، ويكون وقوفهم إلى جانبه كاسحاً ، إذا وجدوا في برنامجه الانتخابي ما يجزم بوقفةٍ صارمةٍ بوجه الفساد ، خصوصاً  و أن كثيراً من أوجه الفساد التي لاكتها الصحف ووسائط الاعلام ، قد لاقت تهويناً غير لائق ، بل وتبريراً أحياناً ، من بعض رموز المؤتمر أو المحسوبين عليه ، وذلك توجه جد خطير ..

       وآخر ما يملأ النفوس غمَّاً ، ما يروج عن واقعة احتيال ضخمة ، ضحيتها جهازنا المصرفي ، وهي واقعة تذكرنا – ذكرى أليمة – بوقائع احتيال عديدة تعرض لها جهازنا المصرفي بواسطة محتالين هُم إما غُرباء وفدوا من خارج الحدود بهيئة (مستثمرين) أو هُم (محتالون وطنيون) مثل بطل واقعة الاحتيال الأخيرة التي تتحدث عنها المنابر !! والسؤال الجوهري الذي يحشر أنفه هو : أليس في تعدد حوادث الاحتيال هذه ، وسذاجة "الاجراءات" التي يتم عبرها التصديق بقروض مليارية ، إلى حد أن يتمكن أحدهم من تقديم مستندات مزورة بملكيته مخازن وعقارات يعرف الجميع أيلولتها إلى  شخصية شهيرة في عالم المال ، أليس في سذاجة إجراءات كهذه ما يؤكد أن "السلطات" المسؤولة عن التصديق بقروض كهذه ، والوقوع (ضحايا) لاحتيالٍ كهذا  ، ليست فقط مجرد "رجال بلهاء"!!

       إن المطلوب ليس أن يتولى شأننا ملائكة ، وليس المطلوب تقليص حجم الفساد المالي والإداري إلى "صفر" ، المطلوب فقط ، أن يجد الناس  من ردود فعل السلطة الحاكمة  تجاه الفساد ، ما يؤكد لهم أن الفساد ليس محميَّاً ، ولا هو  مختلف حوله ، ولا هو  ثانوي في سلم الأولويات .. حين نجد من المؤتمر الوطني غضبةً  مثل غضب سائر الناس تجاه الفساد ، غض البصر عمّن يُنسب إليه ذلك الفساد ، حين يرى الناس أن الذين يهوِّنون من شأن الفساد من محسوبي المؤتمر الوطني قد تم إسكاتهم ، وحين يرون أن نبرة الحديث عن الفساد تحمِلُ تصميماً على اجتثاثه ، وحين يبدأ المؤتمر الوطني بإضافة إنجازٍ عظيم إلى قائمة إنجازاته الكبيرة – قبل الانتخابات ، وكعينة ممَّا ينوي فعله إن عاد حاكماً بعد الانتخابات – يتمثل في إجراءات صارمة تجاه الفساد ، إجراءات مثل إقالة قادة المؤسسات التي رفضت الخضوع للمراجعة المالية حسب تقرير المراجع العام الأخير ، وحين يرى الناس أن المؤتمر الوطني بدأ بمراجعةٍ صارمة لقيادة الجهاز المصرفي الذي استمرأ دور  القروي المخدوع بواسطة المحتالين ، حين يرون موقفاً كهذا ، فإنه لن يجد الناس في سوق الانتخابات بضاعةً انتخابية أثمن من بضاعة المؤتمر الوطني !!..

       مكافحة الفساد ، في أيٍّ من صوره ، برنامج انتخابي "طائر" يستطيع المؤتمر الوطني اصطياده ، ويستطيع أن يرفع به أسهمه عالياً ..

ali yasien [aliyasien@gmail.com]

 

آراء