بريطانيا.. اللجوء للشعبوية في مواجهة طالبي اللجوء 

 


 

 

(لا أحد يغادر الوطن، ما لم يكن الوطن كفك القرش)

من قصيدة "الوطن" للشاعرة الإنجليزية الصومالية الأصل وارسن شاير

 

ما تنوي أن تقدم عليه الحكومة البريطانية بحق المهاجرين الذين جازفوا بحياتهم للوصول لما ظنوا أنها مرافئ آمنة، يُعد سابقة خطيرة في التعامل مع قضايا اللجؤ واللاجئين،  كما و يُعد ميل مريب  لحالة شعبوية ترفض الآخر، تتعالى عليه وتحرمه الاقتراب منها  قبل أن تتعرف على مكنوناته الإنسانية. وتجسد  نوعاً من رهاب الأجانب Xenophobia  يستبطن في دخيلته  تعالي العرق الأبيض، وعقلية التفوق التي لا تستنكف أن تُوصد الأبواب في وجه من تعتبره عالة على ذلك التفوق المهيب... إن إتفاق الحكومة البريطانية مع دولة  رواندا في صفقة "لإستقبال"  اللاجئين يحول دولة رواندا لمكب بشري  Dumping place.  فالمهاجرون الذين يعبرون بحر المانش أو الذين يتسللون لواذاً عبر الحدود في أوربا بعد أن يركبوا كافة أنواع الأخطار،  لم تكن   بوصلة اتجاههم تغفل عن موقع رواندا الجغرافي. ولا داعبت خيالاتهم المفرطة في الأماني ما يغرّهم ويغريهم بأن فردوسهم المفقود يقبع مطمئاً في شرق القارة السمراء. فهم يعرفون الفوارق بين دولة تقع في منطقة  البحيرات العُظمى و بريطانيا "العُظمى"

إن خطوة بريطانيا المزمعة تُعد انتهاك لما إستقرت عليه الممارسة الدولية فيما بات يُعرف بالحلول الدائمة Durable solutions  لمشكلة اللاجئين المتمثلة  في  خيارات ثلاث يكون للاجئ فيها  الحق الأساسي في اختيار أياً منها. وهي العودة الطوعية Voluntary repatriation وتكون في الأصل للوطن الأم في حال كانت الأوضاع مواتية بحيث يضمن اللاجئ انتفاء الأسباب التي دفعته لخيار اللجؤ بشرط أن تضمن له العودة بعزة وكرامة. الخيار الثاني الاندماج المحلي Local integration وهو خيار مرتبط بعوامل متعددة منها التركيبة الثقافية  والاجتماعية والاستعداد النفسي للاندماج في المجتمع المضيف، كما و يرتيط بقضايا معقدة مثل قضايا الهوية ومشكلات الذوبان في المجتمع المضيف. و أخيرا خيار إعادة التوطين Resettlement وهو نقل اللاجئ من بلد اللجؤ الأول لدولة ثالثة بعد موافقتها على إعادة توطينه واعطائه الجنسية وحق الإقامة.

إن الصفقة التي عُقدت بين بريطانيا  ورواندا علاوة على ما بها من إتجاه مريب Fishy ، فإنها في حد ذاتها يمكن أن تحسب ضمن ما يصنف بتهريب البشر من حيث أن بريطانيا تود أن تكافئ رواندا بهذه الصفقة بدفع بعض الأموال مقابل قبولها إستقبال هؤلاء البشر . كما أنها من جهة أخرى تعد إتجاه عقابي جديد بترحيلهم لدولة رواندا فيما  يمكن أن يُعتبر (منفى قسري Forced exile) وقد تعمدت بريطانيا ألا تعطي صفة اللجؤ لهؤلاء المهاجرين المستهدفين بهذا التوجه القميئ،  وحرمانهم من كل ما يمكن أن يتمتع به اللاجئ من حقوق... وقد إدعت  أنها بهذا التوجه تعمل على محاربة الإتجار بالبشر. فالإتجار بالبشر كمصطلح مستخدم يحتاج لمزيد من إمعان النظر في محتواه وتصنيف حالاته التي تختلف من حالة لأخرى، غير أنه كظاهرة عابرة يمثل مشكلة لها أسبابها التي تفرزها،  ويمكن معالجتها في العديد من الأطر الأخلاقية والقانونية والاقتصادية شريطة أن تصدق النوايا في تلك المعالجات بمحاولة ايجاد حلول مستديمة في البلدان التي تفرز هذه الظاهرة.

إن لجؤ بريطانيا لخيار المنفي القسري للمهاجرين أو اللاجئين أو أياً ما كانت صفتهم،  هو  نزوع شرير مُغرق في الشعور بالذاتية، يخالطه قدر كبير من الجور والحيف في حق أناس دفعهم اليأس لأقصى درجات المخاطرة بالنفس من أجل ضمان حياة افترضوا  إمكان أن يوفرها لهم  "مجتمع متحضر"  لأناس أسهمت بريطانيا نفسها - إبان ما تلبّسها  من نزوع إستعماري مقيت - في تخلف مجتمعاتهم.

د. محمد عبد الحميد أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

 

آراء