تخريمات و تبريمات حول كلمتي إنقلاب و إنتخاب 

 


 

فيصل بسمة
27 November, 2021

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

الكلمتان: إنقلاب و إنتخاب لهما مدلولات مختلفة ، لكن يجمع بينهما عالم السياسة و أمور الحكم: تعاملاً و تعاطي ، و لكن تفرقهما الأهداف و وسآئل الوصول إلى الغايات...

و الملاحظ أن الكلمتين متفقات في الوزن و في عدد الحروف لكنهما تختلفان في أربعة أحرف هي:

(قل) و (تخ)

و لتوضيح ذلك و تقريب الفكرة يمكن رسم الكلمتين هكذا:

إن(قل)اب

و

إن(تخ)اب

و المفردة قُلْ من الجذر قَالَ و تصريفها قَالَ ، يَقُولُ قَولاً و تَقوِيلاً ، و الفاعلُ مُقَوِّلٌ ، و المفعول به مُقَوَّلٌ...

و الكلمة (تَخْ) من التعابير السودانية التصويرية الصوتية ، و هي في لسان أهل السودان تعبر مباشرةً عن السقوط فيقال:

فلان أو علان أو البتاع (الشيء) إِتفَنقَل (تعثر) و وقع من فوق... تَخْ...

فالمنطوق الصوتي (تَخْ) يضيف بعداً درامياً مثيراً يبين ما تحدثه عملية الوقوع من أصوات و جلبة ، و يقرب الفهم كثيراً للقاريء و لكن بصورة أوضح للمستمع فيعيها صاحب الذكآء و كذلك الذين من دونهم...

و حتى يكون لحروف الإختلاف معنى يمكن إستبدال المواقع و وضعية الحروف الترتيبية في الحرفين الأخيرين (تخ) مع التشكيل حتى نحصل على كلمة مفيدة و هي (خُتْ)...

و يمكن تصريف (تخريم/تبريم) الكلمة خُتْ تصريفاً سودانياً مبنياً على قواعد اللسان العربي إلى خَتَّ ، يَخُتُّ خَتّاً ، و الفاعلُ خَاتِّي و المفعول به مَختُوتٌ...

و الخُتُّ من لسان أهل السوداني و لها تصريفات و معاني شتى ، فالفعل خَتَّ قد يعني وَضَعَ ، فيقال:

فلان خَتَّ الشيء الفلان في التربيزة (الطاولة)...

و

فلان شال الشيء و خَتَّاهُو في جيبو...

و

الحنة (الحنآء) خَتُّوها... و شالت... أي ظهرت و بانت...

و في مجال الحنآء و التصبييغ يقال أحياناً:

الحنة خَتَّت...

و الخَتُّ في الموروث السوداني قد يعني مقدار قيمة المشاركة فيقال:

الخَتَّة كذا...

و في معنى مغاير فإن الخَتْ يعني الكثرة فيقال:

و الله العجين لما رميتو خَتَّ جنس خَتْ...

و بالإمكان أيضاً الجمع بين الكلمتين (قل) و (خت) لتكوين جملة مفيدة و هي:

(قُلْ و خُتْ)...

و معلوم أن كلمة القول أصلها و أساسها في النطق و اللغة ، فالقول هو: الكلام و التعبير و الشهادة و الإقرار و الحكم و الرأي و المذهب...

و قد جآء ذكر القول في الآية:

(وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَیَوۡمَ یَقُولُ كُن فَیَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ یَوۡمَ یُنفَخُ فِی ٱلصُّورِۚ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِیمُ ٱلۡخَبِیرُ)

[سورة الأنعام 73]

في سياق القضآء الإلهي (كن فيكون) ، و قد جآء في تفسير (قوله الحق) أنه سبحانه و تعالى لا يقضي إلا بالحق و الصدق ، و ذلك لأن أقضيته منزهة عن الجور و العبث...

أما في سياق الإنقلابات العسكرية فمعلومٌ أن (القول) يعني عدة مقولات تُستَهَلُّ بالبيان (الحديث) الأول لقآئد الإنقلاب ، طبعاً بعد المزيكة العسكرية ، و البيان الأول في مضمونه (كلام) و (رأي) ، و هو (شهادة) للتاريخ بأن قآئد الإنقلاب قد خرق الدستور الذي هو بدوره (كلام) و (أرآء) و (أفكار) و (مذاهب) و (أحكام) قانونية متفق عليها و مسطرة...

و عادةً ، يتبع البيان الأول الأوامر الرئاسية (الكثيرة) و المتلاحقة ، و الأوامر الرئاسية هي التي تسير الحكم و الدولة في أول أيام العهد الجديد و ربما لأزمان طويلة قادمة ، و الأوامر هي (كلمات) و (كلام) و (أحاديث) مدبجة بصيغ قانونية في شكل (مقالات) تسمى المراسيم...

و ورآء كل إنقلاب (مذاهب) و مدارس كثيرة و متنوعة و (أرآء) في الفكر و السياسة و (الحكم)...

و الإنقلابات العسكرية في جوهرها إستيلآء على السلطة بغير حق و إستلابٌ و جورٌ و قمعٌ و تكميمٌ للأفواه عن (القول) و منع لحرية (الفكر) و (الرأي)...

و في الإنقلابات العسكرية (يُوضَعُ) المعارضون السياسيون في المعتقلات و السجون لحدي الإمتلآء ، و يمنعون عن الحركة و (القول) و التصريح (بالرأي) طبعاً مع التعذيب و التنكيل و التقتيل ، و في هذه الممارسات (سقوط) أخلاقي عظيم...

و في النظم الإنقلابية (تُوضَعُ) كل البلاد و جميع العباد رهينة لتوجهات (رأي) و (فكر) قآئد الإنقلاب و جماعته...

و في النظم الديكتاتورية القمعية التي تلي الإنقلابات تصبح (أقوال) الرئيس القآئد فكر و مخطوطات و موجهات و قوانين و لوآئح و وثآئق و دساتير...

و في الأنظمة العسكرية الإنقلابية يصبح (قول) الصدق سلعة نادرة ، و يكثر الكذب ، و يتفشى التدليس و التملق و الفساد و (السقوط) الأخلاقي بصورة مخيفة...

و في الإنظمة الإنقلابية الشمولية يفسد (الحكم) و القضآء و الإدارة و الحياة العامة...

و في النظم المدنية حيث الديمقراطية و حرية الرأي: (قولٌ) و (خَتٌ) و أخذٌ و ردٌ و نقاشٌ و جدالٌ و إختلافٌ في (الرأي) و إتفاقٌ ، و كل ذلك من جنس (القول) و (الأحاديث) (الكلام) ، و هو مما لا يستسيغه العسكر و أشياعهم...

و حيث توجد الديمقراطية و حرية (الرأي) يمارس الناخب حقه الديمقراطي في حرية (القول) و (الرأي) و الإختيار و ذلك حين يَخُتُّ (يضع) إشارة في إوراق الإنتخاب ليختار من يمثله في جميع مستويات الحكم: المحلي و المركزي ، يرفع من يشآء و (يَخُتُّ) من يشآء عبر صناديق الإقتراع ، فتربح شخصيات و تصعد أسمآء و يفشل و (يسقط) مرشحون ، و يحق لذلك الممثل المنتخب الرابح (الحديث) نيابة عن الناخبين و ناقلاً مطالبهم و (أرآءهم) و تطلعاتهم و (واضعاً) لها أمام و على طاولات المسئولين و التنفيذيين...

و لقد توالت على بلاد السودان العديد من الإنقلابات العسكرية بلغت في مجملها سبعة عشر إنقلاباً إختلفت (الأرآء) حولها لكنها جميعها (سقطت) في تجربة الحكم و خابت خيبات عظيمة: من أفلح منها في الإستيلآء على السلطة و من فشل...

و قد (وضعت) الشعوب السودانية حداً لثلاثٍ من تلك الديكتاتوريات العسكرية و (أسقطتها) في ثوراتٍ و إنتفاضاتٍ مشهودة: في أكتوبر ١٩٦٤ ميلادية و أبريل ١٩٨٥ و ٢٠١٩ ميلادية على التوالي ، و ما زالت الديكتاتورية الرابعة تبطش بالشعوب السودانية حتى كتابة هذا التخريمة...

قديماً جرت عدة إنتخابات منذ إستقلال بلاد السودان عن المستعمر (الإحتلال) البريطاني ، و لقد (قيل) عن نزاهتها الكثير ، و لقد تميزت جميعها بأن الجموع الشعوب السودانية سِيقَت فيها إلى صناديق الإقتراع (المَخجُوجَة) تحت تأثير: المساوامات و المناورات و التحالفات و الولآء القبلي و الجهوي و الطآئفي و سيطرة نفوذ المال و تفشي الجهل...

مستقبلاً سوف تساق الشعوب السودانية لجرتقة رئيس ترضى عنه المحاور (رئيس فصل بدلو الجديدة و حف الشوارب)...

في ظل كل هذه (الأوضاع) ظلت الشعوب السودانية تراوح ما بين (المذاهب) السياسية التي تقذف بها نحو الشرق أو تلك التي تَخُتَّهَا (تضعها) غرباً ، لكن في كل الأحوال كانت بلاد السودان و ما زالت و بفضل (حكم) العسكر و أشياعهم من الأرزقية و الطفيلية السياسية تسير بسرعة فآئقة نحو (السقوط) في الهاوية...

حاشيتان:

١- الحرفان الأخيران ألف و بآء من مكونات الكلمة آب و في الإياب عودة و قد عادت و تعاقبت على حكم بلاد السودان و الشعوب السودانية جماعات من العسكر و أطياف من السياسيين من عند المخلص إلى عند الأرزقي و الطفيلي و قد خابوا جميعهم و (سقطوا) و فشلوا في تحقيق النمآء و الرخآء و الرفاهية للشعوب السودانية

٢- و يمكن قرآءة كلمة إنتخاب هكذا:

إِنتِّي... خاب...

و هي جملة من كلمتين تعني في لسان الناطقين بغيرها من ناس عربي جوبا و آخرين:

أنت خآئبٌ...

و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.


فيصل بسمة


FAISAL M S BASAMA

fbasama@gmail.com

 

آراء