تخطيط معّسكر كريندينق ـــ المِشاطة بالقمل

 


 

 

جاء في الأخبار أن نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو وقف على سير عمل التخطيط بمعسكر كريندينق الذي اكتمل بنسبة 75٪ ومن المتوقع تسليم المتبقي منه خلال الأسبوع المقبل إيذانا ببدء عمليات العودة الطوعية.
والمدهش في هذا الخير، أن عمليات العودة الطوعية، المقصودة هنا، ليست إلى القرى الأصلية للنازحين التي أجبروا علي الفرار منها، للنجاة بأرواحهم، من بطش الذين احتلوا حواكيرهم، واغتصبوا جنائنهم، وإنما رحلة العودة، إلى أرض المعسكر الذي نزحوا إليه، بجوار مدينة الجنينة، طمعاً في حماية السلطات الرسمية، وقد خابت آمالهم بملاحقة النجاة لهم، وحرق مخيماتهم مرارا في معسكر كرينديق الذي يمن عليهم نائب المجلس السيادي الانقلابي بتخطيطه لهم للاستقرار، ونسيان قراهم الأصلية! أي أن العودة الطوعية، تحورت من إلي قراهم الأصلية، إلي معسكراتهم الأصلية! ومن القرى النموذجية، إلى المعسكرات المخططة!
ليس عقلانيا تكسير حراب من يشّمر للذود عن باطل، أو دفن محافر من يستعد لمواراة جثمان قضية مؤلمة، لكن قيل حسن النوايا أسرع طريق لجهنم، وأنّ اللئام لا يتورعون عن دس السم الزعاف في الدسم الشهي، لذا فإنّ القفز فوق كافة الإجراءات الضرورية، وتجاوز الخطوات المنطقية لتخطيط معسكر كرندينق للاجئين، بصورة مبطنة تبعث رسالة للضحايا مفادها، أن أنسو حواكيركم، وكفوا عن المطالبة بجنائنكم، أتركوها للرعاة المغتصبين، مقابل صكوك امتلاك قطع أراضي، والتعّقلم مع "كوتات" الإغاثات الدولية، والتهيؤ لاحتراف المهن الهامشية، التي لا تغني ولا تثمن من جوع، بدلاً عن تكبد مخاطر الزراعة في هذا الزمن الأغبر، كل هذه المقايضة المذّلة دون ضمانات بعدم الاعتداء عليهم في مدينتهم أو حيّهم المخطط، حتي إن أُنيرت شوارعها ورصفت طرقاتها، الأمر الذي يشجّع القتلة المغتصبين علي إجبار الذين صمدوا في حواكيرهم إن وجدوا، على المغادرة إلي حيث الاستقرار القسري غير المأمون أو المضمون!
الإجراء الحقاني والعقلاني، جبر الضرر الفردي والجماعي لهؤلاء الضحايا أولا، ومن ثم تخيرهم بين البقاء في مخططات النزوح القسري والعودة الطوعية إلي ديارهم معززين مكرمين، بعد إعادة حواكيرهم المغتصبة إلي أحضانهم، وإرجاع جنائنهم المحتلة إلي حيازتهم، وتوفير الأمن الموثوق إلي فلواتهم المرعبة، ومحاكمة المعتدين من كافة الأطراف، بعدها إجراء مصالحات اجتماعية شاملة، وتصافي دون ترهيب، إن حدث هذا بلا شك سيكون تخطيط المعسكر كزيادة خير خيرين، فمن أراد فليستقر ومن أراد فليعود إلى قريته، ومقر أملاكه.
إن كان نائب المجلس السيادي الانقلابي محايدا، لأجلى المحتلين لحواكير وجنائن ومزارع نازحي معسكر كريندق وسلمها لأصحابها، دون انتظار عقد مؤتمر الأرض والحواكير المنصوص عليه في اتفاق جوبا للسلام، ولا شكّ أنّ نائب المجلس السيادي وحاكم الإقليم لا يعجزهما شيئا، إن اعتزما إعادة الحقوق إلى أصحابها، إن رغبوا في ذلك، لذا فإن هذا "التطنيش" فيها "إنّ" يعلمها القاصي والداني!.
كان يكون جميل إن احتشد وجهاء المجتمع السوداني من أهل الفن والثقافة والرياضة بمبادرة وطنية خالصة، وتلقائية سودانية محضة لتطيب خواطر أهالي غرب دارفور ومواطني مدينة الجنينة بلد أبو، والتعبير عن صدق مواساتهم لهم في مصيبتهم الجلل، الاقتتال القبلي غير المبرر، والتوسل إليهم للكف عن قتل انفسهم بدون وجه حق، ومخاطبة الجهات المفتعِلة للأحداث والمروجة للفتن في عيونهم أن كفوا عن المتاجرة بدماء الأبرياء، لكن بكل أسف كانت الحشود التي تقاطرت من الخرطوم إلى الجنينة تبدو مكريّة، طامعة في حوافز خازن الذهب ومكّدس الأموال، والذي ينفق انفاق من لم "يدق حجر دُغش" ولم يخشَ الفقر من أجل أن يبدو ملائكيا، وبغية أن يدفن ماضيه القاتم بهذا التخطيط العمراني المغرض والمريب.
بعد التخطيط قد يبدو معسكر كريندينق جميلا ومرتبا، إلاّ انه كالمِشاط الذي يخفي بداخله حشرة القمل وبيوضها، وهي مسببات القلق وعدم الشعور بالراحة، ولا قيمة لمثل هذا المظهر الجمالي بدون إجراءات أخرى ضرورية لقضاء على أسس المشكلة التي تؤّرق المضاجع وتمص روح الشعور بالطمأنينة، وتطفي الغبن القديم المتجدد.
ولا شك أنّ هذا الصنيع، يبدو كرشوة اجتماعية، أو ثمن لنسيان الماضي، والتعايش مع الجراحات المفتوحة، دون أنين أو شكوي!!
كسرة:
يبدو تكريم نائب رئيس المجبس السيادي الإنقلابي، في دارفور الجريحة، كمن يجلو صارما ويقول لمن يخاطبهم، حسنا فعلت؟ فيقولون نعم، ودعنا نكرمك ونقلدك وسام ابن السودان البار، صاحب الثوب النقي، والأيادي البيضاء!
ebraheems@gmail.com

 

آراء