تفاسير أمريكية للقرآن (2): الله في المختبرات؟ : واشنطن: محمد علي صالح

 


 

 

واشنطن، محمد علي صالح

منذ سنة 1980 (قبل 43 سنة)، عندما جئت الى واشنطن في وظيفتي الحالية، مراسلا صحافيا، كتبت قليلا جدا عن الدين. لأنه موضوع معقد، وحساس.
كتبت عن أقل من عشرة كتب أمريكية عن الدين، من جملة حوالي 700 كتابا أمريكيا كتبت ملخصات لهم.
ان شاء الله سأجمعها في كتاب عنوانه: "ملخصات 400 كتابا أمريكيا" (كتبت بعضها قبل الانترنت، وفقدت بعضها).
أيضا سأجمع حوالي 300 تقريرا كتبتهم خلال هذه السنوات في كتاب بعنوان: "دراسات في الثقافة الامريكية."
لا في الكتب، ولا في الثقافة، كنت اهتم بالدين.
لماذا بدأت الآن هذه الحلقات عن الدين؟
قبل شهور قليلة، قرأت كتابات سودانيين يتلاعبون بالقرآن في قروب "يوكانا" (خريجي جامعة الخرطوم في أمريكا الشمالية):
(حذفت الأسماء):
1. كتب شيوعي ان القرآن يفصل الدين عن الدولة، ولكن الإنجيل والتوراة لا يفصلانه.
2. كتب علماني أن أمريكا تفصل الدين عن الدولة، ويجب ان يفعل السودان ذلك أيضا.
3. كتب جمهوري عن تقسيم القرآن الى اول وثان، وتأسيس "الدولة "المحايدة".
4. كتب مسيحي أن القرآن لا يفصل الدين عن الدولة، ولكن الإنجيل يفصله. وتجرأ، ودعا المسلمين لاعتناق المسيحية.
لحسن حظي، منذ 40 سنة تقريبا، قابلت، وكتبت عن، بروفيسورات أمريكيين غير مسلمين متخصصين في الدين، ويكتبون عن القرآن. ويقدرونه حق قدره. ولا يتلاعبون به، كما يتلاعب به هؤلاء السودانيون.
سيكون عنوان هذه الحلقات: "تفاسير أمريكية للقرآن: غير مسلمين، في بلد الحرية".
وان شاء الله، سأجمع الحلقات في كتاب بنفس العنوان.
تختلف هذه التفاسير عن تفاسير المفسرين المسلمين القدماء الذين:
1. عاش أكثرهم قبل ألف سنة تقريبا.
2. عاشوا في بلاد غير حرة، وغير ديمقراطية.
3. لم ينفتحوا على العالم.
4. مسلمون.
تعنى هذه النقطة الأخيرة ان التفسيرات الامريكية يمكن ان تكون "محايدة". كتبها بروفيسورات غير مسلمين. تخصصوا في الإسلام، وكتبوا عنه كتبا كثيرة.
وكتبوها في هذا البلد العظيم، قلعة الحرية، التي لم يشهد العالم مثلها ابدا.
هكذا، بعد 1,400 سنة من نزول القرآن في مكة والمدينة، وعلى مسافة 10,000 كيلومترا، سخر الله (خالق أمريكا) مفسرين جددا للقرآن.
==========
هذا الكتاب:
عنوان هذا الكتاب الجديد (صدر في أكتوبر الماضي): "أصناف التجربة الروحية." وهو ليس عن القرآن (كلام الله) بالضرورة، لكنه عن البحث عن الله.
كتب الكتاب بروفيسوران:
1. ديفيد يادين، أستاذ في مركز التخدير والوعي في جامعة جونز هوبكنز (ولاية ماريلاند).
2. أندرو نيوبيرج، أستاذ علم الأعصاب الديني في جامعة توماس جيفرسون (ولاية بنسلفانيا).
"الله نور السماوات والأرض"، عبارة تتكرر في القرآن كثيرا. لكن، منذ قرون، يحاول علماء غربيون إثبات وجود الله.
لكنهم، طبعا، لم يقدروا.
ومع بداية القرن العشرين، بدأوا يبحثون عن الله داخل عقول الناس.
كان ذلك عندما تأسس "سايكولوجى" (علم النفس). أسسه في الولايات المتحدة وليام
جيمس (توفى سنة 1910). بعده جاء سيقموند فرويد (توفى سنة 1939) الذي أسس "سايكو اناليسيس" (التحليل النفسي)، الذي صار فرعا من فروع علم النفس.
خلال قرن تقريبا، تطور هذا الموضوع في مجالين:
1. فلسفيا، صار تعريف "الدين" مرنا، وصار يشمل "الروح".
2. علميا، تأسس "نيورو سايكولوجى" (علم النفس العصبي). ثم "نيورو ثيولوجي" (علم الأعصاب الديني).
يعتبر نيوبيرج، المؤلف المشارك لهذا الكتاب، أبو "نيورو ثيولوجي" (علم الأعصاب الديني).
في سنة 2010، كان كتب كتابا آخرا عنوانه: "كيف يسيطر الله على المخ؟" (سأكتب عنه في هذه الحلقات).
هكذا، يفرق العلماء الامريكيون بين "نيورو ثيولوجى" (علم الاعصاب الديني)، وبين "ثيو سايكولوجى" (علم النفس الديني):
الأول، يستكشف تحركات داخل المخ ربما لها صلة بمعتقدات دينية. وذلك باستعمال "نيورو اميدجنق" (تصوير خلايا المخ).
الثاني، يحلل أحاسيس نفسية ربما لها صلة بمعتقدات دينية. وذلك باستعمال "فينو مينولوجى" (تحليل التجارب).
يستخدم هذا الكتاب الجديد هذه الاكتشافات الجديدة للبحث عن الله.
لكنه يعترف بصعوبة إثبات تفكير الناس في الله. لهذا يقتصر على إثبات صلة تفكير الناس بالله.
هذه بعض فصول الكتاب:
"علم التجربة الروحية في القرن الحادي والعشرين." "العقل والتجربة الروحية." "تنشيط التجربة الروحية." "مواجهة الألوهية." "لكل شيء سبب." "تجارب خارقة للطبيعة: اشباح، ملائكة، وأشياء أخرى."
توضح "اشياء أخرى" أن بعض التجارب التي أجريت في المختبرات كشفت عن أشياء مثل الهلوسة، والجنون.
كيف أجريت هذه التجارب؟
استخدم العلماء علما جديدا، هو "سايكي ديليك" (التخدير النفسي).
يعطون الشخص مخدرات بهدف "توسيع ابعاد العقل الواعي." واحد من هذه المخدرات هو "ال اس دي". وهو من ادوية "هالوسينيشن" (هلوسة، بمعنى تغييرات في التفكير. ليست دائما سلبية، ويمكن ان تكون إيجابية).
يستلقي الشخص على قفاه، ويعطيه الأطباء الدواء المخدر. ويغطون عينيه، ويديرون موسيقى هادئة. ويحتاطون إذا تصرف تصرفات خطيرة. مثل القفز من السرير، أو الصياح صياحا مرعبا.
في نهاية التجربة، يجيب الشخص على استبيان حول ما يحس به، مثل: الحزن، الفرح، الغضب، الندم، الاستسلام، الخوف، "مواجهة الحقيقة" (ربما احاسيس دينية او روحية).
رغم ان الأسئلة والأجوبة ليست علمية، يقول العلماء أن الإجابات يمكن أن تدل على نجاح الدواء المخدر في اكتشاف احاسيس دينية او روحية. مثلا، ربما يجيب الشخص الذي يشتكي من الاكتئاب إجابات إيجابية عن وجود الله، والإيمان به، والتقرب إليه.
لكن، يكرر الكتاب ان كثيرا من التجارب الدينية والروحية تظل ذاتية. تعتمد على أقوال أصحابها. وتشمل كثيرا من المبالغات. ودعا الكتاب الى مزيد من الدراسات والتجارب في هذا الموضوع.
في نفس الوقت، ينتقد كثير من الناس، وبعضهم علماء نفس، استعمال الادوية في "سايكي ليليك" (توسيع قدرة العقل).)، مثل دواء "ال اس دي".
ويثير علاج توسيع العقل كثيرا من النقاش لأن التوسيع لا يقود الى نتائج إيجابية في كل الحالات (مثل التفكير في خالق السماوات والأرض). يمكن ان يقود الى نتائج سلبية. (مثل الجنون).
يستعمل الكتاب كلمة "ايفوريا" (نشوة) لوصف النتائج الإيجابية الدينية والروحية. ويشير الى ان نسبة 30 في المائة من الاميركيين قالوا انهم واجهوا لحظات "نشوة دينية هائلة غيرت طريقة حياتهم." وتوقع الكتاب ان تزيد النسبة بفضل مخدر "سايكي لياليك" (توسيع العقل).
حسب الكتاب، "تزيد الممارسة المتزايدة لهذا العلاج جلب الخبرات الروحية إلى مركز البحث والمناقشات السريرية. ويبدو أن المخدر، والتجارب الروحية التي يقود اليها، يمكن ان تحدث ثورة في علم العلاج النفسي."
أخيرًا، نقطتان من الكتاب:
1. فقط نسبة عشرة في المائة من نتائج علاج المخدر هي عن الدين والروح.
2. "لم نعثر على نقطة وجود الله. ولم نعثر على جزء من المخ متخصص في الدين والروح."
في نفس الوقت، كما يكرر القرآن: "الله نور السماوات والأرض."
MohammadAliSalih@gmail.com
MohammadAliSalih.com

 

آراء