حرب رمضان … من خسر الرهان؟

 


 

 

من رمضان إلى رمضان، من الكاسب ومن هو ذلك الخسران؟، هل هو بن الحلمان أم بن حمدان؟ قبل الخوض في هذين الأمرين، بلا أدنى شك أن الخاسر الأوحد في هذه الحرب اللعينة، هو شعب السودان، لكن دعوني أدلي برأيي في الشأن العسكري، ومظاهر الفوز ودلالات الهزيمة، وحسابات الربح والخسارة بالنسبة لطرفي النزاع، ولكي يأخذ الرأي طابعه الحيادي، لابد لي من الأخذ في الاعتبار بالأسباب الرئيسية التي أدت للمواجهة بين الجيش والدعم السريع، كمؤسستين شقيقتين، أو كمؤسسة أم وأخرى ابنة شرعية خرجت من رحم هذه الأم، ففي هذا المنحى ترى أن الجيش وبحكم سيطرة جماعة الاخوان المسلمين عليه، منذ العام الأول لانقلاب البشير على شرعية رئيس الوزراء حينذاك السيد الصادق المهدي طيب الله ثراه، حوّلت جماعة الاخوان عقيدة الجيش لتتوافق مع توجهاتها، وكنا شهود عصر وضحايا في ذات الوقت لسطوة الاخوان جراء امساكهم بمقاليد السلطة في تلك الأيام العصيبة، حيث كنا بين المراحل المتوسطة والثانوية العليا والجامعية، فجيلنا هو أطول الأجيال معاناة مع عنف الدولة الاخوانية، وآخر جيل شهد على شفافية آخر انتخابات حرّة ونزيهة كمراقب وليس كناخب، بحكم السن غير المؤهلة للتصويت والاقتراع في ذلك الزمان، فأجبرنا نظام الإخوان على دخول معسكرات الدفاع الشعبي والخدمة العسكرية الإجبارية كشرط ابتزازي، فرضته الدويلة الثيوقراطية على طلاب الشهادة السودانية للدخول للجامعات والمعاهد العليا، فأول ما بدأت به الجماعة الانقلابية هو ابتزاز الشعب، بالخدمات الأساسية التي يجب أن يحصل عليها من الدولة كحق، حينها كان الإرهابي عرّاب فلول النظام البائد اليوم، على رأس القوة المنشأة حديثاً وقتذاك والموازية للجيش – الدفاع الشعبي، فلأول مرة أدخلت تعديلات كثيرة على نظم وطرائق الجيش في التجنيد والتدريب، ومن تلك التعديلات تأسيس منسقيتي الدفاع الشعبي والخدمة الإجبارية، التي قام دهاقنة الاخوان المسلمين ومنظريهم من داخلها مقام المشرف على إنزال تعاليمهم على المجندين.
من المقدمة أعلاه قصدت أن أبيّن للناس أن السطو على مؤسسة الجيش، حدث منذ العام الأول لانقلاب الاخوان، فبتغلغلهم في المؤسسة العسكرية استشرى الفساد، واصطرعوا على الكرسي من أجل غنائم البترول، فانشقوا إلى (وطنيين) حاكمين و(شعبيين) معارضين، وأشعلوا حرب دارفور كحصان طروادة للعودة للحكم من البوابة الخلفية للحديقة الغربية (دارفور)، وكانت غالب الجماعات المسلحة المتمردة منبثقة من الشعبيين المنشقين عن (الوطنيين)، وأكبرها حركة العدل والمساواة وقائدها خليل إبراهيم، العضو الأصيل بالجماعة المتطرفة منذ أن كان طالباً بكلية طب جامعة الجزيرة، وكعادة اخوان السودان حينما اشتد بهم بؤس التمرد الغربي، استعانوا بأفراد من بالقبائل التي بطش بها هذا التمرد بدوافع الانتقام القبلي والإثني، لما جرى من ماض أليم في الحروب القبلية بين هؤلاء الأفراد والجماعات الداعمة للتمرد، وبين أفراد من القبائل من الذين اعتمد عليهم نظام التطرف والارهاب في كسر شوكة التمرد، استمرت حالة العنف في الإقليم المنكوب لعدد من السنين، ثم هدأت الأحوال بفضل قوة الجيش الموازي، الذي تأسس خصيصاً لمكافحة التمرد، ولإصرار الاخوان على حل المشكلات السياسية والمجتمعية عبر فوهة البندقية حينما كانوا الحكام الفعليين للبلاد، نشروا السلاح غير مكترثين للفوضى الناجمة عن ظاهرة الحمل العشوائي للسلاح، إلى أن نهض المارد من بين الركام، وهبّت ثورة ديسمبر التي اقتلعت رأس النظام، معتمدة على انحياز نفس القوة المضادة للتمرد، التي بلغت شأواً عظيماً، وكعهدنا بإخوان السودان أنهم لا يتوانون في بتر إصبع يدهم لو حاول مشاركتهم كعكة السلطة، فشهدت فترة الحكم الانتقالي تجاذبات كانت بالأساس صنيعة من صنائع بقايا فلول النظام البائد، المتواجدين داخل جهاز الدولة والداعمين للثورة المضادة، الذين انقلبوا على الحكم الانتقالي، ثم أشعلوا الحرب الآنية ضد حليفهم وساعدهم الأيمن مضاد التمرد، بعد أن خرج عن تحالفهم الانقلابي وساند الخط الثوري.
في حماقة لم يشهد التاريخ لها مثيلاُ، شنت بقايا فلول النظام البائد حرباً حمقاء وغادرة، على معسكرات القوات المضادة للتمرد، ووعدت أنصارها بحسم المضادين للتمرد في ست ساعات، أولئك الذين وصفوا لاحقاً بالمتمردين، فحدث أن استولى هؤلاء المتمردون المزعومون على قيادة الجيش والقصر الرئاسي ومقرات الأسلحة الاستراتيجية – المدرعات والاحتياطي المركزي ومدينة التصنيع الحربي – جياد ومصنع اليرموك الحربي بجنوب الخرطوم، كما سيطروا على ولايات دارفور الخمس، وولاية الجزيرة الاستراتيجية ذات العمق الاقتصادي الكبير، وولاية الخرطوم، حدث هذا في ظرف عام واحد، ففقدت الحكومة الانقلابية العاصمة الخرطوم مقر إقامتها، ونزحت شرقاً محتميةً بميناء السودان الأول – بورتسودان، فأطلق عليها ظرفاء المدينة اسم (الحكومة النازحة)، وبذلك تكون القوة المضادة للتمرد قد حصلت على ما لم يكن في حسبانها، بعكس الجيش الذي اختطفه الاخوان المسلمين، والذي أصبح قائده طريداً لا يحلم مجرد الحلم بدخول القيادة العامة، بعد أن تم إجلاؤه بإسناد جوي من قوى محورية، مرتدياً (فنيلة) داخلية و(سفنجة)، هكذا شاهد العالم قائد الجيش السوداني وهو مسلوب الإرادة هزيل الجسد مصفر الوجه، خارجاً لتوّه من نفق البدرون المظلم الذي كاد أن يودي بحياته، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحدث من هو مصطف خلف هذا القائد المهزوم، عن مكاسب لحرب أسقط فيها المضادون للتمرد أكثر من سبعين طائرة حربية مقاتلة، من طراز الأنتونوف والميج والسوخوي والهيليكوبتر، وأسروا فيها ما يقرب الخمسمئة ضابط ومئات ضباط الصف والجنود، وقتلوا آلاف الجنود في أكثر من خمسين حملة عسكرية، حاولت دخول العاصمة الخرطوم المسيطر عليها من قبل المضادين للتمرد، فقد صدق مسمى هذه القوة التي صنعت خصيصاً لصد التمرد، حتى لو كان هذا المتمرد الجيش نفسه، فمن هذه المقاربة البسيطة يتضح لنا جلياً ذلك الخاسر في حرب رمضان.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء