حكاية أخرى عن حرّاس العدالة !!

 


 

 

السودانيون يبحثون عن العدالة خارج حدود السودان بعد أن غابت داخله..! وكم إن هذا مما تشيب من هوله الغربان..! ولكن القضاء عندنا والنيابة العامة والمتخصّصة و(الأعلى) والاستئناف وديوان النائب العام والمستشارين (بالجملة والقطاعي) لا يحسون بهذا الخطب الجلل ويذهبون إلى مكاتبهم كل صباح وكان شيئاً لم يكن ويعودون إلى بيوتهم وأولادهم في نهاية اليوم بغير أن يطوف بهم طائف من خجل أو خزي..!
هل أسلمت العدالة قيادها في السودان للإنقاذيين والانقلابيين إلى هذه الدرجة التي لم يشهدها أسوأ ما في الخيال من أحوال بلاد الله التي غاب عنها قوام الدولة ومعنى العدالة وتطاولت فيها ظلامات العماء والجهالة..وليس السودان الذي كان فيه حرّاس عدالة ورجال حقوق وقضاء لو رأيتهم لحسبتهم وكأنهم العدل المهيب يمشي على قدمين ونزاهة الضمير وهي تخطر في إهاب البشر..سبحانك اللهم.. هل وصل بنا الدرك إلى هذا الضحضاح بل إلى هذا القاع العطن من مستنفع تهيم فيه الذنيبات والديدان الكفيفة واليرقات مقطوعة الذيل والأميبا ذات الخلية الواحدة ..!
نشير هنا إلى الواقعة التي بلغ فيها اليأس من العدالة داخل بلادنا أن قام 15 محامياً من أحرار الحقوقيين السودانيين بتقديم مذكرة قانونية إلي (لجنة حقوق الإنسان في الاتحاد الإفريقي) نيابة عن أعضاء لجنة إزالة التمكين الشرفاء الذين كان تعامل الأجهزة العدلية بحقهم مهزلة كبرى يندى لها جبين النُصُب الرخامية التي تمثل العدالة وهي معصوبة العينين عن المحاباة وعن الجور والظلم..! ولكن هذا ما مارسته النيابة السودانية بحقهم ولعبت في قضيتهم (لعبة توم اند جيري) وقفزت على كل قواعد العدالة وعلى جميع مواضعات العقل والمنطق..بل وكل قوانين البداهة..! فهي تعلم أنها لا تملك ضدهم شيئاً وإلا لما أطلقت سراحهم بعد بلاغات الاتهام التي قيدتها بحقهم سلطة الانقلاب تحت طائلة (خيانة الأمانة)..!
هل تدري كيف كان تصرّف أجهزتنا العدلية معهم...لقد أبان عن هذه اللعبة المخزية رجل من أهل القانون والحصافة الحقوقية والرصانة المهنية والضمير اليقظ هو كمال الجزولي..وهو يحكى عن تفاصيل ما تفرّق وما تمّ (دغمسته) من الإجراءات العجيبة من النيابة بكل درجاتها وهي تخرق و(تخوزق) عين القانون والعدالة جهاراً نهاراً..!!
اقرب اختصار لهذه المهزلة (المسخوتة) هي أن اتهام الانقلاب لأعضاء لجنة تفكيك الإنقاذ بدافع من الاخونجية قد أعقبه اعتقالهم وإيداعهم السجن وحظرهم من السفر..! ثم مرّت الأسابيع والشهور ولم يستطع الانقلاب ومن بمعيته وتحت إمرته من وكلاء ومستشارين تحريك أي إجراء قانوني في مواجهتهم..!
ثم أنكرت النيابة معرفتها بموقع احتجازهم (معنى هذا إنه إخفاء قسري)..! ثم جرى إطلاق سراحهم (بالضمان) ثم جاءت مرحلة تلكؤ النيابة الأعلى حتى يستمر سيف معاودة القبض عليهم مسلطاً على الرقاب..ثم بالفعل أعادت النيابة القبض عليهم.. ثم تقدم المحامون بطلب لمقابلة المحتجزين..عاودت النيابة التلكؤ ولم تفصل في طلب مقابلة المحتجزين بمكاتب النيابة..تم تجميد الطلب 13 يوما بغير مسوِّغ...! احتج المحامون لدي النائب العام...أمر النائب العام بتمكين المحامين من المقابلة بمكاتب النيابة..(قال له من دونه: حيلك)..! ولم ينفذ الأمر إلا بعد عشرين يوماً بعد ضغط المحامين.. ليس في الخرطوم كما أمر النائب العام بل (في سوبا)..! ( بمعنى كان عجبكم)..!
تمّت (مقابلة سوبا) وتأكد عدم قانونية الاحتجاز..قال المحامون لجماعة النيابة وقضائها: (حاكموهم أو اشطبوا البلاغ)..رفضت النيابة وكابرت بدلاً أن تشكر من يرشدها إلى صميم عملها وواجبها..ولكن من يدري عن المياه التي تجري بين الانقلاب والاخونجية وبينهم وبين قنوات العدالة..! رفضت النيابة الطلب ورفض الاستئناف شطب البلاغ بحجة كفاية البيّنة ضد المتهمين (طيب عندك بيّنة كافية.. لماذا لا تحاكمهم)..!
بعد شهر من ذلك قررت النيابة إطلاق سراحهم (لماذا)..! ولكن دون شطب بلاغ الاتهام حتى لا يغضب الانقلاب..! ومنذ ابريل الماضي تقدّم المحامون بطلب جديد لمحاكمة أعضاء لجنة تفكيك الإنقاذ أو شطب البلاغ..والى الآن ما يزال (الحمار أمام الدريش)..!
ما هذا..؟! هل يعقل أن يكون للعبة (الاستغماية) هذه أي صلة بالقانون والعدالة..؟! ما ذا نسمى هذا الذي يجري في منصات العدالة ودواوين النيابة والقضاء..؟!
ليس في وسع من يريد إنصافاً من النيابة والقضاء في السودان إلا أن يضرب رأسه بالحائط أو يبحث عن العدالة خارج الحدود...! والى ذلك الحين..أفضل لزوجتك أن تكون (أرملة شجاع) من أن تكون (زوجة جبان)..مع إننا هنا لا نبحث عن شجعان..إنما عن موظفين مهنيين يتسلّمون رواتبهم ومخصصاتهم بهذه الصفة..!!

murtadamore@yahoo.com

 

آراء