د. أماني الطويل لسودانايل: غاية المُني لحميدتي بأن يتم الاعتراف به ولو بنسبة 20% وما شهدناه بلغة الجسد في أديس أبابا لم يكن حياداً .. واجب الجيش هو حماية المواطن

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
القاهرة – خاص (سودانايل)

حوار: طارق الجزولي – رئيس التحرير
أمجد شرف الدين المكي – سكرتير التحرير
د. أماني الطويل لسودانايل:
الذهاب إلى طاولة المفاوضات، ليس تقليلاً من أي طرف لأن استمرار الحرب سيؤدي إلى فشل الدولة
قوات الدعم السريع مثقلة بالانتهاكات رغم انتصاراتها العسكرية وغاية المُني لحميدتي بأن يتم الاعتراف به ولو بنسبة عشرين في المئة
ما شهدناه بلغة الجسد في أديس أبابا لم يكن حياداً
كل ما أصدره من آراء هو مرتبط بحالة وعي شخصي ولا يعبر رأي النظام السياسي المصري
نهر النيل خلق الوجدان المشترك، وهذا الوجدان لا يباع ولا يُشتري. والجغرافيا كونت لنا عامل مشترك
المنوط بالقوات المسلحة السودانية هو حماية الدولة

في مقابلة خاصة، التقت سودانايل ممثلة في رئيس وسكرتير التحرير بالدكتورة أماني الطويل الصحفية والباحثة وخبيرة الشؤون السودانية ومديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، وتناول اللقاء ما يدور في الشأن السياسي السوداني الآني والاحداث الدامية هناك وما يصدر منها من أراء وتعليقات في هذه الخصوص . ولضيق الزمن، كان هذا الحوار القصير.

*آراء أماني الطويل هي تعبير عن رأي النظام السياسي المصري. هذا ما تعتقد به الأوساط السياسية والمجتمعية السودانية، هل هذا صحيح؟ وماهو تقييمك للوضع في السودان وماهي هي رسالتك للقوى السياسية والمدنية في السودان؟

- في الدول الحديثة في الحقيقة لا نستطيع أن نقول أن هناك شخص غير رسمي يعبر عن موقف رسمي أو تماهي مع موقف رسمي، خصوصاً في الدول الكبيرة ذات التفاعلات المُعقدة. فدولة كمصر، القرارات تتم فيها بناءاً على مؤسسية. بمعني آخر هي دولة ذات مؤسسات، وتقييمات يؤخذ فيها بعين الإعتبار عناصر متنوعة. عليه أي طرف خارج هذه المنظومة ، لا يستطيع أن يعرف او يعبر او يكون احد أدوات تعبير أي موقف رسمي.
عموماً كل ما أصدره من آراء هو مرتبط بحالة وعي شخصي، وتراكم ذات خلفية وخبرات مهنية، إضافةً الي رؤية خبرات إقليمية وعالمية في هذا المجال. عليه وطبقاً لخبراتنا المتنوعة في القارة الإفريقية، نعلم أن أي صراع عسكري أو صراعات مسلحة ستؤدي الي فشل الدولة. وتحديداً في الدول غير المتقدمة، والتي تعاني من مشاكل عدة، بالتالي يصبح من الصعب استعادة هياكل الدولة.
فالمصريون لديهم انتماء عميق لمصر مترتب على انهم دولة قديمة واجهت العديد من التحديات وعموماً نحن كمصريين لدينا فكرة الإرتباط بالوطن والأرض، يمكننا أن نسميها الوطنية المصرية وهي حالة اندماج وطني والتي تعتبر أفكار مركزية في تكويننا. وإذا ما سئلت كيف حدث هذا؟ فيمكنني القول بأن فهم المصريين لهذا التكوين هو فهم متوارث وقديم. مصر لم تتغير وجدانياً منذ عهد الفراعنة والي يومنا هذا. وأن أي إدارة في مصر مهما كانت، عملت على المصالح المصرية بطرق مختلفة.
حقيقة أنا أري أمام أعيني بلاد مثل الصومال، مالي والكنغو ولا أتمنى أن يصبح السودان مثلهم. عليه وإنطلاقاً من إيماني كما ذكرت بأن الصراعات العسكرية يمكن أن تُفتت الدول، دائماً ما أسعى وطوال الوقت، ولا أود أن أقول بأنني أقترح، بل على الجميع أن يعي وأن يأخذ في الحسبان بأن الحرب ستؤدي إلى فشل الدولة. وما أعني بفشل الدولة هو ما نراه اليوم. أنظر الي الأسر التي تركت منازلها، النساء والفتيات اللآتي تم إغتصابهن والتعدي عليهن، وهنا أتحدث في هذه الجزئية بمشاعر المرأة. لا تتخيلوا مدي ألمي عندما أعرف بأن هناك امرأة أو فتاة تم التعدي عليهن، وقد سمعت الكثير من القصص من أصدقاء سودانيين في هذا الشأن. أعني تماماً ماذا يعني أن يلمس رجل فتاة أو امرأة من غير رضاها.
حينما أدعوا الأطراف بالذهاب إلى طاولة المفاوضات، ليس تقليلاً من أي طرف. فقط محاولة للحفاظ على الرقعة الجغرافية المُسماة السودان. وألا نعلن وفاة السودان. فرغم إخفاقات الجيش مؤخراً، إلا أنه يظل هو الجيش السوداني والقوات المسلحة السودانية. هذا الإسم بمفردة يجعل منه وزناً على أية مائدة تفاوض. أي أطراف إقليمية أو دولية، تضع إعتبار لهذا الإسم، أي المؤسسة العسكرية، بغض النظر عمن يقوده.
أما بالنسبة للطرف الآخر- قوات الدعم السريع- فقد أصبح مُثقلاً بالإنتهاكات. فرغم إنتصاراته العسكرية، إلا أنه قد خسر سياسياً. مرة أخري أشدد وأري أن مؤسسة بهذا الإسم "الجيش السوداني" فإن نهايته تعني وفاة السودان. فلماذا لا يذهب إلى التفاوض؟ هل لأن الطرف الآخر مارس إنتهاكات؟ يمكن محاسبته عليها، وهناك ما يعرف بآليات المحاسبة. في تقديري أن غاية المُني (التمني) لحميدتي بأن يتم الإعتراف به ولو بنسبة عشرين في المئة في أية معادلة قادمة. ومهما كانت القوي التي تقف من خلفه، لاتستطيع أن تصل أو تقوده إلى أكثر من ذلك.
المنوط بالقوات المسلحة السودانية، هو حماية الدولة. وأن تحافظ عليها، وأن تعمل من الإستراتيجيات والبرامج السياسية، ما يساوي عملية تحول آمنة، تضمن إستقرار سياسي. ليس بالضرورة أن تقودها القوات المسلحة السودانية، وليس من المطلوب. لكن من حق هذه القوات المسلحة السودانية بعد حرب بهذه الدموية أن تضع محددات سياسية للقوي المدنية التي تقود البلاد. وهذا من حقها وواجبها وهو ما أنادي به، لأني أعلم تماماً ماذا يعني مجتمع ما بعد الحرب.

*رسالة تقدميها للقوي المدنية السياسية السودانية، والزملاء الإعلاميين؟
في تقديري وبحسب رؤيتي أعرف أن النُخب السياسية المدنية الإنتقالية التي تولد أو تأتي بعد تجارب أنظمة شمولية طويلة، وفي حالة الثورات، وربما نتيجة للسرعة في تكويناتها، تكون خبراتها غير مكتملة. لكن منذ العام 2018 وإلى هذا اليوم، كثير من الخبرات والنُخب السياسية والمدنية السودانية قد تبلورت. الأمر الذي يُلقي عليها مسئولية كبيرة. ومن أهم ملامح هذه المسئولية: الحياد المُطلق بين طرفي الصراع. ما شهدناه بلغة الجسد في أديس أبابا لم يكن حياداً. ما شهدناه في أديس أبابا ترحيباً برجل دماء السودانيين والسودانيات ملطخة في يديه. ومهما تنصل من أفعال قوات الدعم السريع على الأرض، تظل دماء السودانيين في رقبته. وعليه أن يدفع الثمن والتعويضات لكل المتضررين من ذهب السودان الذي يملكه، وهذا هو ربما ثمن العشرين بالمائة التي رُبما سيحصل عليها ثمناً لإيقاف الحرب.
الحياد في هذه المرحلة مطلوب، وبلورة المشاريع السياسية الممكنة مطلوب، ايضاً المسافة بين القوي السياسية والإدارات الإقليمية والمحلية والعالمية أيضاً مطلوب. المصلحة السودانية العليا يجب أن تكون في الأحداق وفي العيون.

*كيف تري د. أماني الطويل وجود السودانيين بهذا العدد الكبير في مصر؟

في تقديري أن السياسات المصرية كانت ذكية. مصر تاريخياً مُصنفة بأنها بلد مُستقبل للهجرة، ومُصدر، ومعبر لها. السياسات الإستراتيجية المصرية يتم صياغتها بهذا المعني. بالتالي يتم إستقبال النازحين، واللاجئين والفارين من الأزمات السياسية والعسكرية في مصر ومعاملتهم معاملة المواطنين.
وبالرغم من العبء الاقتصادي، فإن مصر تري أنه إضافة إليها إنسانياً. من هذه الزاوية، مصر تحافظ على إستقرارها الاجتماعي. أيضاً ومن هذا المنظور مصر تتعامل مع كل أنواع الوافدين بترحاب. فعلي سبيل المثال، نقابات الصحفيين، الأطباء والمهندسين، قدمت تسهيلات كبيرة وحقوق من المصريين لنظرائهم السودانيين في هذه المهن، متساويين مع المصريين. الجميع حصل علي الحق في العمل، والإقامة، إضافةً إلى تقديم العلاج الكامل. كل هذه المؤسسات والنقابات المؤطرة، إبتدعت أساليب لرعاية السودانيين.
دعونا نقول إن نهر النيل خلق الوجدان المشترك، وهذا الوجدان لا يباع ولا يُشتري. الجغرافيا كونت لنا عامل مشترك، ولا يستطيع أي شخص أن يتلاعب به. من الممكن والسهولة لمصالح إقليمية مُعينة أن تقوم بعمل منصات إعلامية، وأن تقوم بتشويه الشخصيات وتشويه صورة مصر. مع كل هذا الماء مثل الدم. خلق الشريان الذي بداخل الشعبيين، والذي هو الوجدان المشترك.
هناك إندماج علي المستوي الاجتماعي مع السودانيين من قبل المصريين، وأصبح لديهم تجليات ثقافية، إجتماعية وأدبية في المنتديات الفنية والعروض الدورية كمعرض الكتاب، في وزارة الثقافة، في المجلس المصري للشؤون الخارجية، في كل الأطر المصرية يتم التعامل من منطلق الإندماج، والوجدان بين البلدين. وأتمني أن يعود السودان كما كان.

 

آراء