سودانيون في أمريكا (53): سود، او افارقة؟ .. واشنطن: محمد علي صالح

 


 

 

قبل أسبوعين، نشرت: "كتاب أمريكي رقم 403: سوداء، وعقدة اللون"
وقبل سنتين، نشرت: "سودانيون في أمريكا (36): صحيفة واشنطن بوست، ولون سودانية."
كتبت الكتاب، دانييل بريسكود، شابة سوداء، وعارضة أزياء. كتبت عن مشاكلها مع لونها، كما تخيلتها هي. قالت انها تربت في حى فيه كثير من البيض، وصارت ربما مثلهم في ثقافتها. وكتبت: "لعبنا التنس، وركبنا الخيول، ورقصنا البالية." لكنها اشتكت من "عنصرية فطرية" في أعماق كل أبيض وبيضاء. وكتبت: "يجب ان نقبل نحن، النساء السوداوات، اننا سوداوات."
وقبل سنتين، نشرت انا عن تقرير صحيفة "واشنطن بوست" عن "ديدى"، طالبة سودانية في مدرسة ثانوية في مقاطعة فيرفاكس (ولاية فرجينيا). كان تقريرا طويلا، من صفحتين كاملتين، وفيه صورها، وصور والديها.
لكن الصحيفة:
1. كررت ان "ديدى" سوداء. لا سودانية، او أفريقية، أو عربية.
2. ركزت على عقدة اللون التي أصابت "ديدي".
3. لم تنشر آراء والديها عن عقدة اللون هذه.
4. لم تناقش تحول سودانيين في أمريكا (خاصة أولادهم وبناتهم) من فخورين بدينهم، وعروبتهم، وافريقيتهم، الى مهرولين وراء الأمريكيين السود الذين يعاني كثير منهم عقدة اللون.
كتبت الصحيفة عن "ديدي" الآتي:
"تريد ان تكون ناشطة على ضوء مظاهرات حقوق السود الجديدة. وتشتكي من تجربتها داخل مدرستها. مثل التعليقات السلبية التي سمعتها. حطمت هذه التجربة السلبية ثقتها في نفسها. وبعد ان كانت تحب نفسها، صارت تكرهها."
وأشارت الصحيفة الى ان "ديدى" ليست وحدها، وان كثيرا من السود والسوداوات في المدارس، عبر الولايات المتحدة، يشتكون.
واستعملت الصحيفة عبارتين صارتا مشهورتين وسط السود، وأيضا، وسط بيض تقدميين يعطفون كثيرا على السود:
1. "سيستيماتيك ريسيزم" (تفرقة عنصرية منهجية).
2. "ريكوننغ" (محاسبة الماضي).
هاتان العبارتان خطيرتان، وغير صحيحتين. وينتقدهما كثير من الاميركيين، لأنهما يبالغان في تصوير الحاضر. ويركزان على ماضي الرقيق والتفرقة العنصرية، ويرفضان فتح صفحة جديدة، والعمل معا نحو مستقبل أفضل.
يقول المعتدلون الآتي:
1. لم تعد "العنصرية" توجد في إي قانون أمريكي، ناهيك عن ان تكون "عنصرية منهجية".
2. توجد "ميول عنصرية" وسط البيض. وأيضا، وسط السود. ووسط كل الجماعات العرقية التي يتقرب افرادها مع بعضهم البعض. هذه ميول ثقافية وتاريخية، أكثر منها عنصرية.
3. بسبب عقدة اللون، صار السود أكثر حساسية، وغضبا. وصاروا يشتكون من "التفرقة العنصرية" عندما يتعرضون لأقل إساءة، او احراج.
في تصريحاتها لصحيفة "واشنطن بوست"، قالت السودانية "ديدى" ان لونها الأسود جعلها تحس بالعزلة. وقالت انها حاولت تبييض لونها. وبحثت في "قوقل" عن طرق ذلك. وقالت: "صار لوني مشكلة شخصية، ويؤثر على كإنسانة."
بحثت "ديدي" في "قوقل" عن مختلف أنواع البدرة، والكريمات، لتبييض الجلد. ووجدت
كريم "هانى اند ليمون" (عسل وليمون). لكن، بعد يوم واحد، انتشرت على جسمها بقع قبيحة. فزعت، وذهبت الى والدتها، التي غضبت عليها، وساعدتها في ازالة البقع.
ونشرت الصحيفة قول "ديدى" بأن الشتائم ضدها بسبب لونها لم تتوقف. ولهذا، قررت ان تتحدث علنا عن هذا الموضوع."
ونشرت الصحيفة قولها ان سواد لونها "معناه انا كسلانة، وغبية، وقبيحة".
----------------
هذه كانت قصة "ديدى" مع صحيفة “واشنطن بوست".
اليوم، هذه قصتي انا مع نفس الصحيفة:
منذ ان قتل شرطي أبيض الأسود جورج فلويد في ولاية مينيسوتا (سنة 2020)، ثار كثير من السود، بقيادة "بلاك لايفز ماتر" (أرواح السود هامة). وثار معهم بيض تقدميون. وتحولت صحيفة "واشنطن بوست" الليبرالية الى تقدمية في هذا الموضوع. ورفعت الشعارين:
1."سيستيماتيك ريسيزم" (تفرقة عنصرية ممنهجة)،
2. "ريكوننغ" (محاسبة الماضي).
قبل سنة تقريبا، أعلنت انا "الحرب" على صحيفة "واشنطن بوست". وارسلت لهم رأيي. لكنهم رفضوا نشره. وانا رفضت نشر ملخص له في عمود "رسائل القراء."
كتبت للصحيفة عن سبب غضبي. وهو ان الأمريكيين مقسمين حسب القارات التي جاءوا منها. يوجد أمريكيون اسيويون، أمريكيون لاتينيون، أمريكيون باسيفيكيون، أمريكيون أوربيون. وسألت: لماذا تحولت الصحيفة من "أمريكيين افارقة" الى "سود"؟
لماذا هوية السود حسب لونهم، لا حسب قارتهم، او حسب اديانهم، او حسب اوطانهم؟
لهذا، بعون من الله، نويت التظاهر، وحيدا، وصامتا، ومن وقت لآخر، امام مبنى الصحيفة في الشارع "كى" في واشنطن.
لن تكن هذه اول مرة افعل فيها ذلك، والحمد لله.
في سنة 2008، بدأت مظاهرة صامتة، وفردية، ومن وقت لآخر، أمام البيت الأبيض. احمل لافتة عملاقة، في جانب سؤال: "ما هو الإسلام." وفي الجانب الآخر سؤال: "ما هو الإرهاب؟"
في سنة 2016، جمدت المظاهرة بسبب الرئيس دونالد ترمب الذي يعادي الإسلام والمسلمين، وخفت على نفسي من هجمات متطرفين.
لكن، عندما اتظاهر، أحس بالأمن، لان شرطة البيت الأبيض تحميني. خلال كل هذه السنوات، لم أتعرض لهجوم كبير. مرات قليلة، اعتدى متطرفون على اللافتة، ورموها على الارض. لكن، سارعت شرطة البيت الأبيض، واوقفتهم.
عندما ابدا المظاهرة الفردية والصامتة، من وقت لآخر، أمام مبنى صحيفة "واشنطن بوست"، سأتوكل على الله، لكن سأكون خائفا. وذلك لان المبنى في منطقة ليست آمنة تماما. ولا توجد فيها الشرطة بصورة دائمة.
ما توقعت ابدا هذه "الحرب" التي أعلنتها ضد صحيفة "واشنطن بوست". وذلك لأنها:
1. ربما أهم صحيفة في العالم.
2. صحيفتي المفضلة.
منذ سنة 1980 (قبل 43 سنة)، عندما جئت الى واشنطن في وظيفتي الحالية، مراسلا صحافيا، ما عدا إذا كنت مسافرا، استيقظ كل صباح في الساعة الخامسة تقريبا. وافتح نافذة غرفة النوم في الطابق الأعلى، وانظر الى أسفل، امام باب المنزل، لأشاهد الصحيفة وقد وصلت في ذلك الصباح الباكر.
نفس المنزل، ونفس الصحيفة.
خلال كل هذه السنوات، اعتمدت على الصحيفة في الأخبار. وتدربت في غرفة التحرير فيها. وقابلت كل رؤساء تحريرها. ورتبت دورات تدريبية لصحفيين من صحيفة "الشرق الأوسط"، ومجلة "المجلة". واخرين في مجالات الإعلان، والتوزيع، والادارة.
وها انا أعلن "الحرب" عليها.
ان شاء الله، سأرفع لافتة عملاقة فيها على كل جانب: "آى آم افريكان، نوط بلاك" (أنا أفريقي، لا اسود).
بسبب خوفي، انوى الانتظار حتى أكمل مشروع كتاب ذكرياتي، عن سنوات السودان، وسنوات أمريكا.
ان شاء الله، سيكون الكتاب طويلا. مليون كلمة، هذا هو العنوان المقترح، وهذا هو الهاشتاق الذي حجزته:
“Wadihaj”: Coming to America from My Muslim Village
#MillionWordsMemoir
=========
MohammadAliSalih@gmail.com
https://www.facebook.com/mohammadali.salih.5
https://mobile.twitter.com/MohammadASalih2
https://www.instagram.com/mohammadali.salih.5/
MohammadAliSalih.com

 

آراء