صبراً يا أهل بربر والجزيرة وكسلا وكردفان فالصبر طيب والعوض من الله

 


 

 

سبق أن كتبت على هذا المنبر عن نعمة الماء التي قد تتحول إلي نقمة إذا لم يتخذ الإنسان الحيطة والحذر قبل وقوع القدر. أشياء كثيرة فى الدنيا يتعامل معها الإنسان بسهولة رغم ما تحتويه من مخاطر إذا التزم بإعتبار وتوفير معايير السلامة. هذا المعنى يشمل كأبسط مثال إبرة الخياطة التي نستهونها ونستعملها بسهولة عند اللزوم ، فربما تكون يوماً سببا فى تسمم دم الإنسان ثم موته إذا طعنته وهي ملوثة.

تفاعل الناس داخل وخارج السودان سودانيين وغيرهم مع أحداث الخريف المؤسفة فى مديرية نهر النيل والجزيرة وكردفان وكسلا كان مشهوداً ومقدراً وليت العون الطوعي يصل ليد كل متضرر غير منقوص. لكن كان الضرر الأكبر وغير معهود بمنطقة مدينة بربر وضواحيها على ضفتي النيل ( الغبش وكدباس وأبوحراز وجادالله غرباً والسعدابية والمكايلاب شرقاً ). قيل إن أكثر من خمسة الاف منزل قد تحطمت كلية نتيجة هجوم السيول المهولة من الوديان البعيدة. "خور التلواب" الهادر معروفاً منذ القدم بمنطقة المكايلاب فهو متنفس وديان العتمور الواسعة حتى المصب عند النيل، وعندما يكون الخريف ناجحا يتحول الخور إلي نهر هائج ويعوق حركة عبورالسيارات التي تربط بين أتبرا وبربر. مرتفعات ووديان العتمور هي التي تغذي هذا الخور وخيران أخرى أصغر من التلواب مثل خور الدكة وخور القدواب وغيرها فكلها أيضا تعوق حركة السيارات خلال فصل الخريف .

بعيداً عن العواطف والمجاملات والخلافات الفكرية والجهوية ولنكون برغماتيبن ما هي الأسباب التي أدت لهذا الخراب وما هي الحلول لتفادي تكرارها؟
الأسباب
(1) دولة فاشلة التخطيط ولا شك أو جدال في ذلك
(2) محدودية دخل الأفراد وغلاء مواد البناء الفاحش ( وهذه أيضا من مسؤلية الدولة) هو الذي جعل الناس يسكنون في العشش أو الخلاء أو بيوت من طين خالص

فشل الدولة فى التخطيط يتمثل فى تشجيع الإستثمار ( سواء من مواطنين أو أجانب) من غير ضوابط وشروط صارمة بعد دراسة جدوى علمية بحثية . المجاملات والمصالح الشخصية هي بيت القصيد. كمثال دعوني أتحدث فقط عن بربر التي أعرفها. كانت المدينة وضواحيها فى زمننا خلال حتى السبعينات والثمانينات آمنة وفى نعيم وأمن وأمان خاصةً قبل العام ١٩٨٩. بعد ذلك تغير الحال إلي أسوأ بمنح أراضيها الشاسعة للمرحوم الراجحي الذي خطط جيدا لمنفعته الخاصة من عائد المشروع قبل منفعة المنطقة. أقام جسورا صغيرة لا تكفي سعة تلك الخيران الخطيرة لأن المشكلة لا هو ولا مهندسوه من ابناء المنطقة الأدرى بشعابها. لم تستفد المنطقة من ذلك المشروع "وإن روجوا له عبر قناة النيل الأزرق وصحافة مدفوعة الثمن، فكل ذلك يصب فى مصلحة مشروع الراجحي فقط". وهلم جراً فقد دخلت كذلك على المنطقة كوارث من صناعة الأسمنت " حرام أسمنتيها على أهل المنطقة " وتعدين الذهب " ذهب بربر والعبيدية وابوحمد ، من قبل روس وأجانب وحتى سودانيين قد لا يخافون الله فكيف يحسنون لأهل المنفعة أصحاب المعدن الثمين أبناء المنطقة أولاً . بالعكس تعدين الذهب هكذا قد صار بالفعل مصدر كارثة صحية خطيرة سيستمر ضررها على البيئة والناس عبر الحاضر والمستقبل من عمر الزمان الذي لا يرحم

حصيلة ذلك الفشل أن معظم منازل سكان السودان رغم وجود مصانع الأسمنت تبني من الطين الخالص ( جالوص أو طوب أخضر) كلاهما لا يقاومان غدر الماء سواء نتيجة فيضان النيل أو هطول الأمطار. والسؤال لماذا يلجأ الناس لإتخاذ بيوتهم من الطين؟ السبب العين بصيرة واليد قصيرة ، فدخل الفرد اليومي لا يتعدى العشرة دولارات وأراضي قري ومدن السودان تنضح ذهباً خالصاً لكن للأسف الشديد لتسعد به أمم إختارت نفسها لتسود ، وهنا يبرز السؤال " لماذا استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟"

هذا الحال، المحزن المحبط ، يذكرني بفيديو متداول وقبل أسابيع يتحدث فيه السيد والي الخرطوم "المكلف" عن ضرورة تسوير وبناء أي مساحة خالية في المناطق العاصمية التى يسميها بالخدمية . وقيل إنه أعطى مهلة ستة أشهر فقط لأصحاب تلك الأراضي لإتخاذ اللازم لتنفيذ الأمر وإلا ستصادر منهم تلك القطع. تعجبت وربما مثلي كثيرون وتساءلت بعقلانية صرفة هل خطر ببال السيد الوالي لماذا ظلت هذه القطع غير مشيدة ؟ لعله كان سيكون موفقا وحانيا على مواطنيه فيفوز بالحسنيين الشكر والدعاء له، إذا درس الأسباب أولا وهي عديدة ومن ثم يمكنه إتخاذ القرار المناسب، ومن أهمها غلاء مواد البناء الفاحش والضرائب والإتاوات التي لا يقدر عليها إلا مستثمر أو شخص محظوظ " ومرطب، كما يقولون" تنزلت عليه ليلة القدر ببركاتها . معظم أصحاب هذه القطع من الطبقة الوسطى ، دخلهم محدود وإن كانوا حتى من المغتربين فدخلهم الشهري المحدود له من القنوات العديدة التي لا تترك منه ما يبني عمودا اسمنتيا واحدا. ايضاً يتحدث السيد الوالي عن أن تلك المناطق بأنها خدمية! ماذا يا تري الذي قدمته فى الواقع المعاش بلدية الخرطوم من خدمات لموطنيها؟ توفر الماء والكهرباء ؟ حدث ولا حرج. الصرف الصحي ؟ حدث ولا حرج. الأمن على النفس والممتلكات؟ حدث ولا حرج. التعليم والعلاج المتاح لكل فرد؟ حدث ولا حرج. البنية التحتية المواكبة لعواصم العالم والساحات الخضراء للترويح والنزهة ؟ حدث ولا حرج. ليت الوالي كان حانيا بل واقعياً فيدخل السرور على أصحاب تلك الأراضي بالبشارات بتوفير مواد البناء بأسعار معقولة وأنه سيفسح لهم بنوك تشيد لهم منازلهم بأقساط مريحة وأنه سيعمم شبكة الصرف الصحي لتعم كل العاصمة فلا يضطر الناس لحفر آبار صرف صحي لكل بيت وأنه سيوفر الكهرباء وإسالة الماء الصحي النقي وسيطبق الأمن وخدمات الشرطة والدفاع المدني لكل مواطن …..إلخ والقائمة تطول ونحن فى القرن الحادي والعشرين وعجلاتنا تلف عكس الريح يا جماعة الخير

يا عزيزي السيد الوالي وياكل مسؤل ، إعترفوا بالفشل، أرفعوا أيديكم فالمسؤلية ليست ظهور على المنابر والمناسبات وخطابة بيانات أو قرارات أمام عدسات التلفاز ، المسؤلية أولا خوف من الله وأمانة نفس وضمير وخوف من الفشل والفضيحة والمساءلة القانونية إذا فسد القصد والفعل. المسؤلية علم بالشيء المناط به وخبرة كافية تخطط بعقلية سليمة كافية الذكاء وقلباً نظيفاً من الحقد والحسد، فرفقاً بمواطنيكم يا من تحكمون وأرجو أن لا تتحكمون فى أمور العباد فينطبق عليكم المثل " التركي ولا المتورك" فيكرهكم القوم وتلحقكم كدراً دعوات المظلومين . يا هول دعوة المظلوم فليس لها من الله حجاب !

غفر الله لشهداء السيول والأمطار فى كل مناطق السودان والعوض يارب لكل من فقد مأواه ومتاعه أو الأحباب من أسرته. رحمة الله على روح كل شهيد وشهيدة. ويا أهل بربر والشرق والغرب والجزيرة أبقوا عشرة على أنفسكم وأراضيكم وما تحتويه من نفائس وتسلحوا بسلاح العلم والمعرفة

drabdelmoneim@gmail.com
///////////////////////

 

آراء