على هامش الرؤية: تراث الإمام الراحل الصادق المهدي

 


 

 

تشرفت بدعوة كريمة من المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي، لحضور ندوة بالتعاون مع اتحاد كتاب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بعنوان "السياسة والدين والثقافة…الأعمال الكاملة للإمام الصادق المهدي” ، بمشاركة نخبة من المثقفين السودانيين والمصريين، وتزامنت الندوة مع ذكرى مولده وبمناسبة صدور المجلد الاول (من عشر اجزاء) من الأعمال الكاملة للإمام.

حسب رايي فقد تميزت السياسة السودانية المعاصرة بغياب الرؤية، حيث انتقلت من رؤية المهدي في التجديد الديني والاقتصادي والاجتماعي(على الاقل نظرياً) إلى رؤية الاستعمار في نهب البلاد لصالحة وتشييد بنية اقتصادية وتسندها بنيات سياسية واجتماعية تصب لصالحه. منذ الاستقلال لم تفلح الطبقة السياسية السودانية في الاتفاق على رؤية وطنية، رغم وجود المفكرين والمثقفين والمدارس الفكرية المؤهلة لذلك.

احد ابرز هؤلاء كان الإمام الراحل، الذي اتيحت له الفرص التاريخية والسياسية والحياتية. تاريخياً فقد ورث تراث المهدية والتي قامت بشكل أساسي على تحرير الوطن من الاحتلال، وتوحد العالم الإسلامي عبر توحد السودان وتطوره في ادبيات كثيرة، ثم حياة جده الإمام عبد الرحمن الذي أعاد بناء كيان الانصار وحزب المهديين مع تميز به من حكمة واستنارة وأضخمها اعادة توحيد دارفور مع السودان سياسيا، واجتماعياً وليس عسكرياً فقط، ووالده الإمام الراحل الصديق كان رؤيوياً وطرح الاعتماد على المباديء الإسلامية والتنمية لمعالجة التهميش.

درس الامام في معقل الفكر الأوربي وانفتح على مدارسه الفكرية وبدا مبكراً في معالجة مشكلات السودان الأساسية: مشكلة الجنوب واصدر كتاباً حولها وطرق حلها، ثم كتاباً عن علاقات الانتاج الزراعي وحل إشكاليتها وطبق حكومياً في اصدار قانون الاصلاح الزراعي في الستينات. وكتب عن تطوير النفوذ الطائفي والقبلي. اتيحت للأمام على مدى عقود ان يساهم في أنشطة محلية ودولية ومشاركات والتعرف على إشكالات جديدة والكتابة حولها. لقد كان الامام في عشية رحيله محيطاً بالسياسة والدين والثقافة والجيوبوليتيكا.

كانت فرصة الامام الضائعة في البدء بتوحيد السودانيين حول رؤية سودانية ، لانه كان يملك مقدرات فكرية وعلاقات اجتماعية باغلب مثقفي جيله ووصل إلى السلطة في الستينات والثمانينات وسط زخم تاييد شعبي كبير. لقد تناولت الفرصة الضائعة في كتاب الرؤية السودانية الكتاب الاول تحت عنوان الصادق المهدي (١٠٧-١٢٢)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. واهتم هنا بالعلم الذي ينتفع به. ترك الإمام الراحل مايمكن ان يعد اكبر تراث فكري لفرد في تاريخ السودان، كتباً مطبوعة، أوراق علمية، مقالات، تسجيلات صوتية ورقمية، لكن بعكس الكثير من الكتاب والعاملين بالفكر قيض الله له ماكان قد استعد له منذ صباه، مكتباً لمتابعة وحفظ وترتيب ونشر تراثه مما لم يتح لاي سوداني. اعتبر هذا جزء من استعادة الوطن تأريخاً وذكريات وامل في المستقبل واتمنى ان يواصل السودانيين في هذا الجهد الضروري والهام.

هذا التراث الثري والذي تناول فيه آلامام كل تفاصيل الحياة من كافة جوانبها، خاصة كتابه ميزان المصير الوطني والتي لخص فيها الإشكالات التي تواجه السودان واتجاهات المستقبل، ووثيقة الخلاص (الجزء الاول وكنت اسمع ان هناك جزء ثاني) والتي اصدرها حزب الامة ومقالات نشرت في سنواته الاخيرة، هي جزء من الذخيرة المعرفية التي ينبغي ان تأسس عليها الرؤية الوطنية السودانية. ان على القائمين على نشر ارث الامام مسئولية استخراج ملامح المشروع الوطني الذي كتب عنه وبحث ودرس كإعمال تحضيرية للجنة او الهيئة المكلفة بالسعي لكتابة رؤية السودان.

الرؤية الوطنية السودانية هو يجب ان يشمل نتاج ومساهمات كل المثقفين والمفكرين ومجمل المنتجين الفكريين وتخضع لنقاش مجتمعي كبير (ارجع لكتاب الروية السودانية، نحو اطار عام للرؤية لتفاصيل انشاء الرؤية الهندية)، وفي هذا فان فكر الامام رافد كبير في المجاري التي ستصب في هذا النهر الذي من المأمول سوف يقودنا إلى المستقبل.

 

آراء