فيزا سياحية مع المتنبي الي شعب بوان !!

 


 

 

في العام 1968 من القرن المنصرم ونحن نشق طريقنا باتجاه المرحلة الثانوية ،كان ضمن ما حواه منهج اللغة العربية وتلك القصائد التى نصدح بها صباحا ومساء حفظا وكتابة وتفسيرا ونبذة عن الشاعر ،قصيدة (شعب بوان )للشاعر العربي ابو الطيب المتنبي ،وكانت تلك الابيات مأخوذة بتصرف من قصيدة طويلة تفوق الثلاثين بيتا .
لم يكن المتنبي يعنينا كثيرا في بواكير التوغل نحو عالم الادب والمعرفة .وكنا نردد اشعاره في مناسبات كثيرة ماخوذين بجرس الحكمة وحضورها ،(انا الذي نظر الاعمى الي ادبى واسمعت كلماتي من به صمم ) (لا تحسب الشحم فيمن شحمه ورم) (اذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن ان الليث يبتسم )وبما ان الحكمة ضالة المؤمن كما يقولون فلعل اولئك الرواد من التربويين نزعوا الي ترسيخها في مثلها مناهج .
وقتها كنت اسرح بخيالي حينا في حالات غير تصالحية مع المتنبي وذلك وفق ملامح نقدية شفيفة وفطيرة وقراءات متناثرة عرفت منها ان المتنبي قد هجا كافور الاخشيدى في مصر لسواد بشرته وهو القائل..
جود الرجال من الايدي وجودهمو
من اللسان فلا كانو ولا الجود
ثم ذلك البيت الذي اسس كثيرا للبناء العنصرى ..
لا تشترى العبد الا والعصا معه
ان العبيد لانجاس مناكيد ،وغير ذلك من الشعر الذي ينضح عنصرية وتعالي .
ولدهشتى ان المتنبي كان اكثر حضورا في المرحلة الثانوية حيث وجدت فحول الشعراء ومن اساتذتنا العمالقة الاجلاء وكتب منهجية ،جميعها ترسخ لاشعار ذلك المثير للجدل ابو الطيب المتنبي .ولعلكم تذكرون استاذنا القامة الراحل بابكر دشين وعبد القادر كرف وابو الزين وغيرهم وكنا نصحو وننام مع المتنبي في صحاريه ومضارب الخيام والسيوف والغوانى .غير ان اشعار وحضور الاساتذة محى الدين فارس،ومحمد سعد دياب كان ينقلنا شيئا ما الي ساحة العصر والتمرد علي ليل الصحراء.
كنت اسعى دائما الي تحطيم ذلك الوثن الادبي الذي يمثله المتنبي بالنسبة لي وفق قراءات خارجة علي القانون المنهجى اعثر عليها في مكتبة ام درمان المركزية والتى كانت تمثل معبدا آوى اليه بادمان في تلك السن الباكرة .
ولنعد الان الي قصيدته (شعب بوان)وتلك اللوحة الاخاذة التى رسمها بعد ان اعلن تمرده علي الاخشيدى ورمى بآخر سهامه من جعبته العنصرية
من علم الاسود المخصي مكرمة
اقوامه البيض ام اجداده السود
او في لحظة هذيانه من حمي الملاريا في ايامه الاخيرة في مصر
وزائرتى كان بها حياء وليس تزور الا في الظلام
ففي عام 354 هجرية وصلته دعوة او فيزا زيارة بلغة اليوم وهو قد قدم الي الكوفة فارا من مصر .بعث بها اليه الوزير الفارسي ابو القضل العميد وسرعان ما هرول اليه حيث مكث في مقاطعة ارمان مادحا ومستعطفا ومستعذبا تلك الحياة عسي ان تغسل ما بدواخله من وعث الصحراء وضيق ذات يد كافور الاخشيدى .
وقد شبه ابن العميد بالحكيم ارطوطاليس وبالاسكندر المقدونى وفي تقديرى ان ذلك يمثل مرحلة انفتاح قصوى للمتنبي وعلاقاته بالاعاجم الذين ابلي في هجائهم .
ثم تلقي المتنبي دعوة اخرى وفي ذات العام للملك البوهيمى عضد الدولة حيث فجر من داخل ذاته الصحراوى عين قصيدته (شعب بوان ) تلك التى الهب المعلمون ظهورنا لحفظها في العام 1968م.
مغانى الشعب طيبا في المغانى بمنزلة الربيع من الزمان
ولكن الفتى العربي فيها غريب الوجه واليد واللسان
فها هو يعود لقوقعه الانسانى والاحساس بالغربة والتغريب ،من حيث لون البشره ورسم الكتابة وما ينطق به اللسان .

لقد عاد غريبا كما بدافي تلك الجنة الارضية وفي ربيعها وعذوبة مائها وحسانها ويمضي متاملا ذلك السحر ويخاف ويخشي جدا تاشيرة (الخروج النهائى) من تلك الجنة الارضية
ابوكم ادم سن المعاصي وعلمكم
مفارقة الجنان
في اعتقادي ان زيارة ابي الطيب المتنبي الي بلاد فارس قد نقلته من عنف البادية ووحشة وجفاف ليل الصحارى والتسول الشعرى الي حافة جمال الطبيعة وفاعليتها في تشذيب النفس البشرية .

musahak@hotmail.com

 

آراء